في 22 يناير 2024م، فوجئ المتابع لمجريات الحرب الصهيونية الدائرة على غزة بإعلان وسائل الإعلام عن سحب جيش الاحتلال لمزيد من قواته من القطاع، سواء من قوات الاحتياط أو القوات النظامية، وتوجيه جزء منها إلى الضفة الغربية المحتلة، رغم اشتداد عود المقاومة الفلسطينية في مدينة خان يونس.
والمفاجأة لم تقف عند هذا الحد، بل سبقها إعلان صحف أمريكية أن الجيش سيقوم بسحب المزيد من جنود الاحتياط المتواجدين في غزة، على أن يتم استدعاؤهم وقت الحاجة، موضحة أن سحب هذه القوات يأتي على خلفية ضغوط أمريكية مورست على سدة الحكم في «تل أبيب»، بزعم الانتقال من مرحلة عسكرية أقل حدة وأكثر دقة في حربها ضد الفصائل الفلسطينية في غزة، وهو ما لم تذكره وسائل الإعلام العبرية.
بيد أن سحب أي قوات أو لواء من داخل غزة لا يتم إلا في حالة خسارة جزء كبير من قواته وآلياته العسكرية، فضلاً عن منح ضباط وجنود هذا اللواء الراحة من القتال في القطاع، بعدما يزيد على 110 أيام من الحرب الصهيونية على غزة؛ فيما سبق وأعلن الجيش سحب جزء من قواته مع مرور 100 يوم كاملة على الحرب، بهدف استراحة قواته أيضاً، وليس لتنظيم صفوفه وإعادة بناء تلك القوات العسكرية.
والشاهد أن الحديث عن انتقال جزء من القوات الصهيونية المنسحبة من غزة إلى الضفة الغربية، ليس سببًا جوهريًّا؛ رغم شهادة صحيفة «هاآرتس» العبرية بأن بلادها تحذر من خطورة الوضع في الضفة، واصفة إياه بأنه «على وشك الانفجار»؛ خاصة أن مدن وبلدات الضفة المحتلة لم تشهد انتفاضة أو هبة شعبية ضد جيش الاحتلال، حتى الآن، رغم اقتراب الشهر الرابع على الحرب؛ كما أن عدد الشهداء الذين سقطوا في الضفة لم يتخط 370 شهيدًا؛ ما ينفي معه هذا السبب، وإنما يعزى إلى قوة ضربات المقاومة الفلسطينية داخل غزة، التي أجبرت الكيان الصهيوني على تغيير إستراتيجيته وأهدافه المطلوبة من تلك الحرب.
سحب «الفرقة 36» من غزة
والشاهد أن إعلان الجيش نفسه، في 15 يناير الجاري، سحب «الفرقة 36» من غزة، وهي واحدة من 4 فرق دفعت بها «تل أبيب» في حربها على القطاع، وهي الفرقة التي شاركت في العمليات الصهيونية على وسط غزة، بما فيها المواجهات الضارية في خان يونس، يؤكد أن سبب الانسحاب يعود إلى أخذ قسط من الراحة، ومنحها فترة كافية من التدريب، فضلاً عن المقاومة الفلسطينية الشرسة التي قُوبل بها الجنود والضباط الصهاينة، كما أوضحت وسائل الإعلام؛ وهو ما جاء بالتوازي مع سقوط العشرات، وربما المئات من الجنود الصهاينة في خان يونس، وحدها، على وقع قوة المقاومة فيها، ولعدد الأنفاق الموجودة تحت أرضها، التي منحت عناصر المقاومة الفلسطينية حرية الحركة والتنقل من مكان لآخر.
والغريب أن «هيئة البث الإسرائيلية»، وهي وسيلة إعلامية رسمية، قد اعترفت بأن أي مكان في غزة يقلص فيه الجيش الصهيوني قواته أو ينحسب منه يعود إليه المقاتلون الفلسطينيون، على الفور، في دلالة على أن حالات الانسحاب الصهيونية من غزة تأتي بسبب تفوق المقاومة، رغم الفارق العسكري الهائل للجيش الصهيوني الذي يحتل المرتبة الـ18 في قائمة أقوى الجيوش حول العالم.
