هذه مملكة حقيقية، ولكنها بلا أرض ولا علم ولا حدود، مملكة بلا وزراء ولا برلمان، لا حكومة ولا معارضة، مملكة ثرية ثراء فاحشاً، بها 15 مليون دافع للضرائب، ضرائب باهظة لا تقل عن 12.5%، وتصل أحياناً إلى 33.3%، تُقدَّم لشخص واحد، هذا الشخص هو الحكومة وهو المعارضة، يجني الملايين يومياً دون أن يلتزم بأدنى مسؤولية أو أي التزامات تجاه شعبه، يجمع أموالاً طائلة بلا إيصالات أو دفاتر وينفقها بلا رقيب أو حسيب.
كيف صنعت بريطانيا هذه المملكة الفريدة؟
بدأت القصة بمحاولة بريطانيا الإطاحة بالأسرة القاجارية في إيران وتولية واحد من صنائعها يدعى علي حسن شاه في عام 1254هـ/ 1838م؛ حتى يسلم ثروات ومقدرات الشعب الإيراني للإمبراطورية البريطانية الإمبريالية، وفشلت محاولة بريطانيا في إيران، فكررت نفس المحاولة باستخدام نفس الشخص في أفغانستان، ولكن يقظة الأفغان أفشلت تدبير الإنجليز، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، فانتقل حسن شاه للسند وهناك بدأت القصة الحقيقية.
صناعة الصنم
في ذلك الوقت، كانت بريطانيا في حاجة لزعيم ديني إسلامي في الهند يخذل عنها ثورات المسلمين الهنود التي لم تهدأ منذ حلَّت أقدامهم شبه القارة الهندية، التي حكمها المسلمون قروناً بالقسطاس المستقيم، لم يظلموا أحداً، ولم يجبروا فقيراً ولا غنياً على اعتناق دينهم، جاء الغزاة الإنجليز، وأغلب الهنود ما زالوا على ديانات آبائهم لم يعتنفوا دين الحكام المسلمين؛ لأن المسلمين لا يُكرهون الناس على اعتناق دينهم.
قرر الإنجليز الدهاة أن يصنعوا من رجلهم حسن شاه صنماً يُعبد، زعيماً دينياً، مستغلين أمية وغفلة جماهير غفيرة من المسلمين، وقد وقع اختيارهم على بعض المجموعات شبه العرقية، كان من أهمهم مجموعتان؛ مجموعة الخوجات ومجموعة الهونزا.
من هم الخوجات؟
يذكر كتاب «النور المبين» تأليف أ.ج. جونارا بأنه قبل وصول الأغاخان الأول علي حسن شاه إلى الهند من إيران في عام 1259هـ/ 1843م، كانت جميع الاحتفالات والطقوس الأساسية للخوجات مثل الزواج والوفاة والختان والفاتحة.. إلخ، كان يؤديها شيوخ السُّنة وعلى مذهب أهل السُّنة.
يسجل كتاب «النور المبين» أنه في عام 1271هـ/ 1855م أصدر الأغاخان إعلاناً (فرمان) إلى الخوجات يطلب منهم تغيير تطبيق هذه الشعائر إلى شعائر الطريقة الإسماعيلية، وأن يكون تطبيقها عن طريق شيوخ الشيعة والسادة بدلاً من شيوخ أهل السُّنة.
ولمدة 20 عاماً، جادل الأعضاء المتنفذون في الجماعة في كوتشه وكوثياوار التغييرات وسلطة الأغاخان وإعلانه، ويسجل كتاب «النور المبين» أنه تم التوصل لحل وسط بين الخواجات، والأغا خان، فقد وافق الخوجات أن يطبقوا الأمر عدا ما يتعلق بالزواج، فطقوس النكاح تنفذ على طريقة المذهب السُّني.
وتدريجياً تغير مصطلح الخوجات، وأصبح الخوجات إسماعيليين نزاريين شيعة في اعتقادهم الحقيقي.
شعب الهونزا
ما حدث مع الخوجات، حدث مع شعب أو عرقية الهونزا، وشعب الهونزا، المعروف أيضًا باسم البروشو أو البوروشو أو البوتراج، يعيش في وادي هنزه ووادي ناجاك ومقاطعة شترال.
وصلهم الإسلام، كما وصل لباقي شبه القارة الهندية من خلال الدعاة المسلمين السُّنة، وظلوا يمارسونه، حتى جاءهم من يقول لهم: إنهم ليسوا سُنة، مستغلين العزلة والجهل والفقر، الذي يفصلهم عن المحيط السُّني ليتحول أغلبهم للمذهب الإسماعيلي الأغاخاني، بنسبة تصل إلى 90%، ولم يتبق على المذهب السُّني من شعب الهونزا سوى 10% أو أقل.
