منذ العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة، في 7 أكتوبر الماضي، كانت الحالة الكويتية في التضامن مع القطاع المنكوب لافتة للأنظار؛ حيث تفاعل الكويتيون بمختلف أطيافهم مع الحدث، كما عبروا عن دعمهم لسكان غزة بصور شتى، شملت المظاهرات والوقفات التضامنية المنددة بالعدوان، وحملات جمع الإغاثة وتسيير شاحنات مساعدات حتى من قبل جهات إنسانية لا تعتبر غزة من نقاط تركيزها الجغرافي، وكما كان من أبرزها حملات ودعوات لمقاطعة الشركات الداعمة لـ«إسرائيل»، وهو ما سأعرضه في هذا المقال!
بدأت الدعوة إلى المقاطعة منذ أكتوبر 2023م، ونشطت الحملات الدعائية الداعية إلى مقاطعة الشركات الكويتية التي تحمل علامات تجارية عالمية مثل «ستاربكس» و«ماكدونالدز» لكون الأخيرة قد دعمت «إسرائيل» في حربها، كانت أبرزها حملة «هل قتلت اليوم فلسطينياً؟!».
ومنذ ذلك الوقت أثارت دعوة المقاطعة جدلاً كبيراً في الشارع الكويتي بين معارض ومؤيد؛ المؤيدون يرون أن الواجب الإنساني والديني والعروبي تجاه غزة يفرض القيام بهذه المقاطعة.
على حين يرى المعارضون أن هذه الدعوة شعبوية ونتاج لتحريض بعض الإعلاميين والسياسيين؛ لتغذية وتقوية أجندة ما يصفونه بالفكر الأصولي في الكويت، وإن من شأنها التأثير على الاقتصاد الكويتي، حيث إنها ستفضي إلى مناخ طارد للاستثمار، كما أن الشركات المستهدفة شركات وطنية تم الترخيص لها من الأجهزة المعنية، وهي لا تحمل من نظيرتها الأجنبية إلا الاسم، وأن مقاطعتها أشبه بانتقام من الذات واستهداف للاقتصاد الوطني من أهله، كذلك انتقد البعض إعلانات المقاطعة لأنها تفتقر إلى التنظيم والتنسيق لتعريف الشارع الكويتي بالجهات التي يجب مقاطعتها!
تزامن ذلك مع المرحلة التحضيرية لاستطلاع «الباروميتر العربي»، الذي نفذ للمرة الثالثة في دولة الكويت، خلال فبراير ومارس 2024م، بالتعاون بين جامعتي برنستون، وهارفارد، ومركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت، ومركز السلام، وشملت عينة الاستطلاع 1210 من الكويتيين في المنازل من كلا الجنسين ومن محافظات الكويت الست.
وقد تشرفت بالمشاركة في هذا الاستطلاع الذي يعتبر الأكبر من نوعه لآراء المواطنين في الدول العربية حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانتهز بعض فريق البحث الفرصة قبيل انطلاق العمل الميداني لاقتراح إضافة بعض الأسئلة عن الحرب في غزة، بهدف استكشاف آراء الكويتيين حولها!
طرح أحد الأسئلة على المستجيبين قائمة من طرق التضامن مع غزة، وطلب منهم تحديد الطريقة التي اعتمدوها مع إتاحة المجال لهم لاختيار أكثر من خيار، وتبين من النتائج أن «مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل» كانت أكثر الطرق بنسبة كبيرة وصلت إلى 83.6%! لتحل بعدها «متابعة أخبار الحرب باستمرار» 64.8%، و«التبرع النقدي لإغاثة قطاع غزة» 62.6%، و«بث رسائل تضامنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي» 44.1%، و«المشاركة في فعاليات تضامنية عامة» 21.5%!
رغم أنه ليس من الممكن حتى الوقت الحالي معرفة الحجم الكامل للخسائر، التي منيت بها العديد من العلامات التجارية، بفعل حملة المقاطعة في الكويت بسبب غياب البيانات المالية، فإن تقريراً لوكالة «بلومبيرغ»، في يناير الماضي، قد ذكر أن حملة المقاطعة في الكويت التي شملت شركة «ستاربكس» قد عززت من مبيعات المقاهي المحلية.
وعلى قدر ما تعكس النتائج السابقة عمق التضامن الشعبي الكويتي مع غزة في محنتها، فهي كذلك نتاج للاختيار الحر؛ حيث إن أجواء الحريات التي تمتعت بها الكويت قد أسهمت في جعل شعبها حراً في الاختيار والقرار والتفكير سياسياً واقتصادياً!