تتباين العادات الاجتماعية في المجتمعات العربية بالنسبة للزواج ومتطلباته من دولة لأخرى، ومن مدينة لأخرى في البلد الواحد، وأحياناً من أسرة لأخرى داخل العائلة الواحدة أو القبيلة أو العشيرة أو القرية الواحدة، وهذه العادات منها ما هو حسن ينبثق عن جوهر تعاليم الإسلام ولكنه قليل للغاية؛ بينما العادات السيئة تكون الأغلب للأسف الشديد، وهذه العادات السيئة تؤدي إلى إغلاق أبواب الحلال في وجوه الشباب والفتيات، وتحول بينهم وبين تأسيس عش الزوجية الهادئ البسيط من أجل تكوين أسرة صغيرة تكون بمثابة لبنة صالحة في بناء مجتمعنا الإسلامي المنشود.
ومن أجل استكشاف تلك العادات التي تندرج جميعها تحت باب النفاق الاجتماعي والمظاهر الكاذبة والتفاخر الممقوت والاستغلال والبهرجة وحب الظهور وكأننا في ساحة سوق للبيع والشراء، وتحول عقد الزواج المقدس إلى سوق للمزادات، ومن يدفع أكثر هو الذي يفوز، وتحولت الفتاة وأحياناً الشاب إلى بضاعة تباع وتشترى وتقيَّم بالمال!
وهنا تراجع الحديث الشريف الذي وضع لنا قواعد اختيار الشاب لزوجته والفتاة لزوجها، وفق القواعد الشرعية النبوية؛ «تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، لتختفي من الأرجاء، ويحل محل الحديث النبوي وقواعد سيد الخلق قواعد أخرى في غالبيتها شيطانية لا تؤدي إلى الاستقرار ولا إلى السكينة التي نشدها القرآن في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، كما حدد لنا الحديث الشريف قواعد اختيار الفتاة لزوجها فقال النبي ﷺ: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض».
عاداتنا اليوم تخالف أهداف الزواج التي دعا إليها الإسلام
بداية، من الجزائر، تقول نائبة رئيس البرلمان الجزائري السابقة عائشة بلحجار: إنه يجب تحديد الأهداف من عملية الزواج أولاً، وهي بنص القرآن الكريم تحقيق السكينة لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، يلي ذلك تحقيق التماسك الاجتماعي والتناسل، بحسب قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: 1).
وتضيف بلحجار أنه بناء على ذلك، يُعد الزواج وتأسيس الأسرة قاعدة؛ بل لبنة أساسية في بناء الحضارات، ونظراً لأهمية الزواج وما يترتب عليه من فوائد مجتمعية وإنسانية، فقد أصبحت له مكانة قيمة في كافة المجتمعات الإسلامية وغيرها، عربية وأعجمية، ولكن مع مرور الوقت والتطور الإنساني، فقد انقلبت الأمور؛ فأصبح الهدف من الزواج مجرد شكليات، وأصبحت الشكليات هي الأهداف الأساسية؛ مما أدى إلى انحراف في النظرة للزواج، وأصبحت العادات والتقاليد هي التي تتحكم في مصير الزواج والزوجين.
وبالطبع، هناك عادات محمودة كالأفراح والهدايا والتطوع العائلي لإقامة العرس، وهناك ما شرعه الله كالمهر والسكن بدون مبالغة ولا ترف، هذه كلها عادات تدعم وتشجع الزواج؛ أما العادات التي أصبحت هدف العائلات من الزواج كالمهر الغالي، والتجهيزات المبالغ فيها وغيرها من الأمور السلبية التي تعوق تحقيق الهدف الأصلي من الزواج؛ ولنأخذ مثال الجزائر.
وتواصل بلحجار قولها: إنه في الجزائر أصبح الشباب يهربون من فكرة الزواج بسبب تكاليف المهر الباهظة، وما يصطحبه من تكاليف الفرح الذي أصبح يقام في قاعات الحفلات المبهرجة بأسعار خيالية، وتقع على عاتق الشاب، زد على ذلك أثاث البيت الذي أصبح متطوراً وغالياً جداً، وبالنسبة للعروس التي أصبح لزاماً عليها إحضار الجهاز الذي يحوي من الألبسة الغالية والذهب ما يرهق كاهل والديها.
