رغم أن دور تركيا العسكري، عبر طائراتها «بيرقدار»، في تحقيق أذربيجان انتصارات ساحقة على أرمينيا والانفصاليين الأرمن في إقليم «ناجورنو قره باغ»، أمر معروف، فقد كانت مفارقة أن يرفع سكان العاصمة باكو أعلام «إسرائيل» وهم يحتفلون بالنصر!
هذا الأمر يبدو مستغرباً أيضاً خلال العروض العسكرية الأذربيجانية، التي يمكن رؤية الأعلام الأذربيجانية والتركية فيها، وبجوارها العلم «الإسرائيلي»؛ بسبب دور «إسرائيل» في منطقة القوقاز الذي لا يلاحظه أحد، حيث يصل الأمر حد رفع العسكريين الآذريين أنفسهم، لا الشعب فقط، لعلم «إسرائيل» في هذه العروض العسكرية والاحتفالات بالانتصارات!
تقارير وصحف «إسرائيلية» قالت: إن أذربيجان تحارب بسلاح «إسرائيلي»، واستعادت أرضها بسلاح «إسرائيلي»، وهذا سر رفع مدنيين وعسكريين أعلام «إسرائيل» في الانتصارات الأخيرة، وكان يتم رفع أعلام تركيا أيضاً بجوارها في بعض الاحتفالات.
يرجع تفسير رفع الأعلام الصهيونية إلى أمرين، يتعلقان بدور «إسرائيل» في مد أذربيجان بالسلاح منذ تبادلهما العلاقات الدبلوماسية عام 1992م، بهدف ضمان موقع قدم متقدم هناك لمحاربة إيران المجاورة لأذربيجان.
والثاني لوجود جالية يهودية ضخمة في أذربيجان من بقايا يهود القوقاز، يمارسون دوراً كبيراً في نشر النفوذ الصهيوني هناك، كما أنهم هم من يتولون توزيع الأعلام الصهيونية.
فبرغم أن أذربيجان دولة مسلمة ذات أغلبية شيعية، فإن نظامها علماني وموالٍ للغرب، وبها أقلية يهودية كبيرة تعمل في الوظائف العليا بالبلاد وتشجع العلاقات بين باكو و«تل أبيب»، واستغل اليهود انتصارات أرمينيا السابقة على أذربيجان لدعمها عسكرياً لاستعادة أراضيها مقابل نفوذ سياسي وعسكري هناك.
وقد أشار لهذه الجالية اليهودية رئيس أذربيجان إلهام علييف حين أشاد «بالدور الفعّال للطائفة اليهودية التي تعيش في أذربيجان في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين»، خلال لقائه مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، في ديسمبر 2016م.
69 % من أسلحتها «إسرائيلي»!
ووفقًا لتقرير «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (سيبري)، في 30 أبريل 2021م، شكلت صادرات «إسرائيل» الحربية لأذربيجان 17% من إجمالي صادراتها من الأسلحة في عام 2021م، وبين عامي 2016 و2020م، اشترت أذربيجان 69% من أسلحتها من «إسرائيل».
لذلك، قال تقرير معهد ستوكهولم لعام 2022م: إن أذربيجان ثاني أكبر وجهة لصادرات الأسلحة «الإسرائيلية» بين عامي 2018 و2022م.
حيث قدمت دولة الاحتلال لأذربيجان طائرات مسيرة مثل تركيا، وبينها طائرات انتحارية وأنظمة اعتراض الصواريخ، ومائة دبابة من طراز «ميركافا»، و30 طائرة حربية «إسرائيلية» مستعملة إلى أذربيجان.
وأشاد العسكريون الأذريون بدورها في حربي عامي 2020 و2023م لاستعادة الأراضي التي احتلتها أرمينا والانفصاليون الأرمن في إقليم «ناجورنو قره باغ» الذي استعادته باكو في الحرب الأخيرة سبتمبر 2023م.
وقد كشف تقرير موسع لصحيفة «هآرتس» العبرية، في 6 مارس 2023م، أنه على مدى السنوات السبع الأخيرة، هبطت 103 طائرات شحن تابعة لشركة طيران «سيلك واي» الأذربيجانية في قاعدة «عوفدا» الجوية الصهيونية لنقل سلاح لأذربيجان.
