في أول حوار للرئيس الجديد لحركة مجتمع السلم م. عبدالعالي حساني شريف، عقب انتخابه بالإجماع من قبل مجلس شورى الحركة، وذلك بعد تنازل عبدالمجيد مناصرة عن ترشحه ليكون خلفاً للدكتور عبدالرزاق مقري، الذي قاد الحركة فترتين منذ عام 2013 حتى عام 2023م، طاف رئيس الحركة بنا حول العديد من القضايا المهمة في الشأن المتعلق بالحركة ومستقبلها، والأوضاع السياسية في الجزائر، وما يتعلق بالتصدي للتغلغل الصهيوني في المجتمعات العربية والقارة الأفريقية، والخلاف المغربي الجزائري، وغيرها من القضايا خلال هذا الحوار.
أكدتم خلال الندوة الصحفية التي أقمتموها عقب اختياركم من قبل مجلس الشورى على أن الحركة يدها ممدودة لكل الشركاء السياسيين في الجزائر، هل هذا يعني أنه قد نرى مصالحة بينكم وبين حزب البناء والتنمية؟
– حركة مجتمع السِّلم مدرسة سياسية متميزة، وقد أرست تقاليد عريقة في الفكر السياسي وسلوكها السياسي المنفتح يشهد له القريب والبعيد، بأنها حركة تثمن الحوار وتختار التصالح وتدعو إلى التوافق من خلال اليد الممدودة التي أطلقناها، وتعني جميع مكونات الحياة السياسية في الجزائر.
ولطالما عُرفت الحركة بحيويتها ومحوريتها في الساحة السياسية الجزائرية، من خلال الانخراط في المبادرات السياسية التي تتجاوز الحزبية والأيديولوجية الضيقة، وهي التي استوعبت الأبعاد الثلاثة؛ الإسلام والوطنية والديمقراطية، وهو ما يجعلها شعرة الميزان في معادلة التدافع السياسي في البلاد.
الجزائر رائدة في مواجهة الاختراقات الصهيونية للجدار العربي والإسلامي والأفريقي
والحركة لا تحمل أي عداوة أو خصومة مع أي جهة، سواء كانت حزبية أو رسمية أو مجتمعية، وما وقع من خلافٍ سابق بيننا وبين إخواننا في حركة البناء الوطني فهو الآن من الماضي، ونحن في أجواء أخوية، وفي خطوات وَحدوية، وما يجمعنا أكثر مما يفرِّقنا، وهناك خطوات عملية جارية في هذا المسعى المبارك على اعتبار أن وحدة التيار الإسلامي واجب شرعي وضرورة مبدئية.
إلى ماذا تُرجعون سبب عدم وجود الإشكالات التي تحصل في مؤتمرات الحركة بالسنوات السابقة في الترشحات والاستقطابات التي تحصل؟ هل يعود ذلك إلى النضج الذي وصلت إليه الحركة، أم إلى المناخ السياسي الجزائري؟
– من الطبيعي أن يكون هناك تنافس على الخيارات والرجال في المؤتمرات التي تمرُّ بها الحركة، وهي كغيرها من الحركات والأحزاب السياسية في العالم العربي والإسلامي، باعتبارها تجارب بشرية، تتنافس على قضايا اجتهادية وتقديرية، وهي ظاهرة صحية عندما تكون ضمن إطار التنافس الشريف واختلاف التنوُّع، لا اختلاف التضاد، وحتى هذا المؤتمر الثامن الذي انعقد أيام 16، 17، 18 مارس 2023م، حدث فيه نوع من التنافس الصامت قبل المؤتمر، إلا أنَّ التوجُّه الغالب لدى عموم المؤتمرين والمؤتمرات حسم الأمر بطريقة مثالية هادئة، نشعر من خلاله بنوع من العناية الإلهية التي أنزلت السكينة علينا جميعاً، فخرجنا منه بصورة جمالية مشرِّفة.
على ذكر المناخ السياسي، المراقب للمشهد السياسي الجزائري يرى تصحُّراً وابتعاداً من المجتمع عن الشأن السياسي، وإغلاقاً شبه كلي للسلطة، وتحكماً في الكثير من الأحزاب واستهداف الدولة مؤسسات المجتمع المدني، فكيف ستتعامل حركة مجتمع السلم مع هذا الظرف؟
– هناك حالة سياسية عامة اجتاحت المنطقة بعد الانقلاب على موجة «الربيع العربي»، والشعور العام بخيبة الأمل الكبيرة في التغيير الشامل والحقيقي، بفعل التدخلات الأجنبية ومنصاتها في الثورات المضادة، وما وقع في الجزائر لم يكن بعيداً عن هذه الأجواء.
