أجمع أهل السُّنة والجماعة على أن الإيمان اعتقاد وعمل، ومن مضمون تلك العقيدة أن مقتضيات الإيمان العملية لها أثرها على عقيدة الإنسان قلبًا وروحًا، فالصلاة مثلًا صلة بين العبد وربه؛ يكلمه العبد ويرد عليه الرب تبارك وتعالى، وكذلك الزكاة هي تزكية للنفس من التعلق بالدنيا متمظهرة في المال الذي ينفق منه برهانًا على ذلك.. وهكذا.
وفي الحج من تلك المعاني أمور عظيمة أدركها من أدركها من المحبين لله المشتاقين إلى بيته الحرام، وفي هذه الكلمات نستعرض منها لمعات يسيرة لتكون معينة على التفكر والتدبر لتلك العبادة العظيمة وغيرها من الشرائع.
– اللمعة الأولى في اسم الحج، وهو في اللغة القصد، وفي اصطلاح الشريعة قصد بيت الله الحرام -حصرًا- في وقت معين لأداء مناسك معينة، وهذا مظهر للتوحيد الذي قصد به الحج في المقام الأول وقصدت به المنافع الدينية والدنيوية التي هي من التوحيد أيضًا في مقام يليه.
اللمعة الثانية في التلبية، وهي شهادة العبد بتوحيد الله ونفي الشريك عنه، فيقول بلسانه «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك»، ويفعله بقصده الحج إلى حيث أمر وبفعل ما أمر.
– اللمعة الثالثة في جماع مناسكه، وهي توقيفية كلها أخذًا وأداءً كتوقيتها كما قال سبحانه وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (البرة: 197)، وكيفية أدائها تفصيلًا كما روي عن النبي صلوات الله عليه: «خذوا عني مناسككم»، وهذا مظهر الخضوع لله تعالى الذي يفتقر فيه العبد إليه سبحانه بأداء ما أمر وقتما أمر كيفما أمر لداعي العبادة فحسب.
– اللمعة الرابعة في الإحرام، وفيه يتخفف الإنسان من كل ما يحيط بجسده فيلبس ثوبًا لا زينة فيه، فيستوي فيه أغنى العباد -بمحض إرادتهم- وأفقرهم، وهذا مظهر الفقر الذي لا يؤتى الله بشيء يماثله، فيأتي العبد في الإحرام خاليًا من كل زينة دنيوية مقبلًا على الله بقلبه فحسب رجاء رضاه.
– اللمعة الخامسة في الحرم، وفيه أمان العبد بأمان الله له في أرض محرمة لا يمارَس فيها حتى الصيد الحلال، وهو عقد معنوي يتشارك فيه الإنسان وغيره من الحيوانات والمخلوقات خضوعًا لحرمة بيت الله، وفيه يطمئن العبد بما أمنه الله به ليرجوه وحده ويخاف منه وحده ويخضع له وحده.
– اللمعة السادسة في الطواف، وهو أن يدور العبد أشواطًا حول الكعبة التي هي بيت الله سبحانه وتعالى في الأرض، وفي هذا تمظهر لخضوع العباد لله تعالى والذي يزامن خضوع الملائكة الذين يطوفون كذلك حول بيت الله المعمور في السماء فوق الكعبة.
– اللمعة السابعة في السعي، وفيه يسعى المسلم بين الصفا والمروة كما فعلت هاجر عليها السلام بحثًا عن رزق الله حتى أنعم عليها بزمزم، وهذا مظهر لما عليه الإنسان في دنياه كلها، فهو في سعي طوال حياته بين ذهاب ومجيء يختمه بما قدر الله له من رزق ديني ودنيوي، ففيه إدراك وجوب السعي مع حسن القصد لوجه الله الكريم والرضا برزقه.
– اللمعة الثامنة في رمي الجمار، وفيه يرمي الحاج عدد جمرات معينة بكيفية معينة على الشيطان إظهارًا للعداء له، وفيه إشارة إلى عبودية الله في كيفية عدائه بفعل الأمر حسبما شرع، وفيه التذكير بالعدو الأبدي لبني آدم، فكأن مقصد الحج وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة لا يصح ولا يكون إلا بعداء عدو الله الشيطان.
– اللمعة التاسعة في ذبح الهدي، وهو امتثال لما يتقى الله، وفيه تمظهر لافتداء العبد نفسه من النار جزءًا جزءًا كما يضحي بالهدي جزءًا جزءًا.