ويعود هذا التفوق العسكري الجاري على الأرض في غزة لفصائل المقاومة إلى الاستعداد الجيد للحرب في القطاع، وهو ما اعترفت به إذاعة الاحتلال من أن يحيى السنوار استعد لهذه الحرب لمدة 15 عاماً ماضية، وكان يعلم ذلك واستعد لها جيداً، وسط تقديرات أمريكية بأن «حماس» لا تزال لديها ما يكفي من الذخائر لمواصلة قتال «إسرائيل» لعدة أشهر، فيما يرجح الجيش الصهيوني أن القتال في غزة سيستمر طوال عام 2024م بأكمله، للتأكيد على قوة وصمود عناصر المقاومة في القطاع، ومن قبلهم الشعب الفلسطيني نفسه، المثابر على ثوابته الوطنية، التي لن يحيد عنها.
أواخر ديسمبر الماضي، سحب جيش الاحتلال «الكتيبة 13» في «لواء غولاني» من غزة، والبعض يقول: إنه سحب 5 ألوية قتالية، بعدما تكبدت خسائر مماثلة، في عدد القتلى والمصابين، وكذلك في العتاد العسكري، بحي الشجاعية شرقي القطاع، رغم إشارة البعض إلى انتقال الجيش لمرحلة ثالثة من العمليات العسكرية جنوبي غزة، لكنه دلالة واضحة على غياب رؤية الكيان الصهيوني بشأن أهداف الحرب التي تتلاشى، بمرور الوقت، خاصة مع تعجل حكومة نتنياهو بإعلان أي صفقة تبادل رهائن، من أجل حفظ ماء وجهها، والتقاط أنفاسها من حرب العصابات والشوارع التي أقحمت نفسها بداخلها، في مستنقع للمقاومة الفلسطينية، لم تتوقعه!
أسباب اقتصادية
هاغاري، المتحدث باسم جيش الاحتلال، اعترف بأن تلك الخطوة جاءت للتخفيف من خطورة الأعباء الاقتصادية، ليتبين أن المقاومة الفلسطينية لم تكبد الكيان خسائر بشرية وعسكرية فحسب، بل خسائر اقتصادية أيضاً.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد الهدنة المؤقتة مع «حماس»، التي انتهت في الأول من ديسمبر 2023م، واستمرت لأسبوع واحد، سحبت «إسرائيل» جزءاً من قواتها وأعادت تأهيلها بعد فترة استراحة لقواتها، ليتم التعويل على «الفرقة 36» المدرعة، التي تولت القيادة بعد انتقال فرقتين أخريين إلى منطقة غلاف غزة؛ وهي الفرقة التي تم سحبها في 15 يناير الجاري، بالمناسبة، ليثبت معه أن انتقال أو سحب تلك الفرق العسكرية الصهيونية يأتي بعد تصاعد قوة المقاومة الفلسطينية في القطاع.
استراحة محارب
«استراحة محارب» هو المصطلح الذي استخدمه هاغاري نفسه حينما أعلن الجيش الصهيوني سحب قوات «لواء غولاني» وإخراج قوات المظليين من غزة، في 23 ديسمبر 2023م، بالتزامن مع وصف خبراء عسكريين هذا الانسحاب بـ«الفشل الكبير» للجيش الصهيوني الذي لم يحقق أياً من أهدافه التي أعلنها مطلع الحرب على غزة.
التأكيد نفسه جاء مختلفاً هذه المرة، حيث نشرت وسائل الإعلام العبرية لقطات فيديو لجنود صهاينة، وهم على سيارات الجيب العسكرية، وقد كتب عليها «نحن تم تسريحنا دون أن ننتصر»، للدلالة على فشل الجيش الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه في غزة.