وتشير تقارير إلى أن «تل أبيب» تقايض هذا السلاح بأمرين؛ الأول: التعاون الاستخباري والعسكري مع أذربيجان كي تسمح لها بقواعد أو نقاط انطلاق عسكرية واستخبارية من أراضيها ضد إيران المجاورة لضرب برامجها الصاروخية والنووية.
والثاني: عبر صفقات النفط؛ حيث تستورد «إسرائيل» 65% من احتياجاتها من النفط من أذربيجان.
وعقب سلسلة هجمات غامضة داخل إيران، اتهمت إيران أذربيجان بتقديم تسهيلات لجهاز «الموساد» للعبور عبر أراضيها لاغتيال علماء نوويين إيرانيين وضرب مصانع سلاح ومنشآت نووية، وأن يهود أذربيجان يؤدون دوراً في هذا الصدد.
وكان «الموساد» شن هجوماً عام 2018م قرب طهران لسرقة الأرشيف النووي، بعد المرور عبر حدود أذربيجان باتجاه إيران، كما شن هجمات على مصانع سلاح ومبانٍ نووية.
وقد أكدت هذا مجلة «فورين بوليسي»، في أبريل 2012م، مشيرة إلى انطلاق هجمات «إسرائيل» من أذربيجان ضد إيران، وأن الصهاينة يقيمون ما يشبه قواعد عسكرية قرب حدود إيران لهذا الغرض.
لعبة «شد الأطراف»!
منذ تبادلهما العلاقات الدبلوماسية عام 1992م، بعد وقت قصير من تفكك الاتحاد السوفييتي، سعت «إسرائيل» لتحسين علاقتها العسكرية مع أذربيجان بشكل كبير، لأنها تجاور إيران ودولة ذات أغلبية شيعية، لكن نظامها علماني وموالٍ للغرب.
وتعود بداية العلاقات السياسية إلى اعتراف «تل أبيب» باستقلال باكو، في 25 ديسمبر 1991م، لتكون من أولى الدول التي بدأت العلاقات الدبلوماسية معها وافتتحت سفارة لها هناك، في 7 أبريل 1992م.
لكن أذربيجان لم تفتتح سفارة لها في «تل أبيب» إلا في 29 مارس 2023م بعد 30 عاماً من العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وحضر الافتتاح وزيرا الخارجية «الإسرائيلي» إيلي كوهين، والأذربيجاني جيهون بيراموف، بحسب وكالة «الأناضول».
وقال كوهين، موجهاً كلامه لوزير خارجية أذربيجان، خلال افتتاح السفارة: إن أذربيجان شريك إستراتيجي لـ«إسرائيل»، حيث نتعاون عن كثب في عدد كبير جداً من القضايا بما فيها الأمن الإقليمي والطاقة والسياحة.
ويقول خبراء: إن التوجه «الإسرائيلي» نحو أذربيجان له علاقة بالسياسة الصهيونية المعروفة باسم «شد الأطراف»، وتقضي بإشعال الفتن، وخلق الأزمات في أطراف العالم العربي، مستغلة التنوع الإثني والعرقي والمذهبي لإثارة أصحابها ضد حكوماتهم المركزية، وكل ذلك بهدف شل قدرات أطراف العالم العربي.
وقد استغلت «تل أبيب» هذه السياسة أيضاً لاستكمال تطويق الدول العربية بدول الجوار، حتى وإن كان بعضها إسلامياً، من دول آسيا الوسطى، وعلى رأسها أذربيجان، حسبما تشير دراسة لـ«مركز الجزيرة»، في 16 مايو 2012م.
لكن سياسة «شد الأطراف» هذه نحو أذربيجان ارتكزت على عدة عناصر عرقية وعسكرية وسياسية، منها تأجيج الاختلافات الإثنية والعرقية والمذهبية لأذربيجان مع الدول المجاورة لها، لا سيما الاختلاف العرقي مع إيران والمذهبي مع تركيا.
وفي السنوات الأخيرة، ازدهرت العلاقات بين أذربيجان و«إسرائيل» من حيث التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري.