منذ بداية ظهور الإسلام، سطرت المرأة المسلمة دوراً كبيراً في ميادين الدعوة والجهاد، داحضة بالعمل والقول ما يروج له العلمانيون بأن دورها كان هامشياً، وأنها كانت للبيت والمتعة فقط.
مع نزول الوحي، كانت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها أول من آمن بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العالمين، وكانت حصن أمان تؤيده وتؤازره وتشجعه وتعمل على طمأنته، ونصرته.
نساء الهجرة
وتؤرخ السيرة النبوية أن أربع نساء خرجن في الهجرة الأولى إلى الحبشة برفقة أزواجهن، وهن رقية بنت رسول الله مع زوجها عثمان بن عفان، وسهلة القرشية التي هاجرت مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة، وأم المؤمنين أم سلمة التي هاجرت صحبة زوجها أبي سلمة، وتزوجت بعد وفاته برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليلى بنت أبي الحاكم التي هاجرت مع زوجها عامر بن ربيعة.
وفي الهجرة الكبرى من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ارتفع عدد النساء المهاجرات إلى تسع عشرة، وقيل: ثماني عشرة، ليشاركن وضع اللبنات الأولى لدولة الإسلام.
ومنذ الإعداد لهجرة النبي وصاحبه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ظهر دور السيدة عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما، حيث لم يخذلا أباهما أبا بكر، ونصراه وأعاناه رغم علمهما بخطورة الرحلة، ولم يفشيا سرها لأحد، وعملا على تجهيز احتياجات النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
ومارست أسماء دوراً بارزاً عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوها للهجرة، فكانت تقوم بدور الإمداد والتموين والاستخبارات، فتخفي الطعام والماء وتذهب به إلى الغار وتنقل لهما أخبار الكفار وتحركاتهم.
يقول د. مصطفى ماضي، الإمام بوزارة الأوقاف المصرية، لـ«المجتمع»: إن النساء شاركن في إنجاح الهجرة بما يناسب دورهن، كذلك الأطفال كان لهم دور كبير تحت رعاية المرأة أيضاً في هذا الحدث العظيم، ويمثله دور عبدالله بن أبي بكر، الذي كان يتقصى أخبار قريش، وينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في غار ثور.
زوجات ومجاهدات
من بين المشاركين في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد من النساء كان لهن دور مؤثر وكبير في المعارك، وكان الغالب على دور النساء مُداواة الجرحى والمرضى ومناولة الطعام والشراب.
وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها مع الرسول في غزوة بني المصطلق (6هـ)، وكانت معه أم سلمة عند صلح الحديبية (6هـ)، وحضرت معه في غزوة أحد (3هـ) أم عمارة نسيبة بنت كعب النجارية، وكانت رضي الله عنها تباشر القتال بنفسها دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحضرت أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها يوم حنين (9هـ) مع زوجها أبي طلحة، وكانت تمتاز بالشجاعة والإقدام، وفيما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خنجراً يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخنجر؟»، قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه.
أدوار مختلفة
اختلفت أدوار النساء في الغزوات، فمنهن من كانت تحمل السلاح، ومنهن من كانت تداوي الجرحى، وبعضهن عملن على سقاية المجاهدين، بل إن منهن من حملن السلاح في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكن مثالاً للثبات بعدما حدث من انهزام لجيش المسلمين في غزوة «أُحد».
ومن النساء اللاتي شاركن في غزوة «أُحد» عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأم أيمن بركة الحبشية، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وحمنة بنت جحش، وأم سليط، وأم سليم، ونسوة من الأنصار، وفق كتب السير.
وكان للسيدة نسيبة بنت كعب دور مميز في معركة «أُحد»، وقد أبلت بلاء حسناً في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تقاتل قتالاً شديداً حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً ما بين طعنة برمح وضربة بسيف.
ومن الهجرة إلى الجهاد، تواصلت أدوار المرأة المسلمة كعالمة وفقيهة وراوية للحديث عن رسول لله مثل السيدة عائشة رضي الله عنها، وطبيبة مثل السيدة رفيدة الأسلمية، وشاعرة مثل تماضر بنت عمرو، ومعلمة مثل الشفاء بنت عبد الله القرشية.
وعن تغير دور المرأة المسلمة عبر الزمن، يقول د. مجدي عبدالغفار، أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر: إن دور المرأة يتغير من حال إلى حال لكن الهدف واحد والغاية واحدة، وهي خدمة الإسلام، ورفع راية التوحيد.
يضيف: سار لديها الآن مهمات أخرى غير الجهاد، فالمرأة الآن تشارك الرجل جنباً إلى جنب، وسبب التغيير هو اختلاف الأساليب من عصر إلى عصر، فدورها بارع ولا ينسى، سواء كانت أماً أو زوجةً أو بنتاً أو أختاً وطبيبة أو مهندسة أو مسؤولة أو داعية، أو إعلامية، أو صاحبة ريادة وخاصة في العصر الحديث.