د. عصام العريان
للإمام الشيخ القرضاوي مشروع فقهي علمي كبير بدأه بكتابه الأشهر “الحلال والحرام في الإسلام”، ولن يكون سفره الأخير عن “فقه الجهاد” هو نهاية المطاف إن شاء الله.. قد استعرضت في العددين السابقين أهم ما جاء في الكتاب العظيم “فقه الجهاد” بجزأيه، وطرحت أسئلة فرعية، لكن هنا أطرح فكرة أخرى.
ولأن العلم رحم بين أهله، ولأنني طالب علم في مدرسة القرضاوي، تتلمذت على كتبه ودراساته ومحاضراته، وناقشته طويلاً في بعض آرائه، وطالبته مراراً بالكتابة في موضوعات شتى أراها ضرورية للشباب المسلم والحركات الإسلامية، وخالفته أحياناً قليلة في بعض الفتاوى، فكان معي صبوراً مستجيباً ملبياً لطلباتنا في مودة غامرة، فإنني أضع بين يديه هذه الأسئلة التي أرى أنها ما زالت حائرة، لعله يهتم بها ويعطيها وقتاً وجهداً، كي نستكمل معه ذلك البحث العظيم حول “فقه الجهاد”.
والأمر كله مطروح على الباحثين والدارسين من إخواننا الفقهاء الكبار والعلماء الرواد، أمثال: المستشار طارق البشري، ود. محمد سليم العوا، ود. محمد عمارة، وغيرهم داخل مصر وخارجها، كما هو مطروح على إخواننا شباب الباحثين لقدح أفكارهم وتقديم عصارة جهدهم، من أجل مستقبل أكثر إشراقاً لأمة الإسلام وللحركة الإسلامية، حيث تؤمن جميعاً بأن المستقبل لهذا الدين، والنصر للإسلام، فيجب علينا إعداد الأمة لكل الاحتمالات والتوقعات.
لقد كان الباعث على الإسراع بهذا البحث –كما قال د. القرضاوي في كتابه– أمرين:
أولهما: ما يتعرض له الإسلام وأمته اليوم من غارة شعواء، وما تعرض له مفهوم الجهاد من تشويه بين إفراط وتفريط، والحاجة إلى عرض القضية من منظور وسطي معتدل، وأشار في ذلك إلى الكيان الصهيوني الغاشم، والدعم الأمريكي الكبير له، ودمغ الإسلام بـ “الإرهاب”.
وثانيهما: غلو بعض الشباب المتحمسين في قضية الجهاد، وأشار إلى ما يعرف بـ “الأفغان العرب”، الذين تنكر لهم الذين شجعوهم وأيدوهم، ثم نتج عنهم تنظيم “القاعدة”، وسبقه جماعات الجهاد المختلفة، وتفرع عنه جماعات أخرى أصبح لها فقه تروجه وفكر تسوق له.
ومن هذا الباعث جاء هذا الكتاب الجليل ليجيب عن الأسئلة التي يطرحها هذان الموضوعان.
باعث غائب
أما الأسئلة التي غابت، فكان مبعث غيابها هو عدم طرحها من البداية، وهي أسئلة المستقبل التي تتعلق بسلوك الحكومات الإسلامية التي تجعل الإسلام عقيدة ومرجعية تشريعية لها، وتبحث عن مقاربات عصرية لأسئلة اليوم والغد في النظم والقوانين التي يجب عليها اتباعها، لتحقق التزامها بالإسلام –عقيدة وشريعة، وخلقاً وسلوكاً دولياً– في العلاقات بين الدول، خاصة فيما يتعلق بما يعرف بـ “قانون الحرب”.
الباعث الذي غاب هنا هو ما يتعلق بمستقبل هذا الدين، ودوره في الإسهام في بناء حضارة إنسانية جديدة، والمشاركة في وضع نظم دولية تحقق الأمن والسلم الدوليين، وتطرح إجابات شافية لموضوع الحرب الذي تسبب غياب الإسلام عن توجيه الحضارة الإنسانية لعدة قرون في شقاء عالمي وإنساني بالغ الخطورة؛ حيث عرفت أوروبا حروباً مستديمة على مدار القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين؛ بسبب النزعات الاستعمارية والتنافس على السيطرة على العالم.
