إذا علمنا أن نتائج آخر تعداد للسكان في البوسنة أجري عام 1991م جاءت بعد ثلاثة أشهر فقط رغم أن التكنولوجيا آنذاك لم تبلغ مداها كما هي الحال حالياً.
وفي الهند التي تخطى عدد سكانها حاجز المليار نسمة أعلنت نتيجة تعداد السكان بعد سنة واحدة.
لكن في البوسنة ذات الملايين الأربعة التي أجري فيها تعداد للسكان قبل سنتين لأول مرة بعد ربع قرن، لم تعلن بعد عن نتيجته، ليس ذلك وحسب بل إنه من غير المعلوم متى ستعلن نتائجه.
سبب التأخر
يعود السبب البارز إلى الاختلاف بين هيئات الإحصاء حول الطريقة التي على أساسها سيتم بها تحديد عدد السكان المقيمين بصفة دائمة في البوسنة والهرسك.
فالبوسنة التي تقسم فيها الهيئات والوزارات وحتى الرئاسة على ثلاث، فإن هيئة الإحصاء لم تنجُ من هذا التقسيم، فهناك هيئة على مستوى الدولة فيها مسلمون وصرب وكروات، وهيئة في مناطق صرب البوسنة، وثالثة تجمع المسلمين والكروات البوسنيين.
بدأت المشكلة بعد الانتهاء من الإحصاء في الخامس عشر من أكتوبر 2013م؛ لأن قانون تعداد السكان لم يجب على سؤال: من هو ساكن البوسنة بصفة دائمة؟ وهو ما فتح الباب أمام عدة تفسيرات وحال دون تصويت أعضاء لجنة التعداد بالإجماع على طريقة موحدة لإحصاء البيانات وإعلان نتائجها.
صرب البوسنة عقبة حتى في التعداد
ممثلو صرب البوسنة يرون أنه قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب تحديد الأسس التي على أساسها إظهار نتائج الإحصاء فيما يتعلق بعدد أولئك الذين يدرسون أو يعملون في الخارج.
كان من المفروض إعلان نتائج الإحصاء فيما يتعلق بالزراعة والاقتصاد والتعليم الأسبوع الماضي، حسبما قاله فاضل فاتيتش، نائب مدير هيئة الإحصاء على مستوى الدولة، لكن ذلك لم يحدث.
كما تعقد الموقف أكثر بعد زيارة بيتر إيفرارس، مدير الهيئة الأوروبية للإحصاء إلى البوسنة، في منتصف شهر يونيو الماضي، وحصل من المسؤولين البوسنيين على وعد بالاتفاق حول الوسائل التي من شأنها التعجيل بإعلان نتائج الإحصاء لكنهم لم يعرفوا سبيلاً إلى الاتفاق على كلمة سواء.
ويوضح حسن زوليتش، الخبير في تعداد السكان والمدير السابق لهيئة الإحصاء في البوسنة، أن قانون التعداد وحسب المعايير الأوروبية، فإن السكان الدائمين هم الذين يقضون سنة على الأقل في محل إقامتهم قبل إجراء التعداد، أو ينوون البقاء في محل إقامتهم الجديد لمدة سنة بعد إجراء التعداد، لكن ذلك لا ينطبق على سكان البوسنة؛ لأنه منذ انتهاء الحرب فإن عدداً كبيراً منهم لا يزالون ينتقلون من مكان إلى آخر ومعظمهم من المسلمين، لكن الصرب يفسرون الإقامة بمجرد تواجد المواطن في محل إقامته؛ وهو ذلك المكان الذي يعيش فيه المواطن بالنهار أو يستريح فيه أو يزور أقاربه أو يعالج أو يتعبد فيه.
هل تفقد البوسنة 400 ألف من سكانها؟
وتلقي بعض منظمات المجتمع المدني التي راقبت الإحصاء بالمسؤولية على الأحزاب السياسية الحاكمة التي عارضت في البداية إجراء التعداد، ولم يوافقوا على إجرائه إلا بعد ضغط دولي وأوروبي، لكنهم بعد إجراء التعداد لم يحترموا قانونه ولم يعملوا على تهيئة الظروف المناسبة لإجراء تعداد ناجح؛ ولذلك تواجه البوسنة هذا الموقف حالياً، وحتى بعد إعلان النتائج إلى مدى ستكون هذه النتائج دقيقة؟
ويستنكر مسلمو البوسنة أنه لا يعقل أن يجري التعداد بالقانون الذي اتفق عليه الجميع، ثم عند إعلان النتائج يختلفون حول تفسير هذا القانون، ويحذرون من أن المعايير الجديدة التي يطالب بها صرب البوسنة قد تفقد البوسنة نحو 400 ألف من سكانها.
يذكر أن الإحصاء الذي استمر من 1 – 15 أكتوبر 2013م أوجد شبهة بين مسلمي البوسنة الذين كانوا حائرين بين الإعلان عن أنفسهم كمواطنين من البوسنة أو بوسنيين مسلمين، خاصة وأنهم الوحيدون المتمسكون بفكرة وحدة البوسنة ويرفضون تقسمها على أساس عرقي أو قومي أو ديني، حيث دفعوا ثمن أطماع صرب وكروات البوسنة في تقسيم البوسنة حرباً استمرت ثلاث سنوات ونصف سنة، فقدوا فيها نحو 100 ألف قتيل، وأكثر من مليوني لاجئ ونازح، لكنهم كانوا يأملون في أن الإحصاء سيتيح معرفة عدد سكان بلدهم وتأسيس قاعدة بيانات تساعد في تنميته.
لكن ذلك لا يزال في علم الغيب مع دخول هيئة الإحصاء في مرحلة جديدة من التسويف بين إعلان نتائج الإحصاء نهاية العام الجاري أو في بداية العام القادم.