ما الذي يسبب الجوع في العالم؟ إن هيئات ومنظمات الغذاء في العالم تتفق بشكل عام على أن الفقر من الأسباب الرئيسة للجوع في العالم.
فالملايين من الناس ليس لديها النقود الكافية لشراء حاجتها من الطعام، أو أنواع جيدة من الطعام، وهذا هو السبب الذي جعل جون تارنت، أحد خبراء الغذاء، يكتب قائلاً: يستمر سوء التغذية والمجاعة في وضعهما الثابت دونما تغيير في حالتي الوفرة والشح للغذاء في العالم.
إن المشكلة، إذًا، ليست مشكلة تقنية فنية في زيادة إنتاج الغذاء، ولكن التطور الاجتماعي والاقتصادي في الدول النامية، هو -بتوفيق الله- الذي سيمكن السكان من شراء الغذاء، ومن ثَمَّ مواجهة ظاهرة الجوع، ومعالجة آثارها المختلفة.
إنّ إحدى أكثر المشكلات الجوهرية التي يجابهها العديد من الأمم النامية الأقل تطوّرًا هي كيفية إنهاء مشكلة الجوع على أراضيها، والفقر الواسع الانتشار في الريف والمدينة يعني أن أُناسًا كثيرين لا يستطيعون شراء الغذاء الموجود في الأسواق.
فإن قيل: ما كمية الغذاء الموجودة في العالم في الوقت الحاضر؟ وهل يوجد الكفاية لكل شخص؟ فإن الجواب الذي قد يفاجئ الجميع هو نعم يوجد الكفاية، هناك ما يكفي من الحنطة في العالم لكل رجل وامرأة وطفل بمعدل (3000 سُعر حراري) في اليوم، وهذا الرقم يعتبر أقل بقليل مما يُستهلَك من الشخص العادي في الدول الصناعية.
إنّ كميات الغذاء التي لم يسبق لها مثيل في العالم، والأرقام المحسنة لمستوى الفرد الواحد، لا تعني بالضرورة أنّ كل شخص قد حصل على غذاءٍ كافٍ.
فلا أحد يعلم بالتأكيد مدى انتشار الجوع في هذه الأيام؛ حيث تتراوح التقديرات ما بين 450 مليون جائع إلى مليار.
فإن قيل: مَنْ هم الجياع؟ وأين يعيشون؟! فإن الجواب حسب تقديرات البنك الدولي، هو أنّ 80% هم من النساء والأطفال، ويعتبر سوء التغذية قاسمًا مشتركًا بين الفقراء في العديد من الدول النامية، ويعيش معظم هؤلاء الناس في قرى صغيرة، ويتناول الرجال طعامًا أفضل من غيرهم من أفراد الأسرة؛ لأنهم يحصلون على الغذاء بأنفسهم.
إنّ إنتاج الغذاء في أيامنا هذه يكفي سكان العالم جميعًا، ولكن -ومع كل ذلك- فهناك ما يقارب رُبع سكان العالم يعانون من سوء التغذية.
من المعلوم أنه ليس للإنسان سوى فم واحد، ومعدة واحدة، وأمعاء واحدة، وإن استهلاكه الطاقة محدود؛ لأن ليس له سوى جسد واحد، ودماغ واحد، وفكرة واحدة، وهذا يحدد إمكانية إشباع حاجات الإنسان الغذائية، فإلى مزيدٍ من الرخاء، ولندفع سويًّا آلام الجوع.
أيكون الرخاء قدر الغد؟ أم أن البشر -وقد تكاثروا تكاثرًا مفرطًا- سيهلكون جوعًا؟ وهل تكون البطالة والعمل على طريقة السلاسل نتائج حتمية للتطور التقني؟ وهل سيشهد العالم تزايد بروز المتناقضات الراهنة بين البلاد الغنية والبلاد الفقيرة؟ أو أن التطور والتقدُّم سيسهمان في حل المتناقضات وفي القضاء على الألم، وفي رفع مستوى حياة البشر، وفي اختصار مدة فترة العمل، وفي إنتاج المواد الاستهلاكية، والتجهيزات الضرورية لردم الهوة التي اتسعت بين الشعوب؟
تلك هي بعض التساؤلات التي يطرحها الناس على أنفسهم خلال القرن الحادي والعشرين.
إنّ الجدل القائم حول قضية «الجوع في العالم» يدل على تباين الآراء وعلى عدم اطمئنان معاصرينا إلى جدوى التقدم التقني.
إنّ بعض الاقتصاديين وهم دعاة التشاؤم يعتبرون أن العالم قد ولج عصر تكاثف سكاني مفرط.
أما دُعاة التفاؤل فيسلمون بواقع التضخم السكاني الحالي، بيْدَ أنهم يعتقدون أن هذا التضخم سائر في طريق التوقف، كما قيل: «مائدة الفقير جديبة، أما سريره فخصب»؛ أي: إذا كانت الشعوب كثيرة النسل، فما ذلك إلا لأنها فقيرة، فبمقدار ما تزداد غنى يقلّ نسلها.
ويخطئ مَن يقول: إن الأرض محدودة، وإن عدد الهكتارات الصالحة للزراعة لا يمكن زيادته، وإنه ليس في مقدورنا أن نستنتج من كل هكتار سوى كمية محدودة من المواد الغذائية، فالعلم يفتح فعلاً في هذا المضمار آفاقًا جديدة.
