تبدو الحكومة الصهيونية جادة تماماً في تطبيق «إستراتيجية حسم الصراع» مع الشعب الفلسطيني عبر البدء في خطوات عملية لوضعها موضع التنفيذ.
وقد كان وزير المالية وزعيم حركة «الصهيونية الدينية» بتسلال سموتريتش أكثر وزراء الحكومة حماساً لتطبيق هذه الإستراتيجية، ليس فقط بوصفه رئيساً للحركة التي تمثل المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بل أيضاً بوصفه أول مسؤول صهيوني وضع مخططاً متكاملاً لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، عندما نشر في عام 2017م مقالاً مطولاً في مجلة «شيلواح» التابعة للتيار الديني القومي تعرض فيه للخطوات اللازمة تطبيقها من أجل حسم الصراع، حيث شملت هذه الخطة 3 بنود أساسية: الحسم الديموغرافي، حسم السيطرة على الأرض، وضم منطقة «ج» التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية إلى «إسرائيل».
سموتريتش أمر بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن بالضفة
سموتريتش شرع مؤخراً بالفعل في تطبيق هذه الإستراتيجية، بوصفه الوزير المسؤول عن إدارة الموارد المالية للكيان الصهيوني، والمسؤول المفوض عن إدارة المشروع الاستيطاني بالضفة في وزارة الحرب الصهيونية.
وقد بدا واضحاً أن الحسم الديموغرافي يمثل الخطوة الأولى التي يبدو سموتريتش عازماً على إنجازها في إطار «إستراتيجية حسم الصراع».
نصف مليون مستوطن
وكما ذكرت صحيفة «هاآرتس»، فقد أمر سموتريتش المؤسسات الحكومية الصهيونية بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن في المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية.
وحسب الصحيفة، فقد أمر سموتريتش بإعداد مخطط واسع يضمن تطوير البنى التحتية في المستوطنات وضمنها البؤر الاستيطانية التي دشنت بدون الحصول على إذن حكومة وجيش الاحتلال.
وتقدر الكلفة الإجمالية لتنفيذ هذا المخطط بمليارات الشواكل، حيث يرى سمورتيتش أن ضمان توفير المخصصات المالية اللازمة لتطبيق المشروع لن تكون مشكلة.
سموتريتش عد تنفيذ المشروع «مهمة عليا» بالنسبة للحكومة التي ينتمي إليها، على اعتبار أن زيادة الثقل الديموغرافي لليهود في الضفة الغربية يساعد أيضاً على حسم الصراع على الأرض، وأنه كلما زاد الوجود اليهودي في الضفة كان بالإمكان بناء المزيد من المستوطنات مع كل ما يتطلبه الأمر من مصادرة أراضٍ فلسطينية.
تخصيص 1.3 مليار دولار لتنفيذ خطة لتطوير الطرق التي تخدم المستوطنات بالضفة
وقد عرض سموتريتش بالفعل مخططه بشأن تطوير «المشروع الاستيطاني» على ممثلي وزارتي المالية والأمن بمجرد أن تمت تسوية مشكلة الصلاحيات بينه وبين وزير الحرب يوآف غالانت؛ حيث يهدف المخطط إلى إحداث زيادة كبيرة على عدد المستوطنين اليهود في الضفة.
في الوقت ذاته، فإن زيادة الثقل الديموغرافي لليهود في الضفة الغربية لتضييق الخناق على أهل الأرض الأصليين من الفلسطينيين، فهؤلاء المستوطنون لا يسهمون فقط بالسيطرة على الأرض، بل أغلبيتهم الساحقة تنخرط في أعمال إرهابية وعدائية ضد الفلسطينيين؛ مما يسهم في تقليص قدرة هؤلاء الفلسطينيين على البقاء، كما يتصور سموتريتش وغيره من قادة الحكومة الصهيونية ورؤساء المستوطنين في الضفة الغربية.
ولا حاجة للتذكير بمواقف سموتريتش التي تشي بعمق التزامه بالإرهاب كنهج في التعامل مع الفلسطينيين عندما دعا في مقابلة مع قناة «12» العبرية إلى محو بلدة «حوارة» الفلسطينية.
