تتبدد الصورة النمطية بأن المرأة هي ضحية العنف، مع كثرة بلاغات الأزواج للشرطة والمراكز الحقوقية بتعرضهم لاعتداء وعنف من زوجاتهم، وتؤكد الدراسات الاجتماعية أن نسبة كبيرة من الأزواج تعرضوا لعنف الزوجات؛ بل إن بعضهم قُتل، وأن تصاعد عنف الزوجة بات ظاهرة عالمية.
الأزواج الضحايا
اعتداء الزوجات على أزواجهن ظاهرة متزايدة عالمياً، لم تقتصر على طبقة بعينها، أو مستوى تعليمي أو اقتصادي معين، ولكن عرف طريقه لجميع الطبقات والمستويات التعليمية والاقتصادية، ففي الدول الغربية أكدت عشرات الدراسات في بريطانيا والسويد والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا أن نسب اعتداء الزوجات على أزوجهن متصاعدة، وخلصت أكثر من دراسات سويدية أن الرجال تعرضوا لعنف من النساء سواء كن زوجات أو صديقات، بنسب تتقارب جداً من معدلات العنف التي تعرضت لها النساء، وتعيد تلك النتائج ما توصلت إليه بحوث اجتماعية في نهايات السبعينيات من القرن الماضي من أن الأزواج يتعرضون لعنف زوجاتهم، التي لقيت معارضة شديدة من تيارات نسائية وحقوقية في ذلك الوقت.
تؤكد أكثر من دراسة بريطانية أن 1.3 مليون امرأة تعرضن للعنف الأسري، مقابل 695 ألف رجل، خلال عام 2018م، لكنها أشارت إلى أن عدد الرجال الذين تعرضوا لعنف أسري يفوق ما تم توثيقه، نظراً لأن البعض لا يتقدم بشكوى إلى الجهات الرسمية لاعتبارات متعددة، منها الخوف من النقد الاجتماعي.
ووجدت دراسة غربية أن 38% من الإصابات الجسدية في النزاعات العائلية تعرض لها الرجال، وفي بريطانيا؛ فإن 49% من الرجال يفشلون في إخبار الآخرين أنهم تعرضوا لعنف منزلي، وإن 11% من الرجال راودتهم فكرة الانتحار بسبب العنف الأسري، وإن الرجال لا يجدون المؤسسات الكافية لرعايتهم، إذا تعرضوا لعنف الزوجة.
في كتابها «لا توجد كدمات مرئية»(1)، تحدثت الصحفية الأمريكية راشيل لويز سنايدر عن الجانب المظلم في العنف المنزلي وعواقبه، ولفتت الانتباه إلى مسألة مهمة؛ وهي أن الشخص العنيف لا يمكنه أن يصبح لا عنفيًا، واصفة العنف المنزلي بأنه «وباء عالمي»، وأنه يشكل في بلد مثل أمريكا 15% من جميع جرائم العنف، ورغم هذا يظل أغلبه حبيس الصمت.
أما كتاب «الرجال المعتدى عليهم»(2) لفيليب كوك، فقدم بياناً استقصائياً عن العنف النسائي ضد الرجال، ولكن لفت الانتباه إلى غياب دعم حقيقي للنساء للتوقف عن عنفهن، واستعرض كتاب «ما لا يتحدث عنه الرجال» لبيرني فيت دوافع الرجل في الصمت، عما يتعرض له من عنف من زوجته، ودور الضغوط الاجتماعية في دفعه لابتلاع تلك الإساءات.
صحيح أن عنف المرأة يسبب ضرراً أقل بسبب الاختلافات الواضحة في الحجم والقوة، وربما هذا ما جعل المرأة تفكر في الحيلة لارتكابه، فقد تُخدر الزوج لتنفيذ انتقامها، الذي غالباً ما يكون بشعاً، وهنا تنضم المرأة لما يسمى بـ«الأرامل السود»، وهن الزوجات اللاتي قتلن أزواجهن.
وفي دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، فإن نسبة الزوجات القاتلات حوالي 84% من النساء القاتلات، وإنهن يُقدمن على استخدام العنف ضد الرجال نتيجة لدوافع وانفعالات وصراعات مكبوتة، وإن أشد أنواع عنف المرأة يكون موجّهاً ضد الزوج.
وعربياً، فهناك تصاعد في حالات العنف ضد الأزواج، وفي بعض البلاد تأسست روابط للدفاع عن الرجال الذين تعرضوا لعنف زوجاتهم، فأنشئت في المغرب جمعية، عام 2017م، للدفاع عن حقوق الرجال، ورغم حداثة الإنشاء فإنها تلقت خلال 3 سنوات فقط أكثر من 24 حالة عنف ضد الأزواج، 20% منها جسدي، أما بقية الاعتداءات فكانت لفظية ونفسية.
