ما يحدث اليوم في قطاع غزة من جرائم مروعة يندى لها جبين الإنسانية، لا يصدقها عقل ولا يتخيلها، لولا نقلُها بصورة حية ومباشرة عبر شاشات التلفاز من قلب الحدَث، جرائم لم يقترفها إنسان الغاب، ولا سيوف المغول، ولا محارق النازية، جرائم تعبِّر عن نفسية منحطّة أبرز صفاتهم الفساد والإفساد وسفك الدماء.
فحجم هذه الجرائم وفظاعتها تجعل كل صاحب ضمير حي يتساءل: ما السر خلف هذه الجرائم؟ وهل من يقترفها تجرد من كل معاني الإنسانية؟ وهل بقي في قلبه ذرة من رحمة أو رأفة؟ أم أن هذه الجرائم منبعها عقائد فاسدة تجذرت في قلوب مقترفيها.
بالعودة لمعتقدات مقترفي هذه الجرائم، نجد أن تاريخهم بُني على سفك الدماء، وبدؤوا بأنبيائهم! وهذا ما أكده السياق القرآني عندما تحدث عن علاقة بني إسرائيل مع أنبيائهم، قال تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61)، وذكر بعض المفسرين أسماء بعض هؤلاء الأنبياء الذين تم قتلهم على يد بني إسرائيل، منهم: أشعياء، وزكريا، ويحيى.
فإراقة الدماء عند هؤلاء القوم متأصِّلة في نفوسهم، فلا حُرمة لدم أحد عندهم، حتى ولو كانوا أنبياء الله تعالى، ومرَدُّ هذا الأمر يعود إلى معتقدات دينية فاسدة تأصَّلت في نفوسهم؛ من ذلك ما ورد في «سفر يشوع» بأن يوشع بن نون عندما أراد فتح مدينة أريحا في فلسطين أمر بقتل كل من فيها من رجال ونساء وأطفال، بل شمل القتل الحيوانات: «وأخذوا المدينة وحرموا (أي قتلوا) كلَّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف»!
وبسبب هذه النصوص التوراتية المحرَّفة، وغيرها من نصوص تلمودية، سلك حاخامات اليهود هذا النهج الإجرامي، نهج سفك الدماء، فيما يُسمَّى لديهم بقتل الأغيار؛ أي غير اليهود؛ لذلك صدرت عدة فتاوى من مرجعيات دينية لديهم تُبارك ما يقوم به الجيش «الإسرائيلي» من أعمال قتل في غزة، وتبرير لقتل النساء والأطفال.
من ذلك ما أفتى به الحاخام «مردخاي إلياهو»، الذي يُعدُّ المرجعية الدينية الأولى في «إسرائيل»، حيث أرسل رسالة إلى رئيس الوزراء السابق «إيهود أولمرت»، وإلى جميع قادة «إسرائيل»، ذكَّرهم فيها بقصة وردت في «سفر التكوين» كدليل على نصوص توراتية تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم، كذلك دعا هذا الحاخام رئيس الوزراء إلى مواصلة الحملة العسكرية على غزة، معتبراً أن المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي.
ونشرت صحيفة «هاآرتس» فتوى لعدد من حاخامات اليهود في «إسرائيل»، أفتوا بأنه يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عماليق على الفلسطينيين، كما أكد هذا الحكم الحاخام «روزين»، أحد أهم مرجعيات الإفتاء عند اليهود، هذا الأمر، وأضاف أن حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال، وحتى الرُّضَّع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائم.
أما الحاخام الأكبر لمدينة صفد «شلوموا إلياهو»، فقد قال: إذا قتلنا 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك؛ فلا بد أن نقتل منهم ألفاً، وإذا قتلنا منهم ألفاً دون أن يتوقفوا؛ فلنقتل منهم 100 ألف، وعلينا أن نستمر في قتلهم، حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون قتيل، مستنداً في فتواه إلى نص من المزامير يقول: «سوف أواصل مطاردة أعدائي والقبض عليهم، ولن أتوقف حتى القضاء عليهم».
لذلك صادَق عدد من حاخاماتهم على فتوى تسمح للجيش «الإسرائيلي» بقصف مناطق سكنية في قطاع غزة، ومن بين الذين صادقوا على هذه الفتوى الحاخام الأكبر لحزب شاس الديني «عوفاديا يوسف»، والحاخام «آفي رونتسكي».
وإذا ما أُضيف لما سبق من معتقدات دينية فاشِيَّة، وجود قادة سياسيين وعسكريين متطرفين ينقمون على الشعب الفلسطيني خاصة بعدما حدث لهم يوم السابع من أكتوبر.. يوم سبتهم الأسود كما وصفوه.. اليوم الذي أصابهم بمقتل في أمنهم، وتمرَّغت فيه هيبتُهم من قِبل ثلة مجاهدة من رجال مقاومة محاصرة منذ ما يقارب 17 عاماً، لهذا نجد روح الانتقام والتشفِّي وسفك دماء تسري في عروقهم، ولا تبارح نفوسهم!
فهؤلاء القوم لا يشفى لهم غليل، ولا يهدأ لهم بال إلا بمزيد من سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ، هذه شريعتهم المحرَّفة الفاسدة مصدر إجرامهم وغيِّهم ومنبع أخلاقهم، هذه نفوسهم نفوس عُلُوّ واستكبار وتجبّر، تنظر لغيرهم على أنهم حيوانات!
ومن كانت نفوسهم بهذا العفَن والحقارة، فلا غرابة عليهم فعل كل حقير، واقتراف كل موبقة، وسفك دم الأطفال.