ففي يوم العرس على العروسة القيام بما يسمى عندنا بـ«التصديرة»، أي استعراض الملابس لساعات طويلة يوم العرس، زيادة على القاعة وما يصحبها من مأكولات وحلويات، وهذا أيضاً أصبح أمراً استعراضياً شكلاً ومضموناً، وفي النتيجة يدخل الزوجان بيت الزوجية وهما مثقلان بالديون؛ مما يؤثر على نفسيتهما؛ فيُفقد حينها الهدف الرئيس من الزواج وهو الاستقرار والسكينة.
وكثيراً ما نسمع عن تعدد الزوجات على أنه حل لمشكلة العنوسة عند النساء، ونتناسى السبب الرئيس وهو عزوف الشباب عن الزواج بسبب التكاليف الباهظة التي تتسبب فيها عادات وتقاليد لا معنى لها، ولا تدوم فعاليتها الإيجابية سوى أيام العرس وتختفي، وتحل محلها النتائج الوخيمة التي تؤرق الزوجين، ويفقدان معها السكينة والطمأنينة، ويكثر الطلاق الذي غالباً ما يسببه الضغط الذي يعيشه كلا الزوجين، ثم لا يكاد يأتي الأطفال في جو أزمة مادية ونفسية.
عندما نشخّص الداء ممكن إيجاد الحلول التي ليست صعبة المنال، فهي تكمن في تنازل المجتمع عن كل ما هو مكلف، وطبعاً هذا جانب من المشكلات التي تواجه الشباب؛ نساء ورجالاً، كما أن هناك عادات وتقاليد أخرى ليست لها علاقة بالمال قد تؤثر سلباً على مصير الزواج.
في السودان.. تزاحم العادات الدخيلة
ومن السودان، يؤكد الأكاديمي أستاذ اللغة العربية ومهارات التواصل بالجامعات التركية د. محمد ضوينا، أن الزواج في السودان فيه عادات وأعراف حميدة، كما فيه عادات أخرى دخيلة على مجتمعنا الإسلامي، مشيراً إلى أن العادات الحميدة لديهم مأخوذة من الوحي ومن منهج النبوة ومن العُرف الحسن، ومن ذلك أن عقد الزواج دائماً يُشهر في المساجد وبحضور أهل الحي أو القرية والأقارب ويتم الإعلان بميكرفون المسجد.
وفي حالة الزوجة الثانية، يُحضر العريس مالاً ومقتنيات للزوجة الأولى أيضاً لإرضائها، وأحياناً يشترط أهل الزوجة الثانية حضور الزوجة الأولى عند الطلب والخطبة دليل الاحترام والتقدير، وتكون مراسم الزواج في بيت عائلة الزوج ومثله في بيت عائلة الزوجة واستعمال الدفوف والطبل، وتكون المراسم غالباً يوم الجمعة أو الأربعاء، وبعض العشائر تعتمد نظام البنت لأبناء أعمامها، كما أن أكثر العشائر في السودان لا تؤمن بنظام الخطبة والانتظار، ويعتمدون نظام النكاح الفوري!
أما العادات السيئة الدخيلة فهي مأخوذة من عادات الغرب ومستوردة من مجتمعات أخرى وما أنزل الله بها من سلطان، وهي تعقد مهمة الشباب والفتيات في تأسيس بيت تملؤه السكينة والاستقرار، ومنها:
– الحفلات الراقصة في الصالات المكلفة والاختلاط بين الرجال والنساء.
– المغالاة في المهور والمبالغة في تكاليف الزواج.
– التنافس بين العائلات في أيهما أفضل زواجاً وبزخاً.
ومن ليبيا، تؤكد د. رقية دومة، خبيرة تطوير الذات وسلوكيات المجتمع العربي، أن واقع الزواج في المجتمع الليبي المحافظ بفضل الله، وأفراده مسلمون سُنة 100% مالكيون مع وجود بعض مناطق الأمازيغ الذين لهم مذهب فقهي خاص، وهذه الصبغة الدينية الواحدة أدت إلى تشابه الكثير من العادات الاجتماعية عند الليبيين.