كما أنه بعد انكسار موجة الحراك الشعبي الذي انطلق يوم 22 فبراير 2019م، واستمر لما يقارب العام، ولم يتوقَّف إلا بالإرادة الطوعية بسبب جائحة «كورونا»، الذي ولَّد حالة من خيبة الأمل في تحقيق كل المطالب السياسية المشروعة للشعب الجزائري وإرادته في تغيير جذري للمنظومة التي كانت سائدة.
وقد أصيبت الحياة السياسية بنوع من التصحُّر والانسداد في الأفق، بعد إعادة النظام السياسي تجديد أدواته، وفرض منطق التحكُّم في المشهد السياسي العام، في هاجس عودة الحراك الشعبي، فاستعمل كل أدوات الهيمنة، وهو ما لا يخدم الصورة العامة للبلاد، بل سيزيد في حالة الاحتقان التي لا تساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
من المنتظر أن تشهد الجزائر انتخابات سياسية بعد عام من الآن، هل تفكر الحركة أن يكون لها دور فيها؛ ترشُّحاً أو ترشيحاً؟
– المنطق السياسي يقتضي أن تكون المواعيد الانتخابية محطات اختبارية للأحزاب السياسية، ومنها الانتخابات الرئاسية؛ إذ هي الأداة التي تعبِّر عن الوجود الفعلي للأحزاب، والوسيلة الحضارية في الاحتكام إلى الإرادة الشعبية، والفرصة المناسبة للاحتكاك بكل فئات الشعب على مسافة الصفر.
الانقلاب على ثورات «الربيع العربي» خلق حالة من الإحباط طالت الحراك في الجزائر الذي توقف بسبب «كورونا»
وللقناعة العميقة بأن الاحتكام إلى الشعب سبيل العبور بالفكرة والمشروع من المجتمع إلى الدولة، ومنها إلى صناعة النهضة والاستئناف الحضاري من جديد، والأكيد أن الحركة ستكون معنية بالانتخابات الرئاسية نهاية عام 2024م، وستبقى كل الخيارات والسيناريوهات مفتوحة أمامها، ولكن يبقى الموقف الرسمي والنهائي منها من صلاحيات مجلس الشورى الوطني.
رفعتم شعار «آفاق جديدة»، هل يمكن أن نفهم من ذلك أن الحركة الآن منفتحة على خيار المشاركة في الحكومة وأنتم المحسوبون على المعارضة؟
– كان شعار المؤتمر «آفاق جديدة.. جزائر منشودة» للقناعة بأن هناك نوعاً من الانحباس السياسي، الذي يحتاج إلى فتح آفاق جديدة، وهي مسألة لا تعني الوضع الداخلي للحركة، بل هي مسألة عامة تتجاوز الحالة الجزائرية.
أما مسألة المشاركة في الحكومة أو المعارضة لها فنحن قد تجاوزنا جدلية هذه الثنائية، وهي مسألة جزئية ضمن الرؤية السياسية العامة للحركة، ولا تشكِّل حالة إحراج في الموقف الذي نراه مناسباً حسب النتائج الانتخابية والوضع السياسي العام والظروف التي تمرُّ بها البلاد، وهي قضية مؤسَّسية وليست خيارات شخصية، لكن الأكيد أن الحركة لن تعيد استنساخ تجارب المشاركات في الحكومة السابقة، فهي إما في معارضة جدية فاعلة، وإما في شراكة سياسية حقيقية.
كيف تقيّمون العلاقة بين الجزائر والمغرب؟ وهل ستسعون إلى أن تكونوا طرفاً في إيجاد حل لها كما كان الرئيس السابق د. عبدالرزاق مقري يذكر في أكثر من مناسبة؟
– نحن نتأسف كثيراً للخلافات الخطيرة التي تطبع العلاقة بين بعض الدول العربية والإسلامية، التي لديها رواسب تاريخية معروفة، تجلت في غلق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية، منها الحالة بين الجزائر والمغرب، التي تتجاوز إرادة الشعبين، على اعتبار أن الأزمة مع المغرب عميقة، وهي تتجاوز الخلاف على تقرير مصير الصحراء الغربية، بل تمتد إلى الأطماع التوسعية للمغرب.