وهكذا أصبح للأغاخان الأول حسن علي شاه شعب، وأصبح بدعاية وسلطة وقضاة الإنجليز ملكاً متوجاً يتبعه ملايين من الناس يطيعونه، معتقدين أن طاعته طاعة للإله، شعب بالملايين يحكمه رجل مقدس! بفرمانات مقدسة! ويجني من ورائه مئات الملايين دون أن يلتزم بتقديم أي شيء لهم على الإطلاق.
ضرائب دينية إجبارية
يقول أكبر بهائي في كتابه «فهم الإسماعيلية»: من واقع تجربتي الشخصية، أستطيع القول: إن الكادح الإسماعيلي يدفع 12.5% من دخله للأغاخان، ويعطي زوجته مصروفها الشخصي لشراء حاجياتها الشخصية مثل الملابس وغيرها من الضروريات، وزوجته بدورها تدفع 12.5% من مصروفها الشخصي للأغاخان، ويقدم أولاده أيضاً 12.5% من مصروفاتهم للإمام، هذا بالنسبة للكادحين.
وخلال إمامة الأغاخان الثالث، أصدر فرمانات صارمة ومشددة لـ«الداسوند»؛ وتعني العشور، وبعض فرماناته تقول: إن من لم يدفع «الداسوند» كاملاً سيتعرض لخسائر في نفسه وماله؛ مثل المرض والحرائق، وإن من لا يدفع «الداسوند» فلا دين له، ولن يصل الإسماعيلي لمرحلة السمو الروحي أو يحصل على اللمحة النورانية من الأغاخان إذا أهمل دفع «الداسوند».
المندليون المباركون
يوجد في كندا آلاف من الإسماعيلية يدفعون 25% من دخلهم الإجمالي للأغاخان، وهؤلاء هم أعضاء جماعة المندلي وتسمى «المندليون المباركون».
وتوجد مجموعة أرقى من المندليين المباركين يدفع أعضاؤها 33.3% من دخلهم للأغاخان.
يقول فيصل جيلاني، وهو إسماعيلي أغاخاني سابق: يتمحور الإسلام حول وحدانية الله (التوحيد) الذي يمكن أن يمارسه الفقراء والأغنياء على حد سواء، في حين تتمحور الإسماعيلية حول الأغاخان وجماعته؛ حيث كلما دفعت أكثر أصبحت أكثر فضلاً، وهو أمر لا يستطيع فعله إلا الأغنياء.
الأغاخانيون يعتبرون الأغاخان شريكاً لهم، يدفعون له شخصياً نسبة من أموالهم ولا يعرفون أين تنفق، يدفعون له الثمن (12.5%) أو الربع (25%) أو الثلث (33.3%) من دخلهم على أساس شهري، لا سنوي مثل الزكاة عند المسلمين السُّنة، لينفقها كيف يشاء بلا رقيب أو حسيب.
صكوك الماء
يقول أحد أتباع الأغاخان: دفعت مبلغاً وقدره 50 روبية لخزانة الأغاخان في كراتشي بباكستان، وأخذت مكاني واقفاً في صف طويل حتى يصل دوري لأحصل على طقس الشهتاه (مغفرة الذنوب برش الماء المقدس على الشخص) من يد كريم أغاخان، الذي رش الماء على كل إسماعيلي دفع المبلغ المعلوم، كان يرش الماء المقدس على وجه كل شخص قائلاً: «لقد غـَفَرتُ لك ذنوبك»!
وفي يوم الحساب لن نُسأل عن الذنوب المغفورة -أي التي غفرها كريم أغاخان- وقبل أن يغفر لي ذنوبي لم يسألني عنها وكأنه يعرف كل شيء، وقد همس في أذني قائلاً: لقد غُفـِرت لك كل ذنوبك!
هكذا صنع الإنجليز إمبراطورية مترامية الأطراف لأحد رجالهم المخلصين ولذريته من بعده، تبدأ في الهند بشعب يقدر بالملايين، وتنتشر في أنحاء العالم، في أفريقيا وأوروبا وأمريكا، شعب يدفع نصيباً معلوماً من قوته يراه حقاً لفرد واحد ورث القداسة المزعومة، نبع لا ينضب يصب في حسابات الأغاخان، وقد قدرت القيمة الصافية لثروة الأغاخان الحالي بنحو 13.3 مليار دولار أمريكي، وذلك في عام 2013م، وتصف مجلة «فوربس» الأغاخان بأنه واحد من أكثر 10 «ملكيين» ثراءً في العالم، ونلاحظ أنه يوصف بكونه «ملكياً» دون أن يحكم منطقة جغرافية معينة.
_____________________________
1- كتاب «فهم الإسماعيلية»، أكبر بهائي.
2- Why I too, chose to leave Ismailism- Akbar Khoja.
3- حقيقة مذهبنا الإسماعيلي ونظامه، د. زاهد علي.
4- شبكة الدفاع عن السُّنة.