وهذا الانتماء الديني الكبير أدى إلى تعميق التقدير والاهتمام بالأسرة والعلاقات الاجتماعية؛ ولكن للأسف وصل هذا التقدير والاهتمام إلى درجة المبالغة الزائدة عن الحد، وتمثل ذلك في تقديم أهمية القبيلة والتفاخر المبالغ فيه بالأنساب، حتى وصل الأمر أحياناً إلى أن بعض المدن لا تقبل تزويج أبناء مدن أخرى، وبعض القبائل ترفض تزويج قبائل أخرى.
وأضافت د. رقية، أنه أصبحت توجد صعوبة في التخلي عن الأنساب، فالبنت ذات نسب معين يجب أن تتزوج من نفس النسب أو نفس القبيلة، كما أن هناك مغالاة بالمهور وباقي تكاليف الزواج، وبوجوب امتلاك منزل خاص، وسيارة، وأثاث بمستوى معين، وارتفاع نفقات حفل الزفاف والولائم الضخمة، وكل هذه النفقات ترهق الشباب المقبل على الزواج.
ثم مع مرور الوقت تغيرت بعض هذه العادات السيئة، وأصبح هناك تساهل في تزويج البنات بأبناء مناطق أخرى، حتى إن اختلفت القبيلة أو النسب وبدأ تخفيف النظرة الدونية لبعض الأنساب؛ ولكن للأسف من ناحية أخرى ارتفعت المتطلبات المادية للزواج بدرجة عالية جداً، وقد لاحظت ذلك من خلال معايشتي لواقع بلدي، ويزعم المجتمع أن هذه المبالغة في متطلبات الزواج تضمن استقراره.
وتؤكد د. رقية أنه عندما ضعفت الأحوال الاقتصادية في عدة بلاد عربية وفي ليبيا أصبح هناك تخفيف لمتطلبات الزواج؛ إلا أن هذا التخفيف لم يشمل جميع المتطلبات، فقد أصبح هناك تخفيف في قدر الذهب الذي يقدمه الزوج للعروس وفي قيمة المهر، وكان من قبل فيهما مبالغة كبيرة، ولكن للأسف ارتفعت بشكل كبير متطلبات حفل العرس والموائد والهدايا وتأثيث منزل الزوجية بأفخم الأثاث.
وأدى هذا الارتفاع المبالغ فيه لتكاليف الزواج عزوف الشباب عن الزواج، وتأخر سن الزواج لديهم، وكذلك للأسف أصبحت البنات المقبلات على الزواج يطمحن إلى أعلى المواصفات في الزوج، من النواحي المادية والاجتماعية والعلمية والدينية والأخلاقية، وأدى هذا بالتالي إلى تأخر سن الزواج عند البنات أيضاً، حيث أصبحت فئة منهن تُصر على تأخير زواجها إلى أن تحصل على الماجستير والدكتوراة، وساهم ذلك أيضاً في تأخر زواجهن، وبذلك تقف المتطلبات المادية عائقاً في وجه الجنسين، ويلي هذا السبب مبالغة البنات في مواصفات الزوج؛ حيث أصبحن يحلمن بفارس الأحلام الذي ينقذهن من الظروف الاقتصادية السيئة، فيرفضن الكثير من المتقدمين لهن انتظاراً للشاب صاحب أعلى المواصفات؛ ويأتي سبب آخر في تأخر الزواج وهو وفاة أعداد كبيرة من الشباب أو إصابتهم بإعاقات جسدية بسبب الحروب التي وقعت في ليبيا، بداية من الثمانينيات وصولاً إلى قتال الثورة الليبية في عام 2013، وأصبحت هناك فجوة كبيرة بين أعمار الشباب والفتيات المقبلين على الزواج، وزادت أعداد البنات اللائي تأخرن عن الزواج بمعايير المجتمع، خاصة مواليد السبعينيات والثمانينيات.