ثم نقلت حروبها الدامية إلى بقية العالم في القرن العشرين الذي شهد حربين كونيتين، وتسببتا في فناء أكثر من مائة مليون إنسان، ودمار مدن بكاملها في اليابان وألمانيا وبريطانيا وغيرها؛ نتج عنها بعد ذلك ما نراه اليوم من أمم متحدة، واتفاقيات دولية بشأن الحروب ووضع الأسرى، والصليب الأحمر.. وغيرها، تمت كلها في غياب كامل لممثلي الإسلام والحضارة الإسلامية، بل وكافة أمم الأرض تقريباً.
فكانت الشهوات هي التي أشعلت نيران الحروب، ثم كان نور العقل البشري الذي لم يهتد بالوحي الإلهي هو الذي نظم قوانين الحرب الدولية استجابة لنداء الفطرة الإنسانية.
فرضية أساسية
الذي أريد طرحه على د. القرضاوي وغيره من العلماء والباحثين هو الإجابة عن أسئلة عملية تطبيقية في ضوء المقارنة مع سلوك الدول الكبرى اليوم، وما نراه على ساحات المعارك الدائرة في ضوء فرضية أساسية، هي: ما الموقف الذي يمكن أن يتخذه المسلم الفرد، والجماعة المسلمة المتحركة والمعارضة، والحكومة التي تريد أن تلتزم بالإسلام، والدولة والمجتمع المسلم في صورة مؤسساته وجماعاته وأفراده عندما يتم التطرق إلى موضوع “الجهاد” أو الحرب أو يتم إعلان القتال وتجري أنهار الدماء؟
فالحروب ما زالت دائرة حتى الآن، وأغلب ساحاتها هي بلاد المسلمين، ومعظم وقودها هم المسلمون، ونحن في حال الدفاع عن أنفسنا ضد هذه الهجمات المتوالية في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والصومال وغيرها.. ولكن حتى هذه الحروب تطرح أسئلة معقدة ومركبة حول كيفية التصدي لها ومواجهتها.
موضوعات مهمة
إذا عدنا إلى كتاب الشيخ القرضاوي “فقه الجهاد”، نجد أنه يقع في 1440 صفحة، وعلى مدار أبواب الكتاب العشرة وفصوله الـ62 وملاحقه الستة، تطرق إلى موضوعات غاية في الأهمية، منها ما هو نظري ضروري لفهم المسائل، ومنها ما هو عملي دفع على بحثه المشكلات التي يعيشها الشباب المسلم اليوم، وما أنتجته جماعات “الجهاد” من أسئلة وفقه وفكر كان لا بد من مناقشته بهدوء لبيان وجه الصواب والخطأ فيه، مثل:
– المعارضات المسلحة والقتال ضد الأنظمة الحاكمة.
– العمليات الاستشهادية في فلسطين.
– معركتنا مع اليهود وصراعنا ضد الكيان الصهيوني.
– علاقتنا مع النصارى؛ حوار أم صدام؟
– العلاقة مع الهندوسية والبوذية وأنها علاقة دعوة إلى الله.
– الاقتتال بين الدول الإسلامية.
– الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد.
– هل قتال الكفار لمجرد كفرهم أم لمحاربتهم لنا وهو قول الجمهور؟
وغير ذلك من القضايا النظرية الضرورية.
قرار الحرب
إلا أنه لم يتطرق إلى مسائل أخرى، مثل:
– قرار الحرب وإعلانه، ومن له صلاحية إعلان الجهاد أو النفير العام؟
ففي حين أنه وضع فصولاً لإنهاء القتال والمصالحة والهدنة وتبعات هزيمة العدو أو هزيمة المسلمين أو أحكام ما بعد القتال والأسرى والجزية وتفصيل ذلك كله، إلا أن قرار بدء الحرب والقتال نفسه لم أجد في الكتاب الضوابط التي تحدد اتخاذ ذلك القرار الخطير جداً، ولا المؤسسات المعنية بالمشاركة في اتخاذ القرار.
