من الوارد جداً أن تتلقى أسئلة من طفلك أو حفيدك عن الله تعالى، والجنة، والنار، والموت، والبعث، والحساب، ويوم القيامة، وغيرها من تساؤلات منطقية، تعد الإجابة عنها اللبنة الأولى في البناء العقائدي لدى الصغار.
وقد تخطئ الكثير من الأسر، عندما تتجنب الإجابة عن تلك التساؤلات، أو تقدم لصغارها إجابات غير منطقية، أو تستخف بتلك التساؤلات، فلا تعيرها الاهتمام اللازم؛ ما قد يؤثر سلباً على تصورات الطفل تجاه الخالق، وماهية الله، وحقيقة الوجود، وسر الكون.
إن بناء عقيدة التوحيد لدى النشء يبدأ من الصغر، قبل أن تتلوث عقولهم وأفئدتهم بأفكار شاذة، ومعتقدات باطلة، ونظريات مادية، تفسد القلب، وتلغي الروح، وتضلل العقل، وصولاً إلى الإلحاد واللادين.
حينما يرى الطفل والديه وهم يصليان، يركعان، ويسجدان، فإن هذا السلوك ينتقل إليه تلقائياً من باب التقليد والمحاكاة، لكنه في قرارة نفسه يتساءل: ماذا يفعلان؟! ولماذا؟! وبماذا يتمتمان في صلاتهما؟! وهي أسئلة بريئة ومشروعة، الإجابة عنها تغرس في نفسه بذرة الإيمان والتوحيد، وأن هناك إلهاً لهذا الكون، نصلي له، ونتضرع إليه، ونطلب منه الخير كله، ونستعيذ به من الشر كله.
تتوالى التساؤلات من عقل طفل يحاول أن يكّون صورة مبسطة للأشياء حوله، تتناسب مع مرحلته السنية وقدراته الذهنية والعقلية، فيسأل: أين الله؟ فتكون الإجابة: في السماء، هو إله الكون، هو الخالق، القادر، القوي، منزل المطر، ومجري السحب، وهو من خلق لك العينين والأذنيين واليدين والقدمين، وتعدد له آيات الله في الكون، وعجائب قدرته، لتطمئن نفسه إلى أن هناك خالقاً لهذا الكون.
سيسأل طفلك: أريد أن أرى الله، فلا تنزعج أو ترتبك أو تتلعثم، بل أخبره بصدق ويقين: ستراه وسأراه، عندما ندخل سوياً الجنة، مكافأة لنا على أعمالنا الصالحة في الدنيا، وجزاء لنا في الآخرة، وواظب على غرس الشوق في نفسه إلى الجنة وملذاتها، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ستجد منه إصغاء كبيراً لحديث الجنة وما فيها.
فإذا أصر على رؤية الله، فأخبره أن الله يرانا ويسمعنا، وإذا أردنا أن نراه، فلنتفكر في آياته: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 164).
أشعره بأن الله تعالى معه، يراه، يسمعه، يراقبه، مطلع عليه، يعلم السر وأخفى، فهذا رسولنا الكريم قد تعهد أصحابه، حتى الأطفال منهم فغرس في نفوسهم أسس العقيدة، قال معلماً لابن عباس: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
تجربة تأمل
حينما تصطحب طفلك قبل الشروق أو الغروب، في جلسة تأمل، وصفاء ذهني، فأنت تفتح أمامه مدارك جديدة، وآفاقاً أوسع نحو تدبر آيات الله سبحانه، من خلق الشمس والقمر؟ من جاء بالليل والنهار؟ من أوجد الأرض والجبال؟ رويداً رويداً، سيتيقن من وجود خالق لهذا الكون، ورب نعبده، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.
اجعل عقله يفكر، ويتدبر، ويعقل، ويهتدي بنفسه، عندما ترد على استفساراته بأسئلة تنير عقله وقلبه، من خلق الماء؟ من أوجد الهواء؟ من أنبت الزرع؟ ففي الحديث: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله» (حسنه الألباني).
حينما تحضر إناء صغيراً، وتجعل طفلك يملؤه بالتراب، ويضع فيه بذور قمح أو ذرة أو غير ذلك من بذور النباتات، ويسقيها بالماء، ثم يتابع يوماً بعد الآخر، كيف نبت الثمر، ومن أخرج النبتة من تربتها، ومن منحها لونها الأخضر، ومن خلق الفاكهة، والخضراوات، والأشجار، والزهور، وهكذا، فيوقن أن الله تعالى هو الخالق، ولا معبود سواه، ويستشعر وقتها ما تتلوه عليه من آي الذكر الحكيم: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ {78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ {81} وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء).
أذكر في طفولتي، كيف ماتت بطة صغيرة خصصتها لي أمي، فحزنت عليها، فعلمتني كيف أغطيها بقطعة من القماش، وأدفنها إلى جوار حائط البيت، ذرفت الدموع عليها، لكني عرفت معنى الموت، وعرفت منها أن الإنسان سيموت أيضاً، لكن الفارق أنه سيبعث من جديد، ليُحاسَب على عمله، فإن كان صالحاً فله الجنة، وإن كان سيئاً فله النار.
لا تتهرب من تساؤلات طفلك، ولا تقل له: اسكت ولا تتكلم، لا توبخه أو تسخر منه، بل احترم عقله، وقدِّم له إجابات منطقية، وكن له قدوة في البيت، يراك تصلي، وتقرأ القرآن، وتتضرع إلى الله، فيتجاوب ويستكشف ويستطلع هو كذلك ما يدل على وجود الله، والإيمان به، ثم معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلم أركان الإيمان والإسلام، وهكذا يجري غرس العقيدة في قلب وروح وعقل طفلك، فيترعرع مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
كن بسيطاً في إجاباتك، بما يتناسب مع عمر طفلك، واربط الإجابات قدر الإمكان بأشياء واقعية يدركها طفلك، واستخدم الأسلوب القصصي، والتقريب بالرسم والصورة، واستعن بالمشاهدة البصرية والوسائل الحديثة في الإجابة عن استفساراته، وإيصال ما تريد إلى قلبه وعقله.
يقول العلامة ابن القيم: «فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً».