قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الأحد: إن 14 من جنود الاحتلال أقدموا على الانتحار منذ بداية العام الجاري (2022)، خلال تأدية الخدمة العسكرية، وهو الرقم الأعلى منذ 5 سنوات.
وأظهرت معطيات نشرتها الصحيفة أنه في عام 2005، بلغ عدد حالات الانتحار بين جنود جيش الاحتلال 36 حالة، وانخفضت إلى 28 و6 في عامي 2010 و2013 على التوالي، ثم قفزت في عام 2017 إلى 16.
ويُستدل من الإحصاءات التي وُصفت بالمُقلقة أن الغالبية العظمى من حالات الانتحار تعود إلى الجنود من الذكور، حيث لا يتركون خلفهم أي خطابات أو رسائل تشرح أسباب إقدامهم على إنهاء حياتهم بأيديهم.
{tweet}url=1606966708442382336&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
ولم يتوصل جيش الاحتلال إلى نتيجة واضحة تفسر زيادة حالات الانتحار هذا العام في صفوف الجنود والذكور على وجه الخصوص.
وصدرت تعليمات للضباط في الجيش بالحرص على “زيادة اليقظة والاهتمام اللازم” لمنع زيادة حالات الانتحار في صفوف الجنود.
وبحسب معطيات جيش الاحتلال فإن الارتفاع المتواصل في الإعفاء من الخدمة العسكرية بسبب الأوضاع النفسية، حيث سجل في العام 2015 طلبات بلغت نسبتها 4.5%، تطلب الإعفاء من الخدمة بسبب الأوضاع النفسية، وارتفعت الطلبات لتصل إلى 8.5% في نهاية العام 2020.
ليس هذا وحسب، بل أن طلبات الإعفاء عن الاستمرار في الخدمة العسكرية بسبب الأوضاع النفسية، بارتفاع متواصل خلال الخدمة الإلزامية أيضا، وبلغت حوالي 8.6%، علما أن غالبية طلبات الإعفاء تكون خلال العام الأول من الخدمة العسكرية بحسب الجزيرة نت.
نقاشات علنية
مع تفاقم هذه الظواهر اضطرت قيادة الاحتلال إلى إجراء نقاشات علنية والبحث عن وسائل فعّالة لمعالجة هذه الظواهر، وشكلت بعد سنة 2006 لجنة خاصة مهمتها دراسة أسباب إقدام جنود الاحتلال على الانتحار وكيفية معالجتها.
بعد حرب العصف المأكول 2014 أعلن جيش الاحتلال ارتفاع حالات الانتحار بين الجنود الصهاينة خلال عام 2014، حيث انتحر 15 جندياً، وهو العدد الذي يزيد قليلاً عن الضعف مقارنة بعدد حالات الانتحار في عام 2013، وفقاً لبيان صادر عن الجيش الإسرائيلي، نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”
وأظهرت إحصاءات رسمية لمركز الأبحاث في الكنيست أن إسرائيل تسجل منذ 2010 حتى 2020 نحو 5380 حالة انتحار في صفوف المجتمع الصهيوني، بمعدل 500 انتحار في كل عام تقريباً، منها مائة انتحار سنوياً في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي.
الدراسات الصهيونية تقول إن أسباب الانتحار في صفوف جيش الاحتلال تعود إلى انتشار الظاهرة في المجتمع الصهيوني وبين اليهود من مختلف الطوائف والشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية، وذلك لأسباب نفسية واجتماعية واقتصادية لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
كما تشهد ظاهرة تهرب جنود الاحتلال الجُدد من الخدمة العسكرية في الجيش اتّساعًا بنسبة كبيرة مؤخرًا؛ إذ وصلت إلى 32.9%، وهو ما اعتبرته أوساطٌ أمنية ظاهِرة مُقلقة، استدعت اتخاذ إجراءات مضادة للتخفيف من أثرها واتّساعها.