ومما زاد الخلاف خطورة ارتماء المغرب في أحضان الكيان الصهيوني سراً منذ ستينيات القرن الماضي، وعلناً منذ توقيعه لأخطر أنواع وأشكال التطبيع عام 2020م، الذي تطوَّر إلى اتفاقيات أمنية وشراكات عسكرية، تشكِّل تهديداً وجودياً للمنطقة عموماً وللجزائر خصوصاً؛ وهو ما يزيد في تعميق الخلاف بين البلدين، يجعل حلّه يتجاوز النوايا الطيبة للأحزاب أو الحكومات.
ما تقييمكم لموقف الجزائر الداعم للقضية الفلسطينية وطرد الكيان الصهيوني من الاتحاد الأفريقي ومحاولة توحيد الصف الفلسطيني؟
– نحن في حركة مجتمع السِّلم –وإن كنَّا حزباً معارِضاً– نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت؛ وهو ما يجعلنا نفخر بالمواقف التاريخية الثابتة للدولة الجزائرية تجاه القضايا العادلة عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً، التي ترقى إلى أنها قضية وطنية سيادية، لن يكتمل استقلال الجزائر إلا بتحرير فلسطين.
وبالرغم من الرِّدة العامة لبعض الدول العربية والإسلامية تجاه هذه القضية المركزية، وخاصة بعد الموجة المشؤومة بالهرولة نحو التطبيع، فإن الجزائر لا تزال تسجِّل مواقف الشرف الأولى بالزحف ضد هذا التيار، ومن ذلك أخذها لزمام المبادرة بعقد اتفاق المصالحة الفلسطينية في أكتوبر 2022م، قبيل انعقاد القمة العربية بالجزائر، وكذا المقاومة الدبلوماسية التي خاضتها الجزائر مع بعض الدول الأفريقية لطرد الكيان الصهيوني وتجريده من صفة «مراقب» في الاتحاد الأفريقي، وإبطال محاولاته لاختراق القارة السمراء.
هل لديكم الآن استعداد لاستيعاب المخالفين وأصحاب الرأي الآخر من القياديين الذين لم يساندوا ترشحك؟ وهل ستكون لهم فرصة أن يكونوا في المشهد القيادي؟
– حالة التنافس والتدافع قبل المؤتمر طبيعية مقبولة؛ بل مطلوبة، ونحن لسنا ثكنة عسكرية نحْجُر فيها على الآراء والمواقف، ومن الطبيعي أن يختلف المناضلون على الخيارات والرجال، وهي في النهاية اجتهادات تقديرية، وأن قواعد المنافسة وآلية الديمقراطية تفرض القبول بذلك.
ما زلنا نمارس دورنا السياسي من مربع المعارضة في الجزائر
ومن الواجب على مَن اختاره إخوانه في المؤتمر قائداً لهم أن يكون رئيساً للجميع، ومن الواجب كذلك على الجميع أن يتجاوزوا حالة الاستقطاب بعد نتائج الشورى والديمقراطية، وألا يربط أحدٌ دوره في الحركة بأي موقع قيادي يكون فيه، فالمواقع لا ترهن المواقف، ونحن نسعى أن تكون الحركة مِلكاً لكل أبنائها.
كما أن هياكل الحركة ومؤسساتها تستوعب الجميع، ونحن في النهاية حركة واحدة، ولسنا أجنحة تسترضي بعضها بالمناصب والمكاسب، وإنما نحمل مشروعاً إصلاحياً تغييرياً يحتاج إلى إجماع على الفكرة تعايش داخل الحركة.
هل شخصية أ. عبدالعالي كرئيس حركة الآن يكون على خلاف من سبق؟ وأنه يستوعب المخالفين ويتعاون معهم من أجل قوة الحركة؟
– مما يُحسب لرئيس الحركة السابق د. عبدالرزاق مقري أنه قاد الحركة بعد حالات من الانقسام والانشقاق التي كادت أن تعصف بها منذ المؤتمر الرابع عام 2008م، إلا أنه سعى مع إخوانه في القيادة أن يكون مشروع الوحدة ضمن المشاريع الإستراتيجية في الخطة الخماسية خلال العهدتين من عام 2013م إلى عام 2023م، وهو ما تجسَّد في تحقيق الوحدة مع «جبهة التغيير» بقيادة أ. عبدالمجيد مناصرة عام 2017م.
ولقد أعطت المشاهد الجمالية للمؤتمر حضور ومشاركة ومساندة مختلف القيادات التاريخية، على اختلاف قناعاتها وخياراتها السياسية.