بارقة أمل بالعودة تدريجياً للقواعد النبوية
وتبشر د. رقية بأنه، مؤخراً، بدأت تتغير معايير المجتمع، وأصبح هناك اتباع واضح لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه فزوجوه»، فأصبح الأهل يخففون متطلبات الزواج، وكذلك أصبحت البنات يخففن شروطهن، فمثلاً يقبلن أن يكون المنزل بالإيجار وليس مملوكاً للزوج، وبذلك بدأ يحدث نوع من التوازن في المجتمع، لكن أصبحنا نرى فرقاً واضحاً بين سن الزوج والزوجة، حيث أصبح الفرق يصل إلى عشرين سنة؛ لأن أعداد الشباب في عمر الثلاثينيات والعشرينيات نقصت كما أسلفنا أعلاه، وبالتالي أصبحنا نجد الزوج ربما يكون عمره قد تجاوز الأربعين وزوجته في العشرينيات؛ لأنه يسعى للزواج من فتاة بكر.
وبهذا، نرى أن هناك عدة عوامل اقتصادية واجتماعية ودراسية وسياسية تؤثر بقوة في قلة الإقبال على الزواج، وللأسف ارتفاع نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت أفكار دخيلة مرفوضة ومختلفة اختلافاً كبيراً عن مفاهيم المجتمع الليبي التي ترجع إلى أصول السُّنة والجماعة، وهذه الأفكار الدخيلة أثرت هي أيضاً في واقع الزواج.
وشددت على أنه يجب أن تتغير مفاهيم الزواج إلى الأسس الصحيحة؛ فيكون الزواج سكناً ومودة ورحمة، لكي ترجع أمة الإسلام إلى ريادة كل الأمم مرة أخرى.
ومن اليمن، يؤكد الكاتب الصحفي اليمني وديع عطا أن العادات والتقاليد فيما يتعلق بالزواج تتباين من محافظة إلى أخرى، حتى على مستوى المحافظة الواحدة هناك بعض القبائل مثلاً بعض الأعراف التي تصبح ملزمة لأبناء القبيلة بحيث إنه يصبح متاحاً لكل فئات أبناء القبيلة، ويمكن للشاب الفقير أن يتزوج بنفس القواعد التي يتزوج بها الشاب الغني أو القادر، لا سيما في موضوع الذهب، وهناك مناطق تثقل على كثير من الشباب في موضوع الذهب بوجه خاص.
ويضيف عطا أن من العادات اليمنية في الزواج «التمليك»؛ وهي أول هدية ثمينة تتملكها العروس، وكذلك الزفاف ويوم الحملة، وكل هذه التكاليف غالباً يتحملها الزوج بدءاً ببيت الزوجية وبالملكة، وكذلك الزفاف ويوم الحناء في عادات الزواج في اليمن، كما أن تجهيز بيت الزوجية لا يكون على أهل الزوجة، بل غالباً يتحمله الزوج، ولكن البعض يقدم هديه لابنته بأن يجهز أهل الزوجة لابنتهم بيتها، ولكنه غير ملزم بذلك، خاصة في قبائل جنوب اليمن وليس في كل المناطق.
ويشير عطا إلى أنه في حضرموت ترتبط طقوس الزواج هناك بتقليد بعض مظاهر الزواج المصرية أو التركية أو غيرها وفقاً للطقوس والتطور المدني، كما أن كل منطقه تلتزم بارتداء العروسين الزي اليمني التقليدي خلال حفل الزواج حسب طبيعة كل محافظة وكل قبيلة، كما أن هناك بعض التقاليد يستمر فيها ذبح الأنعام وتقديم الولائم للضيوف لمده أسبوع كامل على نفقة أهل العريس في بعض المناطق، أضف إلى ما سبق المغالاة في المهور التي تختلف من منطقة إلى أخرى؛ بحيث إنها تبدأ بـ300 ألف ريال؛ بما يعادل 500 دولار، وقد يصل المهر إلى 10 آلاف دولار، وهي غير إلزامية، وتختلف من شخص إلى آخر حسب طبيعة وإمكانات كل شاب يعني يتقدم للعرس المتعارف عليه في هذه المنطقة من اليمن.
