هل انتصرت «حماس»؟ هذا السؤال هو اليوم أهم سؤال في العالم، يتصدر الاهتمامات، يسيطر على عقول صناع القرار السياسي والأمني والمحللين، يشغل بال مراكز الأبحاث والدراسات، يقض مضاجع قادة الاحتلال وحلفاء «تل أبيب» وداعميها، ويغيظ جهات عربية وفلسطينية تتمنى أن ينجح نتنياهو، وهو سؤال يتابعه باهتمام الشعب الفلسطيني وأبناء «حماس» وحلفاء المقاومة.
عند قراءة العنوان سينقسم الناس إلى اتجاهات: منهم من سيقول: إن «حماس» انتصرت، ومنهم من سيقول: إنها خسرت، ومنهم من سيقول: إنه من المبكر الإجابة لأن المعركة لم تنته.
سأحاول هنا أن أقدم إجابة موضوعية مهنية.
الحكم على نتيجة أي معركة أو حرب، مرتبط بالأهداف التي حددها كل طرف والغايات التي عزم على الوصول لها ضمن رؤيته الإستراتيجية، وليس ضمن الوسيلة التي يستخدمها.
تمتلك حركة «حماس» رؤية إستراتيجية تقوم على مقاومة الاحتلال، واستمرار المقاومة وإنهاك الاحتلال حتى التحرير الشامل وبناء الدولة.
ونفذت «حماس»، في 7 أكتوبر 2023م، عملية «طوفان الأقصى»، وهي من أهم وأقوى العمليات التي نفذت ضد الاحتلال طوال تاريخ الصراع، وحققت «حماس» أهدافاً إستراتيجية واضحة، أهمها أنها زلزلت أركان الكيان، وأحدثت هزات ضخمة داخله، وحطمت صورة جيشه وأمنه، وأفقدته مكانته الإستراتيجية، وأفقدت كذلك ثقة المجتمع بقدرة الجيش على حمايته.
بعد ذلك نفذت حكومة الاحتلال عدواناً وحشياً على غزة، وأعلن نتنياهو أن العدوان يسعى لتحقيق الأهداف التالية: القضاء على «حماس»، وإعادة الأسرى، وتعيين إدارة جديدة في غزة من دون «حماس»، وبناء شرق أوسط جديد من دون «حماس».
إضافة إلى هذه الأهداف الكبرى، حدد الاحتلال مجموعة أخرى من الأهداف، أهمها: تدمير الأنفاق وترحيل الفلسطينيين إلى مصر، وطرد الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها، وإدخال قوات فصل دولية إلى القطاع، وبناء مخيمات للنازحين في منطقة المواصي جنوب القطاع، وإعادة تموضع قوات الاحتلال حول وداخل غزة.
من أجل تحقيق هذه الأهداف استخدم الاحتلال كل أدوات القتل والتدمير والإرهاب والوحشية، وحصل على غطاء سياسي وعسكري وقانوني أمريكي، ودعم كبير من حلفائه، واستخدم أكثر من 75 ألف طن من المتفجرات، وحشد 350 ألف جندي، وحصل على دعم أمني واستخباري واسع من جهات أوروبية، واستخدم أساليب العقاب الجماعي والطرد والترحيل والإبادة الجماعية، وقام بتدمير البنية التحتية والمنازل والجامعات والمدارس والمؤسسات، ولاحق العلماء ومدرسي الجامعات والنشطاء والصحفيين، وقتل الأطفال والنساء بوحشية.
كل ذلك كان ضد المدنيين والأهداف المدنية، ودون أن يحقق الاحتلال أي نتيجة سياسية أو عسكرية، ودون تحقيق أي مكسب إستراتيجي، ولم يتمكن الاحتلال من تحقيق أي هدف من سلة الأهداف التي أعلنها، وهذا أهم فشل له، لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حذر الجيش «الإسرائيلي» من أنه يحقق نجاحات تكتيكية لكنه يخسر المعركة الإستراتيجية.
