مع عودة التلاميذ إلى مقاعدهم وفصولهم لبدء عام دراسي جديد، عادة ما ينتاب الأطفال شعور بالقلق والخوف والضيق وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، خاصة بعد إجازة طويلة وشهور من الاسترخاء واللعب والمرح.
وتنطلق هذه الحالة من معرفة الأطفال أن الوضع الذي استمر خلال فترة الإجازة الصيفية كانت فترة كسر القواعد؛ إذ عادة لا يلتزم الأطفال في هذه الفترة بمواعيد النوم، أو أوقات مشاهدة التلفاز، وكذلك استخدام الهواتف والألعاب الإلكترونية.
لكن مع استئناف الدراسة في بعض البلدان العربية، وترقب دول أخرى لبدء الدراسة، سيكون على الأطفال مهام جديدة، منها الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى المدرسة والتركيز في تحصيل المواد الدراسية، والمذاكرة وأداء الواجبات وخوض الاختبارات الشهرية والفصلية.
وأمام هذه الحالة يتعين على أولياء الأمور تهيئة أطفالهم لخوض سباق العام الدراسي الجديد، وزيادة الرغبة في تحصيل العلم والمعرفة.
ووفقاً لخبراء في علم النفس وخبراء تعليم، تحدثوا إلى «المجتمع»، يجب احترام مشاعر الأطفال وعدم التقليل منها، ومساعدتهم في رحلة الاستذكار وطلب العلم.
خطأ للتصحيح
يرى الخبراء أن الأزمة تبدأ في خطأ كبير يتعلق بطول فترة الإجازة الصيفية، بخلاف الأنظمة التعليمية في دول أخرى، وتشير أستاذة علم النفس التربوي أ.د. مايسة فاضل أبو مسلم، إلى أن الأطفال يعتادون في الإجازة الطويلة على الاسترخاء والنوم دون مواعيد، وهذا يجعل الطفل لديه إحساس بالكسل وقد يتمنى تأجيل الدراسة وعدم العودة إلى الاستيقاظ مبكراً، وهو أمر ينعكس بالفعل على نسب استيعابهم وتركيزهم في أوائل أيام الدراسة، وهو نفس ما يذهب إليه الخبير التربوي مجدي كمال حمزة، مؤكداً أن ابتعاد الطفل عن الدراسة لفترة 4 أشهر، وهي فترة طويلة تجعله علمياً وذهنياً في حالة خمول ومن الصعب التخلص منها سريعاً.
وأضاف حمزة أن دول الوطن العربي تعاني من طول فترة الإجازة، فهناك دول تتعدى فترة الإجازة الثلاثة أشهر، بينما في أنظمة تعليم أخرى في دول أوروبية تكون السنة كلها دراسة مع وجود إجازات متقطعة كل ثلاثة أشهر تقريباً، وبالتالي يكون ذهن الطفل حاضراً طوال السنة، ولا يعاني من رهاب الدراسة.
وترى أبو مسلم ضرورة ألا يترك أولياء الأمور أبناءهم فريسة للعب في الإجازة حتى لا يكون لديهم أزمة كبيرة عند العودة إلى المدرسة، موضحة بأن على الأمهات أن تنظم وقت أطفالهم في الإجازة؛ وبالتالي يبقى لدى الطفل نظام يسير عليه في الإجازة، صحيح به وقت أكبر للعب، لكن سيكون هناك وقت آخر للاطلاع والمراجعة والقراءة والتثقيف، مشيرة إلى أن التأهيل يبدأ من الصيف عبر وضع خطة للأطفال في الإجازة لشغل وقته، في القراءة والكورسات والرياضة، لافتة إلى أن وضع خطة للطفل في الإجازة يجعله لا ينسى كل ما تعلمه أثناء الدراسة، ويتم تأهيله للعام المقبل.
وتؤكد الاستشارية النفسية د. إيناس مسعد، في حديثها مع «المجتمع»، ضرورة وضع روتين للأطفال في الإجازة حتى لا يكون جل وقتهم ضائعاً، لافتة إلى ضرورة تخصيص وقت يومياً في الإجازة يكون للدراسة بطريقة مسلية باستخدام الألعاب والنشاطات المختلفة، وهو ما يكون له انعكاس إيجابي عند عودة الطفل إلى المدرسة؛ لأنه سيكون اعتاد على وجود نظام.
خطة تأهيل
ويتفق الخبراء على ضرورة وضع ما يمكن تسميته بخطة لعودة التلاميذ إلى المدرسة، حيث ترى د. إيناس أن الأطفال تحديداً في سنواتهم الدراسية الأولى يكون لديهم ما يمكن تسميته بـ«رهاب الدراسة»، أو الخوف المفرط من المدرسة، التي ينتج عنها ما يسميه علماء النفس «School Refusal»، فالطفل في هذه الحالة يدخل إلى عالم جديد لا يعلم عنه شيئاً سيترك عالمه الذي كان فيه محاطاً بأسرته وأقاربه ويفعل ما يحلو له ويبدأ مرحلة جديدة من حياته.
وتضيف أن على الأسر مواجهة هذا الخوف عن طريق الحديث مع الأطفال عن مميزات المدرسة والدراسة، وأنها مكان للمرح أيضاً والتعرف على أصدقاء جدد، وليس التحصيل العلمي، وأن المدرسة بمثابة العائلة الثانية له.
وتلفت الانتباه إلى ضرورة التحدث مع الطفل عن أهمية المدرسة والتعليم، وأهمية التواصل مع الأصدقاء والمدرسين والأنشطة الجديدة التي سيراها في العام الجديد، والتعود على الاستيقاظ مبكراً، فهذا يخفف من شعور التوتر والقلق عند الطفل قبل بداية الدراسة، مؤكدة في الوقت ذاته عدم المبالغة في وصف العالم الجديد الذي سيدخله التلميذ.
قواعد إيجابية
ومن الخطوات التي تنصح بها وضع هدف للطفل للاعتماد على نفسه، وأن يقوم باختيار الأشياء التي يحبها، كاختيار لوازم المدرسة، وشراء احتياجاته، دون الضغط عليه في بداية الدراسة لتحصيل درجات عالية، لأنه في بداية السباق، ولم يدخل بعد في الجاهزية المناسبة لذلك.
وتؤكد إيناس ضرورة البدء في تعويد الطلاب على النوم مبكراً، وإيقاظهم مبكراً أيضاً لكي يستعيدوا إيقاع الاستيقاظ المدرسي بالتدريج، وأداء الواجبات المدرسية، واستذكار دروسهم أولاً بأول.
وأكدت ضرورة العمل بالتدريج أيضاً على تحديد مواعيد تناول الطعام، لتكون تقريباً متوافقة مع توقيتات المدرسة، حيث يتم تجهيز وجبة الإفطار مبكراً، ليكون تقريباً قبل بدء الدوام، وكذلك محاولة تقديم وجبة الغداء بموعد مشابه لموعد تناول الغداء أثناء المدرسة، مشيرة إلى ضرورة تجهيز الطعام الصحي للأطفال حتى يساعدهم في التحصيل والتركيز، والمنع التدريجي للسكريات والأطعمة الجاهزة لضمان أن يتمتع الأطفال بالنشاط والحيوية اللازمين للتحصيل الدراسي.