أعلنت الحكومة الهندية مؤخرًا عن تعديلات مقترحة على قانون الأوقاف لعام 1995م، الذي يُعنى بإدارة الأصول الدينية والخيرية للمسلمين، مثل المساجد والمدارس والأضرحة، ولم يتم تمرير هذا القانون حتى الآن، وإنما تم إرساله إلى اللجنة البرلمانية.
وشهد الاجتماع الأول للجنة البرلمانية المشتركة (JPC) حول مشروع قانون الوقف (التعديل)، الخميس 22 أغسطس 2024م، تبادلات حادة بين الحين والآخر حيث تمسكت الأحزاب المعارضة التي عارضت مشروع القانون في مجلس النواب مؤخراً بمواقفها واستفسرت عن عدة أحكام مقترحة في المشروع، ووصف رئيس اللجنة جاغدامبيكا بال الاجتماع بأنه مثمر.
تاريخ الأوقاف في الهند
تعود جذور نظام الوقف في الهند إلى فترة الحكم الإسلامي، حيث قام حكام مثل فيروز شاه تغلق بوقف الأراضي لخدمة المجتمع، واستمر هذا النظام تحت رعاية حكام مثل شير شاه سوري، والإمبراطور المغولي أورنكزيب، الذين خصصوا أراضي لخدمة الأغراض الدينية والخيرية، ومع دخول الاستعمار البريطاني، تعرضت الأوقاف لاستغلال غير قانوني، حيث تم إغلاق العديد من المدارس الإسلامية والاستيلاء على الأصول الوقفية، أدى هذا الاستغلال إلى احتجاجات واسعة من المسلمين؛ ما دفع إلى إصدار أول قانون لحماية الأوقاف في عام 1923م.
بعد ذلك، شهدت الهند عدة تعديلات على قانون الوقف، ففي عام 1954م تم تمرير قانون الوقف لأول مرة من قبل البرلمان، ومع مرور الزمن، تم إلغاء هذا القانون واعتماد قانون أوقاف جديد في عام 1995م، الذي منح مجالس الأوقاف مزيدًا من الصلاحيات لتعزيز دورها في حماية الممتلكات الوقفية، وفي عام 2013م أُجريت تعديلات إضافية على القانون؛ ما أعطى مجلس الأوقاف سلطة تسمية الممتلكات التي يوقفها الناس كممتلكات وقفية، ومنذ ذلك الحين، أصبح من المعروف أن الممتلكات التي تُوقف تصبح دائمًا جزءًا من ممتلكات مجلس الأوقاف.
بحسب الأرقام الحكومية، فإن مجلس الأوقاف في الهند يمتلك أكثر من 872 ألف فدان من الأراضي؛ ما يجعله ثالث أكبر مالك للأراضي في الهند بعد السكك الحديدية ووزارة الدفاع، ويوجد في الهند 32 مجلس أوقاف موزعة عبر مختلف الولايات، بما في ذلك مجالس خاصة بالشيعة والسُّنة.
لكن على الرغم من هذا الكم الكبير من الممتلكات، يعاني مجلس الأوقاف من ضعف في تحقيق الإيرادات، حيث يُحقق دخلًا يبلغ حوالي 200 كرور روبية فقط سنويًا، هذا الأمر أثار انتقادات واسعة من قبل المنظمات المسلمة، التي طالبت بضرورة تحسين الشفافية في إدارة الأوقاف وزيادة الكفاءة في استثمار هذه الأصول لخدمة المجتمع.
التعديلات المقترحة وأثرها
القانون الجديد لعام 2024م، الذي تسعى الحكومة إلى تمريره، يثير الكثير من المخاوف، ويمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية الأوقاف الإسلامية في الهند ويعرضها لاستغلال الحكومات؛ ما قد يؤدي إلى تقليص عدد الأوقاف وفقدان المسلمين لأملاكهم الموقوفة، هذا القانون يؤثر بشكل مباشر على المجتمع المسلم، ويعكس نية الحكومة في تقويض دور الأوقاف دون مراعاة للمبادئ الإسلامية أو استشارة الجهات المعنية.
أهم التعديلات
– إدخال أعضاء غير مسلمين في مجالس الوقف: أحد أبرز التعديلات التي تعتبر انتهاكًا لخصوصية الوقف الإسلامي هو السماح لأعضاء غير مسلمين بتولي مناصب قيادية في مجالس الأوقاف، هذا التعديل يثير مخاوف بشأن الحفاظ على الطابع الديني للأوقاف.
– سيطرة الحكومة على استخدام الأوقاف: بموجب القانون الجديد، ستكون الحكومة هي الجهة التي تقرر كيفية استخدام الأراضي الموقوفة، هذا يتعارض مع المبادئ الشرعية التي تنص على احترام شروط الواقفين، وهو ما يعتبر تعديًا واضحًا على حرية التصرف في الوقف وفقًا للشريعة.
– شروط جديدة على من يستطيع الوقف: يفرض القانون الجديد شروطًا على من يستطيع الوقف، بما في ذلك شرط مرور 5 سنوات على إسلام الشخص قبل أن يُسمح له بالوقف، هذا الشرط يتعارض مع حرية ممارسة العبادة ويضع قيودًا غير مبررة على المسلمين الجدد.
– اشتراط التسجيل الرسمي للوقف: ينص القانون الجديد على أن الأراضي غير المسجلة رسميًا لن تُعتبر وقفًا، هذا الشرط يهدد بفقدان الكثير من الأوقاف التاريخية التي قد لا تكون مسجلة رسميًا ولكنها كانت تعتبر وقفًا من الناحية الشرعية لقرون.