لقد عانينا في تاريخنا الحديث من قرار للحروب دمرت أحلامنا في الوحدة العربية، ودمرت معها قرى ومدناً كثيرة، مثل: “حرب اليمن”، وحروب لبنان الأهلية، والحرب الدائرة في الصومال، بعضها شارك فيها جيوش، وبعضها كانت بين جماعات أهلية.. وها نحن نشهد حاليا حرباً دائرة في اليمن، وأخرى في باكستان –بين الجيوش وبين جماعات يمكن تسميتها “معارضة” أو “متمردة”، ويختلف الرأي فيها– وفي الصومال، وفي السودان.. إلخ.
والسؤال هنا حول قرار إعلان الحرب وحشد الجيوش، ومدى مطابقة ذلك القرار للشرعية الدستورية والشريعة الإسلامية؛ هل هو قرار فردي يقوم به الرئيس أو الأمير أو الملك، أم قرار للشعب عن طريق ممثلين في البرلمان، أم يجب استشارة الشعب في استفتاء؟ وهل يمكن ذلك عملياً؟
وهل هو قرار للمسؤول الأول ثم عليه أن يعود للبرلمان في خلال مدة قصيرة، أم قرار تشارك فيه القيادات العسكرية العليا؟
وينطبق السؤال على الجماعات التي تعارض الحكومات وتبدأ بالعدوان على القوات المسلحة أو تتمرد، ومدى شرعية مثل ذلك القرار، ولماذا يسارع البعض بطاعته دون بصيرة؟ وما حكم ذلك؟
مؤسسات الدولة
إذا نظرنا إلى العالم حولنا سنجد أن هناك خلافاً في الولايات المتحدة –مثلاً– حول مدى صلاحية انفراد الرئيس الأمريكي بإعلان الحرب، وإمكانية الكونجرس الذي يمثل الشعب في الحد من تلك الصلاحية عبر أدوات تمويل الحرب من الميزانية العامة، خاصة عند ارتفاع تكاليفها بصورة باهظة، والدور الذي تؤديه قيادات الجيش مع الرئيس ومجلس الأمن القومي.. وفي خلفية ذلك كله يأتي دور المجمع الصناعي العسكري الذي يدير مصانع إنتاج أسلحة الدمار التي يستخدمها الجيش الأمريكي، والضغوط التي يمارسها هؤلاء من أجل زيادة أرباحهم على حساب أرواح ضحايا الحروب، وقد اعترف جنرال سابق بارز ورئيس أمريكي مثل “دوايت أيزنهاور” بالدور الخطير الذي يمارسه هذا المجمع الاستثماري في شن الحروب وإشعالها.
أما في بلادنا، فلا يبدو واضحاً –ولا حتى في دساتير الدول الإسلامية الحالية– الفروق الواضحة بين تلك الأدوار، ويتم تجييش الرأي العام وفق قرار القيادة العامة التي كانت لسنوات طويلة يملكها عسكريون شنوا حروباً مدمرة –أشار الشيخ إلى بعضها– مثل حرب العراق ضد إيران، ثم غزو العراق للكويت (ولو أن صدام حسين لم يكن عسكرياً، بل كان مدنياً بعثياً في حلة عسكرية).
وبسبب غياب تلك الضوابط، يتم طرح سؤال آخر مهم يتعلق بها، وهو: ما إمكانية معارضة قرار الحرب سلمياً بالتصويت ضده في البرلمان أو التظاهر ضد الحرب الدائرة التي تم اتخاذ قرارها بصورة دستورية والكتابة ضد تلك الحرب؟ وهل يعد ذلك من التخذيل أو النفاق أو الانهزامية؟
مناهضة الحرب
ويتعلق بذلك أيضاً سؤال الضمير عند الامتناع عن المشاركة في العمليات العسكرية بسبب عدم الاقتناع بمشروعية الحرب أو بسبب التزام أخلاقي معين.
وهذا كله نراه اليوم في بلاد غريبة وأمريكية، حتى رأينا –وما زلنا نرى– مظاهرات مليونية “ضد الحرب” تشارك فيها جماعات متعددة، ونفرح نحن بها جداً لأنها من وجهة نظرنا ضد العدوان المستمر على بلادنا، ولكننا لا نتساءل: هل يمكن أن تسمح حكومة إسلامية بمثل تلك المعارضة الصريحة لحرب ما تشنها وقت اندلاع المعارك؟
لقد أعلنت حكومة السودان حرباً سمتها جهاداً ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان، ثم بعد سنوات اقتنعت بعدم جدوى حسم الحرب؛ فتوصلت إلى اتفاق سلام وتقاسم للسلطة مع من كانوا متمردين من قبل، وكررت ذلك في “دارفور”.
