كانت مدينة شيآن قديماً تعرف باسم «تشانغآن»، وكانت عاصمة الصين لأكثر من ألف سنة، ورغم أنها كانت تقع وسط الصين بعيداً عن الساحل الشرقي، حيث كانت تصل مراكب التجار العرب، فإن الوجود العربي المبكر كان واضحاً في هذه المدينة، حيث كانت تشانغآن بداية طريق الحرير البري من الصين ومنتهاه للقادمين إلى الصين.
وتذكر المصادر الصينية أن شوارع العاصمة تشانغآن في عصر أسرة تانغ (618 – 907م) كانت مزدحمة بالتجار المسلمين من العرب والفرس، إذ كانت محلاتهم ومساكنهم تتناثر في كافة أرجاء المنطقتين التجاريتين الشرقية والغربية من المدينة.
تضم شيآن عشرات المساجد، بعضها يعود تاريخه إلى مئات السنين، لكن يبقى مسجد «هواجيويه» الأكبر والأشهر والأقدم في المدينة وأحد أشهر المساجد على مستوى الصين؛ لذا فقد سُمي بالمسجد الكبير ويحظى بشهرة كبيرة في شيآن وفي الصين عموماً.
تاريخ المسجد
يضم المسجد لوحاً حجرياً يحوي معلومات حول تاريخ بناء المسجد والظروف التي تم فيها البناء، فيذكر النص أن المسجد بُني عام 742م، وهو يوافق السنة الأولى من حكم الإمبراطور لي لونغ جي (685 – 762م) لأسرة تانغ.
وقد عرفنا فيما سبق أن العرب والمسلمين قد وصلوا هذه المدينة في وقت مبكر، وقد شهد الإسلام تطوراً كبيراً هناك لا سيما في فترة حكم الإمبراطور لي يوي (762 – 779م)، وهو ابن الإمبراطور لي لونغ جي.
تذكر المصادر وصول قوة عسكرية للعاصمة تشانغآن لمساعدة الحكومة في قمع فتنة آن لو شان، وأن هذه القوة قد استقرت في العاصمة، وأنشؤوا مسجداً صغيراً لممارسة عباداتهم، فكان هذا المسجد سلف مسجد شيآن الحالي، وقد جرى على المسجد أعمال التوسعة مرات ومرات في عهود سونغ، ويوان، ومينغ، وتشينغ، لكنه احتفظ بحجمه وشكله منذ آخر توسعة جرت عليه في عهد الإمبراطور يونغ لي (14/ 2/ 1424م) في أسرة مينغ.
https://www.youtube.com/watch?v=TjnbvzQHo7I
وصف المسجد
ويبدو مسجد «هواجيويه» على شكل مستطيل تبلغ مساحته 13 ألف متر مربع، في حين تبلغ مساحة المباني فيه حوالي 6 آلاف متر مربع، ويمتد من الشرق للغرب بطول 250 متراً، ومن الشمال للجنوب بعرض 50 متراً، وهو حالة نادرة في الصين من حيث حجمه الكبير وطريقة بنائه.
وهو يشبه القصر الإمبراطوري الصيني بضخامة بنائه وروعة هندسته، فلا يعتبر من أكبر الجوامع في الصين فحسب، بل يعد من كنوز الفن المعماري الصيني.
تحيط بالمسجد المستطيل أسوار عالية تنأى به عن محيطه وتوفر له قدراً من الهدوء والسكينة، وينقسم المسجد إلى 5 أقسام متوالية، كل قسم له بوابة تفصل فناءه عن القسم السابق له، وكل قسم من الأقسام الخمسة يعتبر حديقة بذاته وتنتشر فيها أشجار الفاكهة المتنوعة، ويتوسط هذه الحديقة مَعْلَم يميزه عن غيره.
ويتكون من 4 دور متراصة تتوزع فيها 84 غرفة من المباني الرئيسة والإضافية توزيعاً متناسقاً؛ مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات.
وللدار الأولى بوابتان جانبيتان، تواجه إحداهما الجنوب، بينما تواجه الأخرى الشمال، وتجد في موقع بوابة الجامع حاجزاً زخرفياً من الطوب ارتفاعه أكثر من 10 أمتار وعرضه 20 متراً.
وللدار الثانية بوابتان أيضاً شأنها شأن الدار الأولى، وهناك قاعة مرورية مؤدية للدار الثالثة التي ينتصب في صدارتها برج شاهق معروف باسم «شينغشين» (تهذيب النفس)، وعلى جانبيها جناحان جنوبي وشمالي.
ولو دخلت في الدار الرابعة ترى جوسق العنقاء الخماسي الأقسام رائع الهندسة، وهو يواجه قاعة الصلاة الضخمة، التي تمثل القسم الخامس والأخير من المسجد.
قاعة الصلاة
أما قاعة الصلاة، فقد بُنيت بالطراز الصيني التقليدي، وتسع لـ1000 مصلٍّ، هي صفوة مباني الجامع برمتها، وتعد مرآة للفن الزخرف المسجدي في مناطق الصين الداخلية.
وعلى جدرانها نقوش خشبية من الكتابات العربية والأزهار الجميلة، تعطي مع أبوابها وشبابيكها الدقيقة النقش منظراً خلاباً، ويتكون سقف القاعة مما يزيد على 600 قطعة من المربعات الملونة، في صدارة كل منها كتابات تحيط بها الرسوم الصينية التقليدية من كل الجهات.
ومن الأشياء الفريدة الرائعة التي تضمها قاعة الصلاة أن جدرانها تزدان بحوالي 600 لوح من الخشب المعطر، نُقش عليها القرآن الكريم كاملاً، في النصف الأعلى من الجدار باللغة العربية، والنصف الأسفل ترجمة معانيه للغة الصينية، وهو أمر غاية في الجمال والبهاء ينفرد به مسجد «هواجيويه» عن غيره من مساجد الصين بل وربما مساجد العالم أجمع.
والمسجد على ضخامته واتساع مساحته مليء بالمنحوتات واللافتات الصخرية والخشبية القديمة والعتيقة، وتنتشر في فنائه أشجار الفاكهة المختلفة كاليوسفي والكاكا التي تسمى أيضاً «التين الكاكي»، وهي من الفواكه المنتشرة في شيآن والموجودة أيضاً في القصور الإمبراطورية.
وكذلك تنتشر في المسجد أشجار السرو الصينية، وهي أشجار أوراقها تستخدم كدواء طبي كما تنتج فاكهة يتم تجفيفها وتناولها، يعتبرها الصينيون من الفواكه اللذيذة.
بفضل ضخامة وروعة مباني مسجد «هواجيويه» وكثرة آثاره التاريخية؛ فقد أُدرج ضمن قائمة أهم الآثار المحمية على مستوى الصين، كما أصبح مزاراً مهماً للسائحين من الصينيين والأجانب من المسلمين وغير المسلمين.