ما علاقتك بالقرآن؟ وبم وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة؟ وما دلالة وصفه؟
اسمع الجواب حاضراً في 3 أحاديث نبوية، وأصغ بقلبك لا بأذنك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، يا رب ارض عنه، فيرضى الله عنه».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».
إن القرآن صاحب، ونعم الصاحب، ومعنى الصاحب: من لا تفارقه ولا تهجره ولا تغضبه، وصاحبك: يبثك أسراره، شأن الصاحب الذي تطول صحبته، وتحسن به علاقتك وتصفو مودته، وصاحبك تأنس به وتفرح بقربه وتسعد بحضوره، فهذه حالك مع القرآن، هكذا ينبغي أن تكون.
وإن كان الأمر كذلك فما آداب هذه الصحبة؟
1- السواك:
تطهير الفم تعظيماً للقرآن، وتقديساً له، قد جاء في الحديث أن «فطيبوا أفواهكم بالسواك»، لذا كان أول ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من نومه أن يستاك، بل كان يستاك كلما تقلب في فراشه بالليل، لأنه كان إذا تقلب ذكر الله، فهلا حافظت على هذه السُّنة يا حامل القرآن.
2- التعوذ والبسملة:
ابدأ قراءتك باستعاذتك، ومرر معانيها على قلبك؛ أنا أتحصن وألتجئ إلى ركن شديد احتماء من الشيطان، الذي يتربص بي حتى لا أنتفع بالقرآن، وهو خير الكلام، وحتى لا أستفيد من القرآن في التغير نحو الأفضل، فيكون القرآن حجة عليَّ بدلاً من أن يكون لي.
قال الإمام النووي: فلو مر على قوم فسلم عليهم، وعاد إلى القرآن، فإن أعاد التعوذ كان حسناً.
وبعد التعوذ، البسملة، ولو كان من وسط السورة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمر لا يبدأ فيه باسم الله فهو أجذم».
3- الجهر بالقرآن والإسرار به:
يقول القرآن: هذه علاقتك بي إعلان أمام الناس بالجهر، وتمتد علاقتنا في الخفاء ومن وراء الأبواب بالإسرار بقراءتي،
فحبك لي ملك عليك كل حالاتك، ففي الحديث: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة»، لكن متى هذا الجهر؟ ومتى هذا الإسرار؟ قال الإمام النووي: والجمع بينهما؛ أن الإخفاء أفضل إن خاف الرياء، أو تأذى مصلون أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد النشاط، ورأى بعضهم أن التقلب بين الجهر والإسرار علاج فعال للملل والفتور، فقال: يستحب الجهر بعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكَل فيستريح بالإسرار.
4- القراءة من المصحف:
القراءة من المصحف أفضل من القراءة من الحفظ؛ لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة مرغوب فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف».
قال الإمام النووي: وهكذا قال أصحابنا والسلف أيضاً، ولم أر فيه خلافاً، ثم فصّل الإمام النووي تفصيلاً لطيفاً فقال: ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة فيه (أي المصحف) من استوى خشوعه وتدبره في حالة القراءة فيه ومن الحفظ، ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمُل بذلك، خشوعه، ويختار القراءة من المصحف إذا كان يزيد خشوعه وتدبره، لو قرأ من المصحف لكان هذا قولاً حسناً، وهذا من عظيم فقه الإمام النووي رحمه الله.
5- في كم يُختم القرآن؟
نص الإمام أحمد على أنه يكره التأخير في ختم القرآن عن أكثر من أربعين يوماً بلا عذر، لأن عبدالله بن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم تختم القرآن؟ فقال: «في أربعين يوماً» (رواه أبو داود)، وقال النبي لعبدالله بن عمر: «اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك».
كما كان عبدالله بن مسعود، وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت يختمونه في كل أسبوع مرة، لكن.. هل الأمر مطلق بالختم في هذا العدد من الأيام أم يختلف باختلاف الأشخاص؟ أجاب الإمام النووي عن هذا السؤال في «الأذكار» فقال: «المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن يظهر له بدقائق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذلك من كان مشغولاً بنشر العلم أو فعل الحكومات أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصَد له ولا فواتٌ لكماله».
6- تعاهد القرآن كي لا يتفلت منك:
وهذا امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عُقُلِها»، فلا بد لحافظ القرآن من ورد مراجعة لما حفظ وإلا تفلّت منه تفلّت الإبل إذا أطلقها صاحبها من عقالها.
7- تحسين الصوت بالتلاوة:
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي لبابة بن المنذر: «من لم يتغنَّ بالقُرآن فليس منا»، والتغني: تحسين الصوت بالتلاوة.
ومنه قول أبي موسى الأشعري لمّا سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقرآ القرآن: «لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً»؛ أي لزدت في تحسين صوتي وتجويد تلاوتي لما علمت من سماعك لقراءتي، فما حال من يعلم أن الله جل جلاله يسمع قراءته؟! كيف يكون تحبيره للقرآن وتحسين صوته بالتلاوة؟!
8- أن يكون على طهارة ما استطاع:
لأن القرآن أفضل الأذكار، فيقرأ على أفضل الأحوال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر، قال إمام الحرمين: ولا تكره القراءة للمحدث لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ مع الحدث، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله.
وقال الحافظ تعليقاً على هذا الحديث ومدللاً على قراءة الجنب والحائض للقرآن: لم يصح عند المصنف -يعني البخاري- من الأحاديث الواردة في ذلك؛ أي في منع الجنب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرَها قابل للتأويل.
ويحرم على الجنب والحائض مس المصحف عند سائر الأئمة، قال الشيخ سيد سابق في «فقه السُّنة»: لا مانع من مس ما اشتملت عليه من آيات من القرآن كالرسائل وكتب التفسير والفقه وغيرها، فإن هذه لا تسمى مصحفاً، ولا تثبت له حرمته.
9- تحري الزمان والمكان المناسبين:
فلا يقرآ القرآن وسط صخب وضجيج، أو أمام الشاشات أو وسط أماكن الفجور والعصيان.
10- القراءة بأحكام التجويد:
وقراءة القرآن بأحكام التجويد فرض عين على كل من يقرأ القرآن، كما قال ابن الجوزي:
والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجوِّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا