يعد الاعتذار من خلق الأنبياء، وفطرة الصالحين، وهو سلوك نبيل يأتي بالخير للمجتمع، فقد جعله الله تعالى من صفات المتقين، واعتبره الحكماء من شيم الكبار، وعده العلماء والأطباء من سمات النفس السوية، ورأى فيه الناس سماحة وتواضعاً، فلمَ لا نعتذر، ونعلم أولادنا ثقافة الاعتذار؟
يسطر القرآن الكريم رد فعل موسى عليه السلام لما وكز الرجل وقتله، فلم يبرر فعلته، بل اعترف بظلمه لنفسه، قائلاً: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ {15} قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص).
وأرد الذكر الحكيم، كيف اعترفت بلقيس بذنبها فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: 44).
وفي السُّنة النبوية، ترسيخ لثقافة الاعتذار، في الحديث النبوي: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (حديث صحيح).
تفيد دراسات الصحة النفسية أن الإنسان يصدر عنه 315 شكلاً من أشكال الحيل الدفاعية، أكثرها شيوعاً التبرير، وهي حيلة نفسية لتبرئة النفس وتنزيهها عن الخطأ، ظناً من الإنسان المخطئ أن الاعتذار يقلل من شأنه، بينما هو يرفع من قدره وقيمته.
وقد يكابر المرء، ويرفض الاعتذار المرة تلو الأخرى، حتى تتضخم ذاته، فيكثر وقوعه في الأخطاء، ويصبح منبوذاً في مجتمعه، باعتباره متكبراً مغروراً، فيفقد أقرب الناس إليه.
وفي حال اعتذار تلك الشخصية، فإن اعتذاره، وفق تصنيفات الخبراء، قد يكون اعتذاراً شكلياً، أو كنوع من المجاملة، بهدف رفع العتب عن نفسه، وهو اعتذار غير صادق، أو اعتذار يصاحبه جدل من شخص لا يعترف بالخطأ، وهناك اعتذار المكره؛ تجنباً لخسارة ما أو تحت ضغوط من أحد، وهي كذلك اعتذارات غير صادقة وغير واضحة.
أما أفضل أنواع الاعتذار، فهو الاعتذار السريع الذي يتم تقديمه فور حدوث الخطأ، والاعتذار الصريح الذي لا لبس فيه، والاعتذار العام أمام الناس.
وفي محيط الأسرة، تجدر الإشارة إلى أهمية غرس تلك الثقافة في نفوس الصغار، حتى يدرك الطفل أنه بشر، وأن الاعتذار يعني تصحيح الخطأ، فتتعزز ثقته في نفسه، يراجعها ويقومها من آن إلى آخر.
في المجتمعات المتقدمة، بات الاعتذار من سلوك الساسة والمشاهير، حتى إن تقديم الاعتذار من شأنه تخفيف العقوبة في بعض الجرائم، بل إن الاعتذار كفيل بحل الكثير من الخلافات الاجتماعية والمشكلات الأسرية بين الزوجين.
ومن أجل ترسيخ هذا الخلق الكريم لدى الأبناء، ينصح خبراء التربية، بالآتي:
أولاً: عدم تبرير الخطأ، وتقديم المبررات الواهية، وإلقاء المسؤولية على الآخرين للتهرب من تحمل أعباء وكلفة ذلك الخطأ.
ثانياً: سرعة تقديم الاعتذار تنهي الخلاف سريعاً، بينما التباطؤ في ذلك يزيد المشكلة، ويعمق الكراهية في نفس من أخطأت في حقه.
ثالثاً: عدم التلاعب بالكلمات، وتقديم الاعتذار بشكل واضح وصريح.
رابعاً: اختيار الوقت والمكان المناسبين للاعتذار.
خامساً: الاعتذار أمام الملأ إذا كان الخطأ على مرأى من الجميع.
سادساً: من الممكن إرفاق الاعتذار بهدية، أو قبلة على الرأس.
وتعد أفضل وسيلة لترسيخ ثقافة الاعتذار في نفوس الصغار، أن يبدأ الكبار بذلك، فمن الحكمة أن يعتذر الأب أو الأم أمام الأولاد، إذا وقع أي منهما في خطأ، بل إن الوالدين إذا أخطأ أي منهما في حق أبنائهما، فمن الواجب أن يبادرا بالاعتذار، فهذا أفضل أسلوب لتعزيز ذلك الخلق لديهم، الذي يرادف التواضع.
علينا كمربين؛ أباً أو أماً، أن نعلم أبناءنا ثقافة الاعتذار عن الخطأ، كذلك أن نعلمهم ونربيهم على قبول الاعتذار من باب التسامح والعفو، الأمر الذي يحفظ روابط المودة والأخوة، ويقوي من تماسك الأسر والمجتمعات.