كيف يمكن وصف ذلك وتحليله؟ وهل يمكن السماح للمعارضة التي خالفت قرار الحكومة بحشد رأي عام وقت الحرب ضد قرار الحرب وتفنيد الأسانيد التي استندت إليها الحكومة؟ خاصة مع الأخذ في الاعتبار وصف الشيخ للجهاد والقتال بأنه يدور في إطار “المصلحة العامة”، وطبعاً تختلف فيها الآراء جداً.
دفاعية أم استباقية؟!
هناك حديث في الكتاب حول حق غير المسلم في الامتناع عن المشاركة في حرب لا يسمح بها دينه أو لها صفة دينية، فماذا عن المسلم الذي يرى في الحرب رأيا فقهياً أو سياسياً مخالفاً لرأي الحكومة؟ أليس ذلك يقدح في إمكانية الحشد والتعبئة المعنوية لقرار خطير مثل الحرب؟ ويتعلق به سؤال آخر حول التجنيد أيكون إجبارياً أم اختيارياً تطوعياً في الحرب وإعداد الجيوش النظامية؟
ولا شك أن هناك فروقاً بين الحروب الدفاعية عن الوطن عندما يتهدده خطر داهم أو يتعرض لغزو عسكري؛ فهذه حال نفير عامة لا يجوز التخلف عنها، وهي غالب أحوال البلاد الإسلامية الآن.. وحال الحروب الهجومية أو الاستباقية، وهو ما نشهده في حروب أمريكا والغرب حول العالم، وإن برروها بحادث 11 سبتمبر 2001م على أنها دفاع عن النفس، بينما يتشكك كثيرون حول العالم في حقيقة تلك الذريعة أو الحروب التي شنها العراق ضد إيران والكويت.
إننا نرى اليوم رئيساً أمريكياً (باراك أوباما) كان نائباً في مجلس الشيوخ من قبل، وعارض قرار الحرب على العراق، وأصبح الآن رئيساً يبحث عن إمكانية الخروج الآمن من العراق، ثم يتردد طويلاً حول اتخاذ قرار باستمرار الحرب في أفغانستان، وبعد اتخاذ قرار الحرب إذا به يضع مدى زمنياً للانسحاب والخروج.. وهذه حالة نادرة لأحد معارضي الحرب أصبح الآن في موقع متخذ القرار.
وقبله كان “بيل كلينتون” الذي تهرب من الخدمة العسكرية في حرب فيتنام ثم أصبح رئيساً لأمريكا يفضل الحروب عن بُعد بالقذف الصاروخي والطائرات دون اشتباك قتالي.
هذه أسئلة عملية تتعلق بالقرار الحربي وما يترتب عليه، وهناك أسئلة أخرى عن خلفية مشهد الحرب والجهاد.
إعداد الجيوش
ما الدور الذي تؤديه الجيوش في البلاد الإسلامية بعد أن تحولت إلى قوة عظمى؟ وما دور قيادتها في رسم السياسات العامة والحفاظ على الدستور ومقومات المجتمع؟ وهل يمكن رسم حدود لذلك الدور داخلياً وخارجياً؟ وما مدى نسبة الميزانية التي تخصص للدفاع وإعداد الجيوش؟ وهل تكون مهمة الإعداد قاصرة على الدولة والحكومات فقط؟ وكيف نمنع ما يتردد عن رشى وعمولات هائلة، وتكديس أسلحة لا حاجة للبلاد بها تتحول بعد حين إلى خردة بعد أن استنزفت أموالاً طائلة؟
أم أننا بحاجة إلى نظرة جديدة تجعل للقطاع الخاص –كما في الغرب– صلاحية المشاركة في الصناعات العسكرية؟ وكيف نحد من خطر تنامي مثل ذلك القطاع، كما يتحدثون في أمريكا مثلاً؟ كيف نمنع تغول الجيوش الذي يؤدي إلى استنزاف الميزانيات أو شن الحروب غير الضرورية، أو حتى الانقلاب على الدستور بدلاً من حمايته؟
