تعد الصحة النفسية واحدة من أهم مقومات الحياة السعيدة والمتوازنة، لكنها تتعرض للعديد من التحديات والضغوط في مرحلة الشباب، التي تشهد تغيرات جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، ويؤثر هذا التغير على سلوك الشباب وقيمهم ومعتقداتهم، وقد يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض النفسية التي تحتاج إلى التدخل المناسب.
وتشمل هذه الأمراض مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على المزاج أو التفكير أو السلوك، مثل الاكتئاب والقلق والفصام واضطراب ثنائي القطب، وصولاً إلى الإدمان.
وتختلف شدة هذه الأمراض وأعراضها من شخص لآخر، وقد تؤثر على قدرة الشباب على الدراسة أو العمل أو التواصل أو المشاركة في المجتمع، فقد أظهرت دراسة أجراها باحثون من «مركز كوينزلاند لأبحاث الصحة العقلية»، عام 2021م، أن فئة الشباب هي الأكثر تأثراً باضطرابات الصحة العقلية من غيرها من الفئات العمرية.
وتزيد حالات الإصابة باضطرابات الصحة العقلية في صفوف الشباب بـ1118 حالة اكتئاب إضافية لكل 100 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً، بحسب الدراسة، التي سجلت أيضاً 1331 حالة قلق إضافية بين الشباب في نفس السن مقارنة بباقي الأعمال.
الصحة العقلية تتدهور بسبب الضغوط المادية أو النفسية
وبحسب رئيس الفريق الذي أجرى الدراسة، البروفيسور، داميان سانتوماورو، فإن نتائج الدراسة تسلط الضوء على الحاجة الملحة للعمل على تقوية أنظمة الصحة العقلية من أجل معالجة العبء المتزايد الناتج عن اضطرابات الاكتئاب الشديد والقلق في شتى أنحاء العالم.
وللأمراض النفسية التي يتعرض لها الشباب أسباب متعددة، بعضها وراثي وأكثرها بيئي، كما تؤدي بعض العوامل المؤثرة على صحتهم دورًا في زيادة خطر الإصابة بهذه الأمراض، مثل التغيرات الهرمونية، والصراعات الأسرية، والضغط المدرسي أو المهني، والتعرض للعنف أو التنمُّر أو التحرش، والانزلاق إلى المخدرات أو المشروبات الكحولية؛ ما يؤشر إلى أهمية التربية الإيمانية والشرعية السليمة في سن ما قبل المراهقة لتلافي الوقوع في شرك تلك الأمراض.
وقد أشارت دراسة أجراها باحثون بريطانيون في سبتمبر الماضي، إلى أن طلاب الجامعات في لندن، عرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب والقلق أكثر من أقرانهم الذين يتوجهون للعمل بدلاً عن مواصلة تعليمهم، وأن الصحة العقلية تتدهور بسبب «ضغوط التعليم»، سواء المادية أو النفسية.
ووجد الباحثون اختلافاً طفيفاً في أعراض الاكتئاب والقلق في سن 18 – 19 عاماً بين الطلاب وغير الطلاب، وأن مشكلات الصحة العقلية المبلغ عنها بين طلاب الجامعات تضاعفت 3 مرات بين عامي 2016-2017، و2022-2023، وارتفعت من 6% إلى 16%.
وإذا كانت نسبة الإصابة بتلك الأمراض النفسية أكبر بين الشباب، فهي أكبر بين الشابات، خاصة الطالبات منهن، وفق الدراسة، التي سجلت زيادة بعدد الإصابات في الأشهر الـ12 الماضية، بالتزامن مع أزمة تكاليف المعيشة في لندن.
ورصدت الدراسة ارتفاع نسبة الطلاب الذين يفكرون في ترك الدراسة بسبب الضائقة المالية من 3.5% إلى 8% بين عامي 2022 و2023م، وزيادة تدريجية في معدل صعوبات الصحة العقلية بين الطلاب الذين كانوا يعملون بأجر خلال فترة الفصل الدراسي.
الأمر ذاته يتكرر بسبب دوافع الأمراض النفسية الأخرى، ولذا فإن معالجة هذه الأمراض تتطلب جهودًا مشتركة من قِبَل المصابين بالأمراض نفسهم، وأسرهم، وأصدقائهم، والأطباء المختصين، والإدارات التعليمية، والجهات المجتمعية.