وفي تونس، ذكرت تقارير أن 40% من الأزواج تعرضوا لتعنيف زوجاتهم، وأن 10% منهم تعرضوا لعنف جسدي، وبعض هؤلاء الأزواج أصيبوا بعاهات جسدية، وأن الزوجة التي لا تستطيع استخدام العنف ضد زوجها تستعين بأقاربها للاعتداء على الزوج، ومن ثم تُضاف تلك الاستعانة كأسلوب للمرأة في الاعتداء على الزوج.
وفي العراق، أظهرت إحصاءات ارتفاع حالات الاعتداء على الأزواج، وفي مناطق كردستان سُجلت 21 حالة انتحار لأزواج تعرضوا لتعنيف زوجاتهم عام 2022م.
وتأتي مصر في المركز الأول، عالمياً وليس عربياً في حالات عنف الزوجات، رغم أن المرأة في حال تعدي الزوج عليها فإنها تعرف مسارها إلى مراكز الشرطة والمحاكم، التي غالباً ما تنصفها في حال الاعتداء عليها، أما الزوج فربما لا تنظر إليه السلطة إلا إذا أصبح صريعاً على يد زوجته، وفي مصر، وحسب إحصاءات للأمم المتحدة، فإن 28% من الأزواج تعرضوا للعنف، أما المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فأكد أن 30% من الزوجات يضربن أزواجهن، وذلك استناداً إلى محاضر الشرطة والمستشفيات، لكن الغريب تأكيد المركز القومي أن الزوجة المتعلمة هي الأكثر ضرباً لزوجها، وكذلك النساء في الطبقات الاجتماعية المتوسطة والعليا، وفي المناطق الحضرية.
وهناك أسلوب آخر من العنف يتعرض له الأزواج، وهو «النكد» و«التبكيت» و«التقريع» و«حدة اللسان» و«الاستهزاء» و«الصراخ»، وإفقاد المنزل لسكونه، أو امتناعها عن زوجها، أو إهانتها لأهل الزوج، وهو أسلوب تلجأ إليه غالبية النساء، ويكاد يكون هو السبب الرئيس في تعرض الزوجة للعنف من زوجها، حيث تدفع المرأة بكلماتها الجارحة زوجها إلى استخدام العنف ضدها.
لماذا الصمت والعنف؟
تُرجع دراسات نفسية واجتماعية أسباب صمت الرجال عما يتعرضون له من عنف من زوجاتهم، إلى عوامل متعددة، منها: ضعف شخصية الرجل، أو فقره ومرضه أو بطالته، أو ضعف أصوله الاجتماعية، أو تعاطيه للمخدرات، أو لانحرافاته السلوكية والأخلاقية، أو مبالغته في الحرص على استمرار الأسرة، أو خوفاً من سطوة أهل الزوجة، أضف إلى ذلك الجوانب الاجتماعية التي تُجبر الرجل على ابتلاع اعتداء الزوجة خشية الانتقادات اللاذعة؛ لذلك ظهرت دعوات لمراجعة قوانين أحوال الأسرة في ظل تحول الاعتداء على الأزواج إلى ظاهرة متصاعدة.
يلاحظ أن بعض النساء اللاتي ارتكبن عنفاً ضد أزواجهن أرجعن ذلك إلى الدفاع عن النفس، لكن دراسات تذهب أنه في حالات كثيرة فإن الرغبة في السيطرة على الزوج تكمن وراء هذا العنف، وتعرف الأمم المتحدة العنف الأسري بأنه «نمط سلوك في علاقة ما يمارس لإحراز السلطة والسيطرة على شريك حميم أو لمواصلة إخضاعه»، كذلك يرجع عنف المرأة إلى قسوة الماضي، أو الإحباط والتوتر، وضعف الاهتمام العاطفي.
والحقيقة أن التعاطف مع العنف يعني استدامته، وإضفاء الشرعية على ممارسته، ومن ناحية أخرى فيكشف العنف النسائي أن المرأة ضاقت أمامها الخيارات فلم تجد إلا العنف سبيلاً لتنفيس غضبها وكبتها.
ونشير هنا إلى وصية من التراث الإسلامي أوردها ابن الجوزي في كتابه التأملي «صيد الخاطر» لتجنب عنف المرأة ضد زوجها قال فيها: «ينبغي للعاقل أن يتخير امرأة صالحة، من بيت صالح، يغلب عليها الفقر لترى ما يأتيها به كثيراً، وليتزوج من يقاربه في السن، فأما الشيخ فإنه إذا تزوج صبية آذاها، وربما فجرت، أو قتلته، أو طلبت الطلاق وهو يحبها فيتأذى، وليتمم نقصه بحسن الأخلاق وكثرة النفقة».
____________________
(1) عنوان الكتاب: No Visible Bruises: What We Don’t Know About Domestic Violence Can Kill.
(2) عنوان الكتاب: Abused Men: The Hidden Side of Domestic Violence.