يذكر بعض الاقتصاديين أنه إذا كان من الصعب فصل الجوع عن الفقر، فماذا بوسع الآخرين القيام به لمعالجة المشكلات الأساسية المتعلقة بمستويات الدخل وتوزيع الدخل؟!
إن أي تصدٍّ حقيقي للجوع ينبغي أن يتناول مجموعة واسعة من السياسات التي تؤثر في المجموعات المعرضة للأخطار ضمن الأُسَر الفقيرة، كما ينبغي أن يتمَّ ذلك ضمن إطار اقتصاد غذائي عالمي، تحققت في مكوناته الدينامية تغييرات مهمة.
فعلى الرغم من الدراسات المكثفة عن الجوع في العالم، فمن المدهش حقًّا أنه لا تزال توجد آراء متباينة حول عدد الناس الذين يعانون من نقص معتدل إلى حاد في سعرات البروتينات.
إذ يستنتج إيبرشتات أن الجوع يؤثر في حوالي 200 مليون شخص، بينما يستنتج برويتلنغر، وسيلوسكي أن العدد يبلغ أكثر من مليار شخص في العالم، ويشير بولمان في هذا الصدد إلى أن عدد المصابين بسوء التغذية يحتمل أن يقل عن 500 مليون شخص.
وترجع هذه الاختلافات في الآراء إلى أسباب عديدة، منها:
الحجم الحقيقي للمتطلبات اليومية لمختلف المواد المغذية، وتحديد العلاقات بين الدخل والاستهلاك والتغذية، ومدى تعويض التكيفات السلوكية، ومدى تفاعل المرض والغذاء الذي يتناوله الشخص للتسبب في سوء التغذية.
لقد استنتجت اللجنة الرئاسية عن الجوع في العالم أن ما يتراوح بين 500 مليون ومليار شخص يعانون من نقص حاد في سعرات البروتينات بشكل يكفي لأن يشكل مشكلة صعبة للسياسة العامة.
يقول والثرب فالكن في كتاب «التنمية الزراعية في العالم الثالث»: من بين حوالي 750 مليون شخص يُعتقد أنهم يعانون من سوء التغذية المعتدل أو الحاد، يعيش نحو الثلثين في آسيا.
والواقع أنه على أساس عالمي يتركز حوالي 70% من مجموع الجوع في 9 مناطق، هي: الهند، وباكستان، وبنغلاديش، وإندونيسيا، والفلبين، وكمبوديا، وزائير، وإثيوبيا، والبرازيل.
إن أي مقترحات داخلية أو دولية تستهدف إنهاء الجوع في العالم عليها أن تهتمَّ بشكل أساس بتلك الدول.
وبغض النظر عن المجموع الدقيق للأفراد المتأثرين بالجوع، هناك مجموعات خاصة ضمن السكان يكون انتشار نقص سعرات البروتينات فيها على أشده، ويمثل الأطفال حديثو الولادة من السنة الأولى إلى الرابعة أخطر المشكلات.
إن النساء الحوامل والمرضعات أيضًا يحتمل أن يتعرضن للأخطار؛ لأن الضغوط الإضافية للحمل تُعرِّض هذه المجموعات إلى أخطار كبيرة فيما يتعلق بالتغذية، إن المشكلة الرئيسة المتعلقة بنقص سعرات البروتينات هي مجرد الحصول على سعرات كافية.
والبعد المزمن للجوع عنصر مهم للجوع العالمي؛ إذ إن شبح المجاعات بسبب الحروب أو الجفاف معروف جيدًا، وللأسف فإن سُدس سكان العالم يعانون من سوء التغذية المعتدل بشكل مستمر.
إن الفقر عنصر مهم وسبب رئيس للجوع في العالم؛ فالسبب الغالب لجوع الناس هو ليس أنهم جهلة أو غير متعلمين، بل لأنهم فقراء.
يقول جان فوراستيه في كتابة «تاريخ الغد»: هل تكون أمة على كوكبنا في حالة رخاء عام 2000، أعني أمة تعطي «كل فرد وفق احتياجه»؟ إنّ المعضلة دقيقة الحل؛ لأن غاية التقدم التقني أن يحوّل إلى حيز الإمكان، ما لم يكن كذلك بالأمس والتقدم العلمي غير متوقع في قسم كبير منه، فمن كان باستطاعته أن يتوقع منذ سنين مجال التطبيق العملي للأبحاث النووية؟
يقول كلود فيمون: يظهر لدى فحص التطور الاقتصادي في البلدان الغنية أن الناس في هذه البلدان لا يفتؤون يكتشفون تقنيات جديدة تسهم في تزايد تحريرهم من البؤس.
إنّ التقدم التقني الذي وضع موضع التطبيق خلال السنين الماضية يزيد كثيرًا إمكانات الإنتاج، وبالتالي يزيد طاقات الاستهلاك ليس فقط في القطاعات التي يلعب فيها التقدم التقني دورًا عظيمًا، بل كذلك في القطاعات التي لم يبلغها التقدم.
والتسابق غير المتناهي نحو استهلاك متزايد يمنح الاقتصاد المعاصر قوة تحمل أكبر، وأن قسمًا من هذه الحاجات توحي به للناس الصحافة والدعاية والخبرة الكاذبة.
إنّ العلوم الإنسانية ما زالت أشد ضرورة من العلوم الطبيعية للتقدم البشري، فمن الضروري إذًا الاحتفاظ بزيادة شروط الازدهار، فعلى هذا القرن أن يكون قرن العلوم الإنسانية، كما كان القرن الماضي عصر العلوم الطبيعية.
____________________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.