قال المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز «ريكونسنس» للبحوث والدراسات في الكويت عبدالعزيز العنجري: إن عالم ما بعد عام 2023م يختلف تمامًا عما قبله، مشيرًا إلى إدانات دولية غير مسبوقة ضد الاحتلال الصهيوني وتغير جذري في وعي الشعوب، مقابل عجز الأنظمة العربية التي انشغلت بتحالفات جديدة.
وأوضح العنجري أن تحولات كبرى برزت لصالح القضية الفلسطينية بعد عام 2023م، منها:
1- بداية التغير في مواقف العالم:
وأوضح العنجري، عبر سلسلة تغريدات عبر حسابه على منصة «إكس»، أن التحولات الأخيرة في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية تُعد غير مسبوقة.
وقال: الإدانات لم تعد مجرد عبارات شجب، بل تطورت إلى خطوات قانونية، كتصنيف محكمة العدل الدولية «إسرائيل» كدولة فصل عنصري، واتهام الأمم المتحدة لها بارتكاب إبادة جماعية، إضافة إلى مذكرات اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة «إسرائيليين».
2- اعتراف تاريخي بجرائم الاحتلال:
وأشار العنجري إلى أن هذه الإدانات الدولية تمثل تطورًا غير مسبوق منذ اجتماع كل من رينيه كاسان، وإليانور روزفلت، وأعضاء لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 1949م لوضع الأسس القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ استجابة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين والنزاعات الناتجة عن الحرب العربية «الإسرائيلية».
وأضاف أن هذه التطورات تعكس تحولًا جذريًا في موقف المجتمع الدولي وسقوط الرواية الصهيونية أمام العالم، وتمثل نقطة فاصلة في فضح سياسات الاحتلال وتعزيز الضغط لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
3- الأنظمة العربية في موقف العجز:
وانتقد العنجري موقف الأنظمة العربية، واصفًا إياه بـ«العجز»، وقال: إن الشعوب العربية لا تزال متمسكة بهويتها وواجبها الأخلاقي تجاه فلسطين، في وقت تخلت فيه بعض الأنظمة عن هذا الالتزام إما بحثًا عن تحالفات جديدة أو بسبب إنهاكها بالأزمات الداخلية.
وقال: هذا الواقع يتطلب إدراكًا جديدًا، لم يعد عالمنا العربي هو العالم الذي كنا نظنه قادرًا على حمل راية قضايانا الكبرى.
وأضاف أنه في الوقت الذي لا تزال فيه الشعوب العربية تتمسك بتاريخها في نصرة القضية الفلسطينية ومعاداة الاحتلال «الإسرائيلي» كتمسك الأرض بجبالها، باعتباره جزءًا من هويتها وواجبها الأخلاقي، نجد أن عددًا كبيرًا من الأنظمة العربية قد تخلت عن هذا الالتزام.
وأشار إلى أن بعض هذه الأنظمة تبحث عن تحالفات سياسية واقتصادية جديدة، بينما أرهقت الحروب والصراعات البعض الآخر.
وأوضح أن هذه الفجوة المتزايدة بين التزام الشعوب وتمسكها بقضايا الأمة، وعجز الأنظمة وانشغالها بأزماتها، تثير موجات من الغضب والاحتجاج الشعبي الذي يظهر بأشكال مختلفة.
4- الرهان الحقيقي على الشعوب الحرة:
وأكد المحلل الكويتي أن الرهان الحقيقي اليوم هو على الشعوب الحرة في الدول الديمقراطية، التي تمتلك القدرة على التأثير في حكوماتها عبر التصويت.
وأوضح أنه رغم التعتيم المشدد من وسائل الإعلام الغربية، والتضييق من الحكومات على مظاهر دعم فلسطين، والتغاضي عن السياسات «الإسرائيلية» المتغطرسة، يقف ملايين الأفراد في العالم الحر إلى جانب القضية الفلسطينية.
وأضاف أن الحقيقة تظهر بوضوح أكبر يومًا بعد يوم، رغم كل محاولات التعتيم والإخفاء، وهي مدعومة بوعي شعبي يتزايد باستمرار ويكشف زيف الروايات التي تحاول تبرير جرائم الاحتلال.
وتابع، قائلاً: قد أصبح جليًا، من خطابات نتنياهو الأخيرة وأتباعه ومناصريه، أنهم بينما كانوا في الماضي ينكرون الجرائم التي يرتكبونها، تخلوا اليوم عن هذا الإنكار وأصبحوا يبررون جرائمهم تحت ذرائع واهية، لم تعد تنطلي حتى على الجهات الدولية التي كانت تغطي سوءتهم لعقود.
5- فقدان السيطرة على الرواية وتغير موازين التأثير:
كما لفت العنجري إلى فقدان الكيان الصهيوني وحلفائه السيطرة على الرواية الإعلامية، حيث لم يعد الإعلام الغربي الموالي قادرًا على إخفاء جرائم الاحتلال، بفضل منصات التواصل الاجتماعي التي تكشف الحقيقة.
وقال: حتى «إسرائيل» باتت تبرر جرائمها علنًا بدلًا من إنكارها؛ ما يعكس انكشاف روايتها أمام العالم، وما يحدث الآن يشبه ظاهرة الإفراط في استخدام المضاد الحيوي، حيث فقدت أدواتها التقليدية تأثيرها بفعل تكرار استخدامها.
وأشار إلى أنه رغم امتلاك الولايات المتحدة حق «الفيتو» في الأمم المتحدة، فإنها لا تملك القدرة على منع سقوط حليف لها من رئاسة حكومة في دولة أوروبية داعمة لـ«إسرائيل».
وأوضح أن العالم تغير، وأصبح التدخل المباشر في الانتخابات لحماية «إسرائيل» مكلفًا جدًا، ولم يعد احتكار الإعلام أو إسكات الأصوات ممكنًا مع تنامي وعي الشعوب وظهور منصات غير تقليدية تكشف الحقيقة.
6- استغلال القوانين في الدول الديمقراطية:
ودعا العنجري العرب والمسلمين إلى استثمار هذا الزخم الدولي لدعم القضية الفلسطينية عبر عمل إستراتيجي منظم.
وشدد على أهمية استخدام القوانين في الدول الديمقراطية لدعم الأنشطة المدنية المؤثرة على صناعة القرار، قائلاً: كما يستخدم اللوبي الصهيوني أدواته القانونية، علينا أن نوظف إمكانيات الديمقراطيات لصالح قضيتنا.
وأكد أن الشعارات وحدها لا تكفي، بل المطلوب هو بناء قوة مؤثرة قادرة على الضغط المستدام وتحقيق نتائج ملموسة.