منذ 7 أكتوبر إلى اليوم حققت «حماس» النتائج التالية:
1- أحدثت عملية «طوفان الأقصى» زلزالاً كبيراً داخل الاحتلال وصدمة وضربة إستراتيجية، فشل الاحتلال في الوقوف بعدها على قدميه أو استعادة صورته.
2- أعادت «حماس» الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، وأصبح العالم يتحدث عن ضرورة إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الأساسية.
3- التف الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج حول «حماس» والمقاومة، وأصبحت «حماس» أكثر شعبية وزادت ثقة الفلسطينيين بالمقاومة ومطالبها، وأنها (المقاومة) القادرة على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وليس مسار التسوية المذل.
4- صمد الفلسطينيون في قطاع غزة وتحملوا وحشية الاحتلال وقدموا تضحيات ضخمة جداً، وأصبحت غزة ملحمة إنسانية في البطولة والفداء والصبر والمقاومة والصمود.
5- حققت «حماس» انتصاراً أخلاقياً إنسانياً على مستوى العالم، وأصبح الاحتلال كياناً غارقاً في الوحشية، وتجددت الصورة المشرقة للمقاوم الفلسطيني، ويكفي صورة خروج «الإسرائيليات» من غزة وشهاداتهن بحق أخلاق عناصر «القسام».
6- حققت «حماس» انتصارات إعلامية متلاحقة، وأثبتت مصداقيتها وموضوعيتها ونجحت في تحقيق مصداقية إعلامية.
7- أجبرت «حماس» الاحتلال على وقف عدوانه وإجراء تهدئة مؤقتة بعدما ظل يرفض لأكثر من 40 يوماً.
8- أدت جهود «حماس» لدفع الاحتلال لتحرير العشرات من النساء والأطفال وتحول مشهد تحريرهم في الضفة الغربية إلى مشهد عالمي.
9- واصلت «حماس» قصف العمق الصهيوني بالصواريخ من داخل مناطق ادعى الاحتلال أنه يسيطر عليها، كما واصلت «حماس» ضرب جيش الاحتلال في المناطق التي دخلها منذ 60 يوماً وادعى السيطرة عليها.
10- ظلت «حماس» وظل الفلسطينيون صامدين في مناطق شمال غزة، ووجهوا من هناك ضربات كبيرة للاحتلال.
11- شاركت الضفة الغربية في المقاومة، ونفذ الاحتلال اعتداءات إرهابية من قتل واغتيال واعتقال، لكنها عززت مشروع المقاومة في الضفة والقدس.
12- دخل الفلسطينيون من لبنان على خط مقاومة الاحتلال، وقصفوا شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ، وخاض مقاتلو «القسام» من لبنان معارك مع العدو.
13- دخل «حزب الله» من لبنان في المعركة، ووجه ضربات عسكرية وأمنية قوية جداً للاحتلال ومؤثرة من الناحية الإستراتيجية، أربكت العدو وأضعفت قدراته.
14- تحولت مواقف دول داعمة بالمطلق للاحتلال إلى مواقف تدعو لوقف العدوان وإدخال المساعدات ووقف استهداف المدنيين.
15- ظلت «حماس» تضرب دبابات وناقلات جند وجنود الاحتلال بعنف داخل غزة وفي محيطها، ونجحت «كتائب القسام» في تقديم الأدلة المثبتة بالصوت والصورة تدمير آليات الاحتلال وإيقاع جنوده بين قتيل وجريح.
في المقابل، وبعد أن فشل الاحتلال في تحقيق نتائج سياسية أو عسكرية، ارتفعت الأصوات السياسية داخل الكيان الصهيوني التي تشكك في أهداف حكومتهم، وتعتبر أن الحكومة لا تمتلك أهدافاً واقعية، وأن الفريق الحكومي زج الجيش في معركة خاسرة، وتعالت الأصوات التي تدعو إلى وقف الحرب، وزاد الشرخ الشعبي، وتراجع تأييد المجتمع للفريق الحاكم، ودعا 3 رؤساء حكومات سابقين نتنياهو للاستقالة، وسحب الجيش الصهيوني كتيبة من «لواء غولاني» من غزة بسبب خسائرها، وعجز الاحتلال عن إطلاق سراح أسير واحد، وتهشمت صورته أمام العالم.