وفضلاً عما ورد في تفوهاته أمام مجموعة من قادة الصهاينة المتدينين قبل 3 أعوام، حيث قال: إنه بالاستناد إلى الفتوى التي أصدرها الحاخام موشي بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر في مصر والأندلس، فإن الفلسطينيين أمام 3 خيارات؛ المغادرة، أو العمل كخدم لليهود، أو القتل، فضلاً عن عرضه خارطة أثناء مشاركته في مؤتمر عقد في باريس قبل عدة أشهر لـ«إسرائيل» الكبرى تضم فلسطين التاريخية، والأردن، وأجزاء من سورية ولبنان.
تعاون السلطة و«إسرائيل» يساعد الصهاينة على مواصلة تطبيق إستراتيجية الحسم
ومن أجل إغراء المستوطنين اليهود بالقدوم للإقامة بالمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، فقد عمد سموتريتش إلى تطوير البنى التحتية التي تخدم الوجود الاستيطاني هناك.
فقد قررت الحكومة الصهيونية بناء على طلب سموتريتش تخصيص حوالي 4 مليارات شيكل (1.3 مليار دولار) ضمن الموازنة العامة لتنفيذ خطة لتطوير شبكة الطرق التي تخدم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وفي إطار هذه الموازنة، فقد قررت الحكومة الصهيونية تدشين وتوسيع الطرق والبنى التحتية التي تخدم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية يمثلون حوالي 7% من إجمالي المستوطنين في الكيان الصهيوني، فقد تقرر أن تحوز مشاريع تدشين الطرق في الضفة على أكثر من ربع الموازنة المخصصة لإجمال الطرق التي تشرف على تدشينها وزارة المواصلات الصهيونية.
ويتضح من الخطة الحكومية الصهيونية المتعلقة بتدشين الطرق في الضفة الغربية أنها تهدف إلى التمهيد لضم مستوطنات الضفة للكيان الصهيوني، حيث إنها تعزز ربط المستوطنات التي تقع غرب ووسط الضفة الغربية بالكيان.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، حيث لا يقتصر السعي الحثيث لحسم مصير الضفة الغربية على سموتريتش، فقد أصدر وزير الحرب الليكودي غالانت قراراً يسمح بعودة المستوطنين اليهود للإقامة في مستوطنة «حومش»، وهي إحدى المستوطنات الأربع التي تقع في شمال الضفة الغربية، وتم إخلاؤها في عام 2005م ضمن تطبيق خطة «فك الارتباط».
مواجهة إستراتيجية حسم الصراع تتطلب من الفلسطينيين ضمان إذكاء شعلة المقاومة بالضفة
وقد أمر غالانت قادة الجيش بالتوقيع على مرسوم يسمح بعودة المستوطنين إلى المستوطنة، وهذا ما تم بالفعل، حيث عاد المستوطنون إلى هذه المستوطنة؛ مما يعني تعزيز المشروع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية بشكل غير مسبوق.
تجفيف بيئة المقاومة
ومما لا شك فيه أن تعاون سلطة محمود عباس و«إسرائيل» في محاولة تجفيف بيئة المقاومة بالضفة الغربية يمثل أحد العوامل التي تساعد الصهاينة على مواصلة تطبيق إستراتيجية حسم الصراع.
فالمس ببنى المقاومة في أرجاء الضفة الغربية وضرب خلاياها يعني توفير بيئة آمنة مثالية للمستوطنين؛ مما يمثل بحد ذاته عاملاً جاذباً ومغرياً لكثير من المستوطنين، فكثير من المستوطنين لا يتوجهون للإقامة في مستوطنات الضفة الغربية من منطلقات أيديولوجية، بل لدواع اقتصادية.
فأسعار الشقق السكنية في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية متدنية جداً مقارنة بأسعارها في الكيان الصهيوني، على اعتبار أن الصهاينة يتعاملون مع أراضي الضفة الغربية كاحتياطي لبناء الوحدات الاستيطانية؛ مما يقلص من قيمة الأرض بالنسبة لشركات البناء الصهيونية، حيث إن ذلك يسهم، بدوره، في تراجع قيمة الشقق.
قصارى القول: مواجهة إستراتيجية حسم الصراع تتطلب من الفلسطينيين أولاً وقبل كل شيء ضمان إذكاء روح وشعلة المقاومة في الضفة الغربية.