العادات السيئة بالعراق من سيئ إلى أسوأ
ومن العراق، يؤكد د. عبدالحميد العاني، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة قطر، أن العادات والتقاليد فيما يتعلق بالزواج في العراق يوجد بها للأسف الشديد الكثير من المبالغات التي تتجه من سيئ إلى أسوأ؛ ما يجعلها تؤثر سلباً على الزواج وتزيد رقعة العازفين عنه من الشباب الذين لا يستطيعون تلبية الاحتياجات التي طرأت.
ويضيف أنه من هذه العادات السيئة في العراق المغالاة بشكل غير معقول في المهور، حيث لا يكتفى بتقديم المهر للزوجة الذي أخذ يتصاعد ويُبالَغ فيه؛ وإنما تُعطى كذلك الزوجة شيء يسمى في العراق «النيشان»، وهي كلمه تركية الأصل والمقصود بها هدية من الذهب في بعض البلاد مثل مصر تسمى «الشبكة»، هذا فضلاً عن تأثيث منزل الزوجية من غرفة نوم وصالون ونحوها بحسب سعة البيت، ثم بعد ذلك تأتي حفلة العُرس وتبعاتها، فهي حفلات مكلفة جداً بدعوة الكثير من الناس وما يرافقها من فرقة غنائية مثلاً وولائم الطعام التي تقدم بشكل كبير جداً ومبالغ به.
ويواصل د. العاني مشيراً إلى أنه لا يكتفى بتقديم الحلوى في العُرس، وإنما لا بد من تقديم عشاء ثقيل يتضمن عدداً من الخراف مع المشروبات الغازية ونحوها من الأمور الأخرى التي تجعل العشاء مكلفاً بشكل كبير؛ ومن ثم بات على من يرغب في الزواج أن يكون لديه استعداد مالي كبير؛ ما جعل الكثير من الشباب إما أن يعزف عنه أو يتأخر إلى أن يتمكن من تلبية هذه الاحتياجات.
كما أنه في الآونة الأخيرة كثرت ظاهرة «العلومين» بين الذكور والإناث، حيث يتعطل الزواج حتى إنهاء التعليم وربط الزواج بقضية التعليم والوظيفة؛ فالبنت لا تتزوج إلا بعد أن تُتم دراستها، والرجل لا يستطيع الزواج إلا بعد أن يتخرج ويعمل من سنتين إلى خمس حتى يُكَوّن نفسه؛ الأمر الذي رفع سن الزواج بين شباب وفتيات العراق؛ وكل ذلك انعكس على هذه السُّنة التي شرعها الله سبحانه وتعالى.
وأشار أستاذ الشريعة إلى أمر ثالث ظهر في الآونة الأخيرة وهي انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والانفتاح الكبير للأسف مع ضعف التربية الدينية والأخلاقية في المجتمع العراقي؛ بسبب ما تعرض له العراق من احتلال وانشغال الدولة بمشكلاتها السياسية، فضلاً عن الفساد الذي ضرب أركان الدولة وغيرها من الأسباب جعلت المجتمع العراقي اليوم يعيش في حالة سيئة تنتشر فيها الأخلاق السيئة للأسف، وكان لتلك العادات والأعراف السيئة أثر سلبي كبير على المتزوجين حديثاً والمقبلين على الزواج، حيث كثرة المشكلات بين المتزوجين، ورأينا الكثير من الزواجات تفشل في أيامها وشهورها الأولى، وبعض مشاريع الزواج تفشل قبل أن تبدأ.
هذا فضلاً عن أن كثيراً من الشباب قد وجدوا في مثل هذه الوسائل التواصل الاجتماعي ربما شاغلاً لهم عن الزواج وبديلاً عنه؛ ولذلك الآثار السلبية تزداد يوماً بعد آخر وتأثير كبير على المنظومة الاجتماعية في العراق، وللأسف الشديد هذا الواقع المتردي في العراق نجده متكرراً ومتشابهاً مع العديد من البلاد العربية، ويجب التصدي له لحماية مجتمعاتنا من الانهيار.