واتهم نتنياهو علناً أنه يدير الحرب لأهدافه الشخصية، واقتنع غالبية العالم بكذب حكومة الاحتلال، وقدرت جهات محايدة عدد قتلى وجرحى الاحتلال بأكثر من 10 آلاف جندي وضابط، وأعلن قسم التأهيل في جيش الاحتلال عن إنشاء وحدة للدعم النفسي انضم لها 2800 جندي، وتظاهرت عائلات الأسرى بشكل متواصل في «تل أبيب» متهمة الحكومة بعدم الاهتمام بأبنائهم، ووصف الكاتب «الإسرائيلي» حاييم ليفنسون المجتمع بأنه يحب الأكاذيب و«حماس» اركعت جيشنا!
نستعرض هنا مجموعة من الشهادات لعدد من المحللين والخبراء الغربيين حول انتصار «حماس» وهزيمة الاحتلال:
– يقول بول روجرز، أستاذ دراسات السلام في مقال بصحيفة «الغارديان»، 21 ديسمبر: إسرائيل تخسر الحرب ضد «حماس» لكن نتنياهو لن يعترف بذلك.
– تقول مجلة «إنترسبت» الأمريكية، 21 ديسمبر: «إسرائيل» تنجح في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، لكن الهجوم البري تحول إلى مستنقع.
– يقول جيل جاكوبس، في «الجيروزاليم بوست»، 21 ديسمبر: على أولئك الذين يهتمون بـ«إسرائيل» الدعوة لإنهاء الحرب، هذا الموقف هو الأكثر تأييدًا لـ«إسرائيل»، بل الأكثر يهودية.
– يقول إيهود أولمرت، رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، 22 ديسمبر: الكل يعلم أن هدف استئصال «حماس» لن يتحقق، يجب الوقف الفوري للحرب.
– يقول السفير الأمريكي الأسبق في الكيان الصهيوني مارتن إنديك، 22 ديسمبر: «حماس» لن تُهزم، وعلى «تل أبيب» التفاوض معها لإطلاق الرهائن.
– كتب توماس فريدمان، في «نيويورك تايمز»، 23 ديسمبر: على الولايات المتحدة أن تخبر «إسرائيل» أن هدف محو «حماس» من على وجه الأرض لن يتحقق، هناك انزعاج في الجيش من حقيقة أن حكومة نتنياهو تطلب منه خوض حرب دون هدف سياسي محدد بوضوح أو جدول زمني أو آلية للفوز والسلام.
– خلص نائب رئيس الأركان «الإسرائيلي» السابق يائير غولان، في صحيفة «معاريف»، 24 ديسمبر إلى أن أبناءنا يقتلون في غزة دون وجود إنجازات، و«حماس» هي من يدير الصراع، ويجب التوصل لاتفاق مع «حماس» وليس مع أي فاعل آخر.
– لكن أفضل ما يعبر عن المستقبل هو ما كتبه ديفيد هيرست، في «ميديل إيست آي»، 23 ديسمبر: إن شعار حكومة نتنياهو «ميتوت حماس» (تسقط حماس) يمكنهم تحويله إلى «ميتوت إسرائيل».
لقد حقق الشعب الفلسطيني من خلال وحدته ومقاومته وتضحياته وصموده انتصارات مهمة ضد الاحتلال رغم كل الوحشية والإرهاب المستخدم.
وعند توقف هذا العدوان سوف يشهد العالم المزيد من الانحدار «الإسرائيلي» الداخلي والخارجي، بحيث تتعاظم مؤشرات زوال الاحتلال.