إن منهج الرسول ﷺ في الدعوة الإسلامية منهج متكامل في الحكمة والرفق والقدوة الحسنة، وقد أرشده القرآن إلى أساليب الدعوة بقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، وقوله تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159)، فكان ﷺ يستعمل في بعض الحالات أسلوباً من الرفق لا يجارى.
ومن أساليبه ﷺ التدرج بالبدء بالأهم ثم المهم وهكذا، ففي صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وقال له: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة».
كما له ﷺ شأن عظيم مع العبادة، ومواصلة القلب بالله عز وجل، فهو لا يدع وقتاً يمر دون ذكر الله عز وجل وحمده وشكره، وقد كانت حياته كلها عبادة لله سبحانه، خاطبه ربه بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ {1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً {2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً {3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل)، فاستجاب لربه فقام حتى تفطرت قدماه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه، فيقال له: يا رسول الله، تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً».
وكان يطيل صلاته بالليل ويناجي ربه ويدعوه ويستعين بهذا الورد الليلي في القيام بأعباء الدعوة وأمور الأمة، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي ﷺ ليلة فافتتح «البقرة» فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح «النساء» فقرأها ثم افتتح «آل عمران» فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى قريباً من قيامه» (رواه مسلم 1/ 536).
والإمام القدوة صلى الله عليه وسلم كان وقته عامراً بالطاعة والعبادة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه» (رواه مسلم)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: «رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم» (رواه أبو داود، وكذا عن ابن عمر في الترمذي).
قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (رواه البخاري)، وتقول أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء الرسول إذا كان عندها: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي).
إن الدرس الذي نستفيده من عبادة رسول الله ﷺ هو أن العبادة هي الزاد الحقيقي الذي يحتاج إليه العبد في سيره إلى الله تعالى، والعبادة هي الطريق إلى ولاية الله للعبد الذي بموجبها يكون في حفظ الله ورعايته ويكون في أمان من أعدائه، ففي الحديث: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بأحب مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه»، وفي الحديث: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك».