يشكو الكثير من الناس من تعرضهم للحسد، وقد يرجع البعض منهم ما يتعرض له من أذى وضرر إلى العين التي تلاحقه هو وأهله، وقد يصاب بالتشاؤم، ويلجأ إلى العرافين والدجالين والسحرة، فيقع في المحظور شرعاً.
والحسد مذموم وسلوك بغيض، وهو أول ذنب عُصي الله به في السماء والأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل، لذلك اختصه الله في كتابه، فقال عز وجل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ {2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ {3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ {4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق).
يقول الحسين بن الفضل عن هذه السورة: إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسُّ الطبائع.
وحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ).
والحسد اعتراض على حكمة الله، فالحاسد يريد زوال النعمة عن أخيه، ويرغب في ذلك، وقد عرفه العلماء بأنه: محبة زوال النعمة عن أخيه.
ومع انتشار وسائل التواصل، ولجوء عامة الناس إلى نشر أخبارهم، وتوثيق حياتهم الشخصية، انتُهكت الخصوصية، وتفشى الحسد، وبات بلاء يلاحق الصغير والكبير.
لذلك على المسلم أن يتحصن من هذا المرض، وأن يرفع شعار «الوقاية خير من العلاج»، وأن يستعيذ من هذا البلاء، من خلال 5 خطوات، هي:
1- إخفاء بعض النعم، عملاً بوصية سيدنا يعقوب عليه السلام لبنيه، قال الله تعالى: (يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف: 67).
وعن معاذ بن جبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها، فإن كل ذي نعمة محسود» (صححه الألباني).
2- التحصن بذكر الله، والدعاء، والتعوذ من الحسد، وقراءة سورة «الفلق»، والأخذ بالأذكار الواردة في السُّنة النبوية، والأخذ بالرقية الشرعية، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟ قال: «نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» (صححه الألباني في صحيح الترمذي).
3- اليقين في قدرة الله عز وجل: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن: 11).
ولا يتحقق اليقين إلا بالتوكل على الله؛ (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الطلاق: 3)؛ أي كافيه وواقيه، واليقين بأن إرادة رب الأسباب فوق كل شيء قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (يونس: 107).
وعلى المسلم أن يتذكر دوماً قول النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» (رواه الترمذي).
4- الصدقة والإحسان، فهذا مما يدفع البلاء، ويقي من شر العين، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار»، وقوله: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر» (رواه الطبراني في «الكبير»).
5- الصبر على الحاسد وإطفاء شره بالإحسان إليه، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).