ويصف د. العاني، أستاذ الشريعة، العلاج لهذه الأمراض والنفاق الاجتماعي فيما يخص الزواج بمجتمعاتنا العربية، وذلك يبدأ بتكاتف الجميع لحل مثل هذه الأمور، فمن ناحية تقع المسؤولية على أئمة المساجد والعلماء في بيان الحلال والحرام في تلك العادات، وتوجيه الناس إلى الأمور الوسطية وما يريده الله سبحانه وتعالى من الناس، وترك التبذير والإسراف ومظاهر الرياء ونحو ذلك من الأمور، والحث على تيسير الزواج وتكاليفه للشباب والفتيات، وحث الآباء على تسهيل الزواج وتيسير المهور، وتقع المسؤولية على المثقفين جميعاً وأصحاب الرأي وغيرهم.
ارتفاع أعمار الشباب والفتيات في الأردن
ومن الأردن، يرى د. محمد سعيد بكر، عضو رابطة علماء فلسطين، أنه في الأردن وفلسطين عموماً الأصل أن هناك تشجيعاً وتحفيزاً على الزواج في هذه المجتمعات، وبالأمس القريب سن الإقبال على الزواج بالأردن كانت بين 22 – 26 عاماً، حيث يقبل كثير مع الشباب على الزواج والفتيات أقل بعامين بالغالب؛ لأنه حقيقة يكملون دراستهم ويعملون سنة أو سنتين ويخطب الشاب ثم يتزوج في الغالب، وهذا الذي حصل معي أنا شخصياً، وهذا كان العرف العام؛ ولكن اليوم الحقيقة نجد الأمور تزداد تعقيداً وصعوبة مع غلاء المعاش وغلاء الأسعار، وقلة الوظائف والأشغال، ودخول النساء للأسف إلى السوق وعالم الأشغال، ومن ثم قلت الوظائف وفرص العمل وبالتالي زادت سن الزواج.
ويضيف د. بكر، اليوم ارتفعت سن الزواج بين الشباب لتتجاوز الـ32، وبين الفتيات تبلغ حد الـ29 أو 30 بسبب انتشار العادات السيئة كثيرة، منها المغالاة في المهور، وهناك ما يسمى في العادات «مهر المثل»؛ بحيث كيف أن الأخت الكبرى تتزوج بمهر معين ثم تأتي أختها بعدها تتزوج بمهر أقل؟! وعلى من يزوج بناته أن يراعي ذلك، فيكون مهر ابنته الكبرى معقولاً حتى يكون مهر المثل لأخواتها الباقيات يعني أيضاً مهراً قليلاً.
ويقول د. بكر: بالأمس كان المهر يعني بحدود ألف دينار، وللأسف اليوم أقل شيء 4 آلاف دينار؛ ولم يعد هناك قيمة حتى للعملة النقدية المتداولة، فيحاول الناس الحقيقة التخفيف من خلال عدم اشتراط تجهيزات كثيرة.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في موضوع تزيين العروس وصالات الأعراس، وكل هذه تربك الشاب، وهي مكلفة جداً، فضلاً عن أن العريس عليه في النهاية عبء المهر وصالة الأفراح وأثاث المنزل، وكلها أمور أسعارها تتزايد بشكل جنوني، فضلاً عن بقية التكاليف، ولا بد أن يتم البحث عن حلول لخفض هذه التكاليف الخرافية.
ومن لبنان، يبدأ إيهاب نافع، المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية بلبنان، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، حيث أراد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال ذلك أن يقول لنا: إن موضوع الزواج إن لم يحصل في الأرض يحصل الفساد العريض الذي ينتج عن ابتعاد الشباب عن الزواج ما يدفعه إلى الاقتراب من الحرام، وولوج بابه، وانتشار الرذيلة بجميع موبقاتها.
ولقد باتت كلفة الزواج عالية جداً، فأسعار البيوت في لبنان مرتفعة جداً، حتّى الإيجار لم يعد متيسراً، والتقاليد في لبنان ترفض الشاب المتقدم للفتاة إن لم يكن له بيت.