وما حكم الاقتتال الداخلي وإمكانية معارضته بكل الطرق والامتناع عن المشاركة فيه بالنسبة للقادة العسكريين النظاميين والملتزمين بالطاعة؟! وهل لهم قدرة على المعارضة كما نرى في بلاد أخرى؟ وماذا لو تدخل الجيش عند تفاقم الأمور للسيطرة على البلاد كما حدث كثيراً؟ وما مدى مشروعية ذلك؟ وهل تجب طاعتهم إذا تغلبوا؛ ما قد يشجع على تكرار الانقلابات العسكرية كما حدث في تاريخنا الحديث؟ وما النظر الشرعي في ذلك؟
لجنة تحقيق
كيف يمكن التحقيق في الظروف والقرارات التي تم اتخاذها منذ بدء الحرب حتى نهايتها، كما نرى في بريطانيا الآن حول حرب العراق، وكما حدث في الكيان الصهيوني حول حرب لبنان الأولى ثم الثانية؟ وما المدى الذي يمكن أن يصل إليه مثل ذلك التحقيق حول اتخاذ القرار، وتمويل الحرب، وإعداد الجيوش، ومدى صلاحية العتاد، وحول الخروقات الشرعية والأخلاقية التي يقوم بها الجنود والقادة أثناء الحرب؟
وما العقاب الذي يتم إنزاله بالمسؤول الذي تثبت إدانته؟ وهل هذا دور البرلمان المنتخب أم لا بد من لجنة خاصة؟ وكيف يتم تشكيل مثل تلك اللجنة؟.. إلخ.
نحن في حاجة إلى نظر شرعي عملي واقعي يستفيد بعدة معطيات، ويشارك فيه خبراء من كافة المجالات للإجابة عن مثل تلك التساؤلات المحيرة، التي يفرضها علينا واقع الأمة والأمل في مستقبل أفضل للمسلمين الذين يتشوقون إلى العيش في ظل نظام إسلامي يتواكب مع العصر الحديث، ويحقق لهم الأمن والسلام والاستقرار في بلادهم، ويحقق لهم أيضاً علاقات دولية مستقرة، بل ويتطلعون إلى يوم ما يستطيع المسلمون فيه أن يكونوا أساتذة العالم بحق كما كانوا ستة قرون من الزمان.
مشروع هادف
نريد وضع قانون للحرب في الإسلام، ونريد وضع مسودة للعلاقات الدولية من وجهة نظرنا الإسلامية في السلم والحرب، وأعلم أن هناك اجتهادات سابقة في ذلك، ولكن من الأهمية بمكان الآن أن تلتقي في مشروع كبير تتبناه هيئة إسلامية عالمية مثل رابطة العالم الإسلامي أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو مجمع الفقه الإسلامي، يجمع فقهاء كباراً، وباحثين شباباً، وقانونيين عظاماً، وخبراء عسكريين وعلماء في الدراسات السياسية والإستراتيجية؛ ليتناقشوا نقاشاً حراً طويلاً يستعرضون فيه:
– تاريخ الحروب الإسلامية.
– ما كتبه الفقهاء السابقون.
– التجارب الإسلامية الحديثة في الحرب ونتائجها.
– الحروب العالمية والإقليمية خلال القرن الماضي وملابساتها.
– دراسات مقارنة لدول أخرى مختلفة ومن ثقافات متباينة.
– وضعية الجيوش ودورها في العالم الإسلامي الآن.
ثم يخلصون في نهاية المطاف –ولو بعد سنين– إلى مسودة قانون للحرب، وأخرى للعلاقات بين الحكومات الإسلامية بعضها بعضاً، وبين الحكومات الإسلامية وغيرها من الحكومات والمنظمات والأحلاف الدولية التي تدير شؤون العالم الآن.. وتصبح تلك المسودة معروضة للنقاش العام في برلمانات الدول الإسلامية هيئاتها التشريعية والسيادية المختلفة لإقرارها والعمل بها.
فإن لم تقم تلك الجهات بهذه المهمة العظيمة، فلا أقل من قيام شخص في حجم الإمام القرضاوي –ومعه تلاميذه– بإثارة الاهتمام حول تلك الأسئلة، وبدء مسيرة طويلة لوضع البحوث المطلوبة للإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها، والله الموفق والمعين.
__________________________________
العدد (1917)، 18 رمضان 1431ه/ 28 أغسطس 2010م، ص36-39.