ولا يزال هذا النَّفَسُ الوحدوي مستمراً مع باقي مكونات مدرسة الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، بل ومع مكونات التيار الإسلامي عموماً، وهي قضية مبدئية قبل أن تكون ضرورة سياسية واقعية، ولذلك فنحن سنقود الحركة الآن بهذا الطموح الكبير، الذي يتجاوز الأشخاص والتنظيمات، بل هو مرتبط بأمل الأمة في الاستئناف الحضاري من جديد.
طبعاً هناك تحدٍّ في عام 2024م يتمثل في انتخابات رئاسية، فهل «مجتمع السلم» ستدخل هذه الانتخابات؟ وهل أ. عبدالعالي سيكون مرشح الحركة في الانتخابات، علماً بأنه جرت الأعراف أن رئيس الحزب هو من يترشح للرئاسيات في حال ما قررت الحركة المشاركة في الانتخابات الرئاسية؟
– من السابق لأوانه الحسم في هذا الموضوع الآن، فلا يزال الأفق السياسي غامضاً، ولا تزال هذه المسألة السياسية الدقيقة حساسة، وستكون الحركة منفتحة على جميع الخيارات الممكنة، وستأخذ مؤسسات الحركة كامل وقتها للإحاطة بهذا الاستحقاق من جميع جوانبه حتى نكون في الموقع المناسب، وفي الموقف المشرِّف، ونحن حركة ديمقراطية مؤسَّسية، وكلُّ ما ستقرِّره مؤسسات الحركة نحن مسؤولون على تنفيذه بحذافيره.
يقال: إن حركة مجتمع السلم قوية بمؤسساتها والجمعيات التي تدعمها التي شاركت بقوة في المؤتمر، فهل لنا أن نعرف ما أسماء هذه المؤسسات؟ وكيف وبأي طريقة تشارك في المؤتمر، وتدعم الحركة وتتعاون معها؟
– حركة مجتمع السلم من الحركات الإسلامية الرائدة في التوجُّه الطوعي نحو التجديد الفكري والتخصص الوظيفي، والانتقال السَّلس من التنظيم الشمولي الهرمي إلى التنظيم الشبكي الرسالي، عن طريق الإبداع في إدارة مختلف الوظائف الأساسية للحركة، ومن ذلك تركيز الوظيفة الفكرية والسياسية في الحزب السياسي كقائد لمختلف الوظائف، وتوزيع الوظائف الدعوية والتربوية والمجتمعية على مسارات متخصصة، ضمن المشروع الإستراتيجي العام للحركة.
وهناك رابط روحي بين أفراد الحركة ومؤسساتها عبر العملية التربوية، وهناك ربط تنظيمي عن طريق مجلس الشورى، وهناك ربط وظيفي عن طريق فضاءات المؤسسات، كل ذلك في تكامل وتعاون وتناغم بديع، من خلال التمثيل في المجالس الشورية، والمشاركة في المؤتمرات، التوزُّع على مختلف الاختصاصات والفئات المجتمعية، كلُّ ذلك وفق ما يتيحه قانون الأحزاب والجمعيات، لإيماننا بأن السير بالمشروع الحضاري يقتضي العلنية والشفافية والقانونية.
هل حركة مجتمع السلم ستواصل المحافظة على الخط التربوي الذي انتهجه الشيخ محفوظ نحناح، المؤسس الأول للحركة؟
– تُعرَّف الحركة في لوائحها بأنها حركة سياسية شعبية إصلاحية شاملة، تعتمد على منهج تغييري سلمي وسطي معتدل، يستهدف بناء الفرد والأسرة والمجتمع، وتشارك في العملية السياسية من أجل استكمال بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية، ومن خلال التداول السلمي على السلطة، بالوسائل الديمقراطية.
وتمارس الحركة مجموعة من الوظائف الأساسية، وهي الوظيفة التربوية والدعوية، والوظيفة الفكرية والسياسية، والوظيفة الاجتماعية والمجتمعية؛ ومفهوم الوظيفة التربوية والدعوية هي كل الأعمال والبرامج المدرجة ضمن مناهج الحركة التكوينية والتربوية والدعوية الموجهة إلى تربية وتكوين الأفراد المنتمين إلى الحركة، أو الموجهة إلى عموم المواطنين من خلال برامج نشر القيم والأخلاق والوعي، وهو المنهج الذي تركنا عليه الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال في العالم.