ووفق ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرنوت “الإسرائيلية” فإن ثلث الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية، في عام 2020، امتنعوا عن التجنيد، وأحد البنود التي يعتمدون عليها هو الإعفاء من الخدمة العسكرية بسبب الحالة النفسية.
مؤخراً كثرت الدراسات والتقارير الاسرائيلية التي ترصد ظواهر متعددة في صفوف جيش الاحتلال، والتي تشير بمجملها إلى أن أسباب التهرب من صفوف الجيش والانتحار وتعاطي المخدرات ترتبط بالعوامل الشخصية والمجتمعية بحسب عربي بوست.
الخدمة العسكرية بالجيش الصهيوني
ويرى البعض أن شعبة القوى البشرية في جيش الاحتلال تتعمد حجب الحقائق بشأن تفشي ظاهرة الانتحار، وتتكتم على الأعداد الرسمية والحقيقية للجنود الذين يقدمون على الانتحار سنوياً، لأسباب أمنية من أجل الحفاظ على الدافعية للالتحاق والانخراط في الخدمة العسكرية الإجبارية.
وعند النظر بعمق للأسباب الفعلية لهذه الظواهر المتفشية بجيش الاحتلال دون الالتفات لسياسات التبرير السطحية المقدمة من الجيش المعروف عنها إخفاء الحقائق المتعلقة بشن عملياتها وحروبها العسكرية وتوريط جنودها بها.
نرى على أرض الواقع الكثير من جنود الاحتلال الذين ينخرطون في الخدمة العسكرية بالجيش الصهيوني صرّحوا في مناسباتٍ عدّة بعدم رغبتهم في العمل مع الجيش، وخاصةً بعد المعارك التي يشنّها الكيان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يخوضه من حروبٍ، يرى الجندي أنّها تُعرضه للخطف والقتل، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن العنصر البشري هو الأهم في أي جيش أو قوة عسكرية، تعكس هذه المؤشرات كلّها ضعفاً جذرياً في منظومة الجيش “الإسرائيلي” الهشّة جداً، رغم كل ما تطوّره من تقنيّات ومُعدّات لحماية وتأمين وتتبّع قواتها، ودعاية وترويج لقوّتها وعتادها.
بحسب بعض الدراسات الأخيرة نجد أن أغلبية المنتحرين هم العائدون من ميدان المعارك، وإن معظم الجنود الذين انتحروا عانوا مدة طويلة من قلق بشأن المستقبل، وعاشوا حالة إحباط مستمر وارتباك شديد وشعور بعدم الانتماء للإطار العسكري.
الرقابة العسكرية
وفي المجمل، يمكن ربط حالات الانتحار والتهرب من الخدمة العسكرية بالعمليات العسكرية والمعارك التي تجري مع المقاومة، فبعد أي عملية عسكرية كبيرة نلحظ ارتفاع عدد الجنود الذين خضعوا لعلاج نفسي، الأمر الذي دفع القيادة العسكرية للجيش إلى اللجوء إلى خدمات القطاع الخاص في الطب النفسي لمعالجة تزايد الحالات النفسية وسط الجنود.
هذا تشخيص يكشف حقاً عن صلب الحقيقة التي يخفيها قادة جيش الاحتلال بسبب الرقابة العسكرية، لذلك نرى أن أغلب التقارير الصادرة تزعم أن المسببات الرئيسية التي تدفع الجنود للانتحار أو التهرب من الخدمة تعود إلى الضغوط النفسية والإدمان، بينما الدراسات الأخيرة تؤكد عكس ذلك وتنص على تنامي ظاهرة الانتحار والهروب من التجنيد تعود بسبب المعارك مع المقاومة
فجيش الاحتلال ورغم التفوّق التسليحي والتكنولوجي، إلا أنّه يفتقر للدافعية القتالية التي تعدّ أحد أبرز الثغرات في الجيش، وهذا ما أكده ألون بن دافيد، الخبير العسكري في القناة العاشرة، حين قال إن “المشكلة التي يواجهها الجيش تكمن في عدم جاهزيته للمعركة القادمة، وليس مردها إلى نقص في المعدات أو شح في الإمكانيات، وإنما في عدم وجود الحافزية عند الجنود والضباط لخوض القتال”.