– تقييد الوقف إلى الثلث: القانون يقيد الأفراد الذين يرغبون في وقف جميع ممتلكاتهم بالسماح لهم بوقف ثلثها فقط، هذا التقييد يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي تمنح الفرد الحق في التصرف في ممتلكاته كما يشاء، بما في ذلك وقفها كاملة إذا رغب في ذلك.
– نقل سلطة النزاع إلى الحكومة: سيتم نقل الفصل في نزاعات الوقف من المحاكم إلى السلطات المحلية، هذا التعديل يثير مخاوف من إمكانية استغلال هذه السلطة من قبل الجهات الحكومية، مما يفتح الباب أمام التلاعب بالممتلكات الوقفية.
تأثير القانون على المجتمع المسلم
يُنظر إلى القانون الجديد باعتباره محاولة من الحكومة للسيطرة على الأوقاف وتقليص دورها في خدمة المجتمع المسلم، هذه التعديلات تهدد بفقدان المسلمين لأملاكهم الموقوفة وتعرض الأجيال القادمة لخسائر كبيرة، كما أن تجاهل الحكومة لاستشارة الجهات الإسلامية عند وضع هذه التعديلات يعكس تجاهلًا متعمدًا للمجتمع المسلم وحقوقه في إدارة أوقافه.
ردود الفعل من المجتمع الإسلامي
أثار مشروع القانون المقترح موجة من الاعتراضات بين المسلمين والمنظمات الإسلامية، فقد اعتبرت «مجلس المشاورة الإسلامية لعموم الهند» أن التعديلات المقترحة تتعارض مع المبادئ العلمانية للهند، وتُمثل إهانة لمشاعر المسلمين، كما عبرت «هيئة قانون الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند» عن رفضها لهذه التعديلات، مشددة على أنها لن تتسامح مع أي تغيير يُهدد حقوق مجلس الأوقاف.
في هذا السياق، أشار قادة المسلمين إلى أن الحكومة تسعى لسلب استقلالية مجلس الأوقاف والتدخل في شؤونه؛ ما يعكس نية غير سليمة تجاه المسلمين، كما عبروا عن قلقهم من أن التعديلات ستُسهل استيلاء الحكومة أو جهات أخرى على الممتلكات الوقفية؛ ما يُعد تعديًا واضحًا على حقوق المسلمين.
التحركات الإسلامية لمواجهة التعديلات
ردًا على هذه التعديلات، دعا زعماء وقادة المجتمع الإسلامي الحكومة إلى سحب المشروع وإجراء مشاورات موسعة مع القيادات الدينية والمؤسسات الإسلامية، كما دعوا الأحزاب السياسية وجميع المواطنين إلى التضامن لحماية حقوق المسلمين ومنع تمرير هذه التعديلات.
في بيان صحفي، أعرب د. سيد قاسم رسول إلياس، المتحدث باسم هيئة قانون الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند، عن قلقه بشأن تعديل قانون الأوقاف لعام 2013م، وأكد أن الحكومة الهندية تعتزم إدخال حوالي 40 تعديلًا على القانون بهدف تغيير طبيعة الممتلكات الوقفية، مما يسهل الاستيلاء عليها، كما أوضح أن الحكومة قد تعرض هذا المشروع على البرلمان الأسبوع المقبل.
وأشار إلياس إلى أن هذا التعديل يتعارض مع حماية الممتلكات الوقفية بموجب الدستور الهندي وقانون تطبيق الشريعة لعام 1937م، واعتبر أن هذه الممتلكات هي هدايا من المسلمين للأغراض الدينية والخيرية وليست ملكًا للحكومة، وتابع بأن الحكومة لم تقدم أي فائدة للمسلمين، بل سلبت حقوقهم من إلغاء منح الأقليات مولانا آزاد.
كما انتقد الشيخ خالد سيف الله الرحماني، رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند، القانون الجديد، مشيرًا إلى أنه إذا لم يتم الاعتراف بمبدأ «الوقف بالاستخدام»، فإن جميع الأوقاف ستكون في خطر، واستشهد بالأمثلة على أماكن دينية مختلفة، وأوضح أن القانون الجديد يضع عددًا كبيرًا من الأعضاء غير المسلمين في مجالس الأوقاف ويمنح المُحافِظ السلطة الكاملة.
وصرح الشيخ أرشد المدني، رئيس جمعية علماء الهند، أن الحكومة تتخذ قرارات معادية للمسلمين عمداً، وأنها تسعى لنشر الكراهية بين الهندوس والمسلمين لأغراض انتخابية، وأكد أن الحقوق الدينية التي يكفلها الدستور لا يجب انتزاعها، وأن التعديلات المقترحة تتعارض مع مبادئ الدستور.
وأضاف أن الممتلكات الوقفية هي ملك لله تعالى، ويجب أن تظل تحت إشراف مجلس الأوقاف مع الحفاظ على تمثيل العلماء المسلمين، ودعا الحكومة لسحب التعديلات وإجراء مشاورات مفصلة مع الأطراف المعنية، كما دعا جميع المواطنين والأحزاب السياسية للتضامن ضد هذه التعديلات لحماية الحقوق الدينية والحريات.
وأعرب الشيخ محمود أسعد مدني عن قلقه من أن التعديلات المقترحة تعطي السلطات الحكومية فرصة للتدخل غير الضروري في شؤون الأوقاف، مما يهدد الوضع الأصلي للأوقاف ويعتبر إلغاء لمجلس الأوقاف.