اختص الله تعالى أهل الإسلام بأنه سبحانه وتعالى لم يكلفهم فوق طاقتهم، فقال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، وقال تعالى: (ومَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّين مِن حَرَجٍ) (الحج: 78)؛ وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28)؛ وقوله سبحانه: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (رواه البخاري، 39)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً» (رواه مسلم، 1478).
الأعذار المبيحة للفطر
من هذا المنطلق، أباح الله تعالى للصائم في رمضان الفطر عندما يتعرض للأعذار التالية:
– المرض، والسفر، قال تعالى: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 184).
– أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها أو على جنينها. – أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها، فلها أن تفطر عندئذ ثم تقضي بعد ذلك.
– أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكة، مثل: أن يجد غريقاً في البحر، أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار فيحتاج لإنقاذه إلى الفطر فله حينئذ أن يفطر وينقذه؛ احتراماً لهذه النفس الآدمية.
– إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة «الفتح»: «إنكم ملاقو العدو غداً والفطر أقوى لكم فأفطروا» (أخرجه مسلم: كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، 1120).
– والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة يُرَخَّص لهما في الفطر، لعدم القدرة على الصيام، ولا قضاء عليهما إذا كان الصيام يشق عليهما مشقة شديدة في جميع فصول السنة، وعليهم أن يُطعموا عن كل يوم مسكيناً، لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (البقرة: 184)، قال ابن عباس: «الآية ليست منسوخة، وهي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا»، ومثلهما المريض مرضاً لا يرجى بُرْؤه، ويشق عليه الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر المسلم به فإنه لا يلزمه الإمساك بقية ذلك اليوم، فإذا قُدِّر أن شخصاً قد أفطر لإنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ولو بعد إنقاذه؛ لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر فلا يلزمه الإمساك حينئذ لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر؛ ولهذا قال العلماء: إن المريض لو برئ في أثناء النهار وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك بقية اليوم، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك؛ لأن هؤلاء جميعاً أفطروا بسبب مبيح للفطر، فكان ذلك اليوم في حقهم ليس له حرمة الصيام، لإباحة الشرع الإفطار فيه فلا يلزمهم الإمساك.
وهذا بخلاف ما إذا ثبت دخول شهر رمضان في أثناء النهار فإنه يلزم جميع المكلفين الإمساك حينئذ، والفرق بينهما ظاهر؛ لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فقد ثبت أن الإمساك في هذا اليوم واجب عليهم، لكنهم معذورون قبل قيام البينة بالجهل، ولهذا لو كانوا عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما أولئك القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فقد أبيح لهم الفطر مع علمهم، فكان بينهما فرق ظاهر.