ويمكننا أن نضيف هنا نقطة أخرى، ألا وهي مسألة الإيمان لدى الجندي المقاتل، كونها الشحنة الذاتية التي تقوي إرادته وتزيد من عزيمته وهو يجابه الموت دفاعاً عن وطنه وأرضه وعرضه.
لكن الجندي الصهيوني يفتقر لهذه المسألة الإيمانية لأنه يقاتل من أجل أهداف وغايات سياسية وشخصية تتعلق بمصالح، فهو جندي يقبض أتعابه مزود بأحدث الأسلحة الصهيونية الفتاكة، لكن تنقصه روحانية النفس الإنسانية؛ لذلك عندما يجد نفسه متورطاً بحرب صنعها قادته من ناحية، ويكتشف الزيف والتضليل في أسباب اندلاعها من ناحية أخرى، فإن الإحباط يتنامى بداخله ليتحول إلى يأس وقنوط.
خصوصاً وهو يرى تساقط زملائه بمعارك غزة بالقنص أو التفجير او الكمائن أو الأسر مثل تساقط الهوائم في هشيم النار.
وبما أنه يخشى من هكذا قتال ولا يرى فيه جدوى، وأنه مجبر على مواصلة القتال والخدمة لذا يتجه صوب الهروب الأبدي عبر الانتحار أو الهروب والتملص من أداء الخدمة على خطوط المواجهة، ولا حل لهذه الظواهر المتنامية في صفوف الجيش الإسرائيلي إلا بإنهاء الاحتلال وإرجاع الحق لأهله الأصليين نحن الفلسطينيين بحسب صحيفة الاستقلال.
أزمة في جيش الاحتلال..
في السياق، يقول الصحفي والمختص في الشأن اليهودي محمد بدر إن فترة 5 سنوات ليست بالفترة الكافية لبناء افتراضات معينة يمكنها تفسير هذه الزيادة خاصة وأنها طفيفة، لكن ذلك لا يعني عدم وجود أزمة داخل جيش الاحتلال.
وبحسب الصحفي والمختص بدر فإن جيش الاحتلال لم يعد الحيز الذي يرى فيه الإسرائيلي نفسه، فقد تحول من مكان للتنشئة النفسية والاجتماعية للأفراد، إلى مكان قاهر يضاعف من حالة اللايقين والشك بالمستقبل.
وأوضح أن الطبقية والعنصرية تطبق على جيش الاحتلال، وهو ما يفسر مثلا أن ثلث المنتحرين من الجنود في العام الماضي كانوا من الجنود الإثيوبيين، وهذا معطى يمكن البناء عليه في تفسير الظاهرة وأسبابها.
ويردف: “المجتمع العسكري في الحالة اليهودية مريض ومفكك، وهذه الحالة تؤثر على معنويات الجنود وعلى نظرتهم العسكرية وخدمتهم التي يقومون بها”.
واعتبر بدر أن ما يحصل حاليًا داخل جيش الاحتلال يطرح سؤالاً بارزًا يتمثل في مصير الجندي بعد أدائه الخدمة العسكرية؛ وهو الأمر الذي يرفع معدلات الاكتئاب والأمراض النفسية في صفوف المجندين ومؤدي الخدمة.
وقال إن القيم النيوليبرالية هي السبب الأهم الذي يعزو له الخبراء العسكريين الإسرائيليين التوتر الشديد في العلاقة بين الفرد والجيش، قبل الخدمة وخلالها، وهذه القيم ساهمت في النظر للجيش كإطار قاتل للمستقبل بحسب شبكة القدس الإخبارية.