ويضيف نافع: كما صار التفكير بالهجرة من لبنان هاجس الشباب ومبتغاهم الأول كي يتمكن الشاب من جمع المال الكافي لشراء بيت أو لتجهيزه وتأثيثه إن وجده، والتقاليد في لبنان تقتضي وجود البيت، فغير مقبول سكن الشاب مع أهله حتى لو كان فقيراً مُعدَماً، كل ذلك دفع بعض الشباب إلى أن ينفر من الزواج ويتجه إلى الحرام، فالشهوة خصوصاً مع تخريب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تدفعه إلى العلاقات المحرمة، وإن كانت والحمد لله ما زالت هذه الأمور قليلة في مناطقنا إلى حدّ ما، بسبب التزام الشباب بالحد الأدنى من الدين، ولكنَّ هناك كثيرين أيضاً يتفلتون من ضوابط الشرع وخصوصاً حين يغيب الوازعان الديني والاجتماعي، أما التفكير بالهجرة يدفع بالشباب إلى عدم الرغبة في تأسيس عائلة تعيقه عن السفر، بل تدفعه إلى البقاء في لبنان وهو يرغب في السفر من لبنان للتخلص من أزمات كثيرة.
ويشير نافع إلى أنه لطالما كان الدين والالتزام بالأخلاق العامة يمنعان المرء من ارتكاب الفواحش والمنكرات، ولكن تشجيع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتزيينها الفاحشة أسهم إلى حد كبير بالابتعاد عن الزواج وازدياد نسبة العنوسة.
علينا بالعودة للعادات البسيطة لمجتمعاتنا
ومن تونس، ترى الناشطة الحقوقية والسياسية عايدة بن عمر أن العادات السيئة في الزواج التي تعاني منها تونس هي متكررة في مختلف مجتمعاتنا العربية من مغالاة في المهور وزيادة التكاليف الباهظة للتجهيز للزواج وسد الأبواب في وجوه الشباب البسطاء الراغبين في العفاف، كما أن الزواج فقد معناه وجوهره من بناء وتأسيس أسرة صغيرة نواة المجتمع الصالح، وأصبح مباراة للمبارزة بالتفاخر والنفاق الاجتماعي والتظاهر أمام الناس، وتحويل الفتاة إلى سلعة تباع وتشترى؛ الأمر الذي جعل الشباب يعزفون عن الزواج للأسف الشديد.
ولفتت بن عمر إلى أنه يجب العودة الى عاداتنا العربية والإسلامية التي التزم بها أهالينا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؛ حيث البساطة والألفة والسكينة والمودة داخل البيوت، وأن نعيد لمؤسسة الزواج مكانتها بأنها لأجل التناسل، ولحفظ النفس البشرية والذرية ولحفظ الأعراض، وهذا أهم ألف مرة من التجهيزات الحديثة بأسعارها الباهظة التي تقسم ظهور الشباب وعائلاتهم وكذلك الفتيات وأهاليهن.
وفي نهاية المطاف، من يتزوجون تبدأ خلافاتهم من أول شهر، وربما يتم الطلاق خلال أول عام أو عامين، والغالبية من الشباب ربما يلجؤون للهجرة هروباً من هذا الواقع المحبط ليتزوجوا عجوزاً أوروبية أو من أي فتاة يتعرف عليها على «فيسبوك» من أجل تأشيرة السفر إلى كندا أو إلى أوروبا لتحقيق أحلامه، ومن أجل الهروب من هذا الواقع المحبط في تونس.
ودعت بن عمر المجتمعات العربية بالرجوع إلى روح الإسلام، وتنتبه إلى خطورة هذا المنحدر، وتحاول معالجته بالرجوع للقرآن والسُّنة والحسن من عاداتنا البسيطة ما قبل ظهور التلفزيون والأفلام، وأخذ منها العبر والدروس لتأسيس أسرة مسلمة متماسكة؛ حيث إن الطلاق في تونس مشكلة كبيرة.