خطورة الاكتئاب
والاكتئاب هو أبرز الأمراض النفسية الشبابية، وهو اضطراب يتميز بالشعور بالحزن أو اليأس أو فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة أو مفيدة، ويؤثر على كيفية تفكير الشاب وشعوره وتصرفه، وقد يؤدي إلى مشكلات في الصحة الجسدية أو المهارات الاجتماعية أو الأداء المدرسي أو المهني.
دراسة سعودية: 28.6% من الطلاب يعانون من الاكتئاب
وقد يكون للشباب صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو طلب المساعدة؛ ما يزيد من خطر حدوث مضاعفات خطيرة، مثل المحاولات الانتحارية، كما يعد من الأسباب الرئيسة للاعتلال والإعاقة بين المراهقين.
وتستأثر حالات الصحة النفسية بنسبة 16% من العبء العالمي لمرض الاكتئاب والإصابات به في صفوف الشباب، إذ تبدأ المعاناة من نصف اضطرابات الصحة النفسية إجمالاً في مرحلة البلوغ، ولكن معظم حالاتها تمر دون كشف أو علاج، حسبما أورد موقع منظمة الصحة العالمية، في 28 أبريل الماضي.
وثمة عوامل كثيرة تؤثر على المراهقين وصحتهم النفسية، فالعنف والفقر والوصم والاستبعاد والعيش في أوضاع إنسانية هشة جميعها عوامل قد تفاقم خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية، بحسب المنظمة الأممية.
عربيا، أثبتت دراسة عن مستوى الاكتئاب بين طلاب المرحلة الثانوية في مدينة جدة، أجراها عبدالله بن محمد السبيعي، وسارة بنت عبدالله الغامدي، من جامعة الملك عبدالعزيز السعودية، ونشرت في مجلة التربية والعلوم الإنسانية في يوليو 2022م، أن 28.6% من الطلاب يعانون من اكتئاب بدرجات مختلفة، وأن هذه النسبة تزداد بين الإناث (33.3%) مقارنة بالذكور (23.9%).
فيما أظهرت دراسة عن اكتئاب طلاب جامعة قطر، أجراها خالد بن عبدالرحمن المطيري، ورغد بنت سعود المطيري، من جامعة قطر، ونشرت في مجلة كلية التربية بالجامعة في يوليو 2021م، أن 25% من الطلاب مصابون باكتئاب خفيف إلى متوسط.
ثمة أمراض نفسية أخرى تهدد الشباب بنسب أكبر، مثل اضطراب ثنائي القطب، وهو اضطراب نفسي يتميز بتغيرات مفاجئة في المزاج، من حالة من الانتعاش والنشاط إلى حالة من الكآبة والخمول، وتختلف شدته من شخص لآخر، وقد يستغرق من ساعات إلى أسابيع، ويؤثر على قدرة الشخص على التفكير بوضوح واتخاذ قرارات سليمة والتحكم في سلوكه.
كما قد يؤدي هذا المرض إلى مشكلات في الصحة الجسدية أو المهارات الاجتماعية أو الأداء المدرسي أو المهني، وقد يؤدي إلى صعوبة في تعرف الشباب على حالتهم أو طلبهم للمساعدة؛ ما يزيد من خطر حدوث مضاعفات خطيرة، مثل المحاولات الانتحارية.
علاج الإدمان الطريق نحو مواجهة الأمراض النفسية للشباب
وفي هذا الإطار، أظهرت دراسة نشرتها مجلة «JAMA» للطب النفسي، في مايو الماضي، أن الأشخاص الذين يتعاطون القنب بكل أنواعه، بشكل مستمر، أكثر عرضة للإصابة بعدة أمراض عقلية، بينها الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب السريري.
وأشار رئيس فريق الدراسة، أوسكار هوغارد جيفسن، من جامعة آرهوس، أن الأشخاص الذين تم تشخيصهم سابقاً باضطراب تعاطي القنب كانوا تقريباً أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب السريري في وقت لاحق.
ووجدت الدراسة أيضاً أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب تعاطي القنب كانت حظوظ تشخيصهم باضطراب ثنائي القطب 4 أضعاف أكثر من الأشخاص الآخرين.
ولذا، فإن مواجهة الأمراض النفسية للشباب ذات ارتباط وثيق بعلاج حالات الإدمان، خاصة إذا تعددت مسببات الإصابة بالاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب فيما بينهم.