الدور على من في “إلقائه” من عربة النظام الطائشة الباطشة؟
“النور” يتجرع مرارة الجفاء السلطوي بعد غرام غير شرعي
تباعاً، يُلقي النظام في مصر من على متن عربته الطائشة الباطشة، بكل من لم يعد له دور ممن ساندوه وعاونوه من قبل أملاً في اقتسام المغنم.
حدث ذلك عقب مذبحة “رابعة” التي أحرجت حلفاءه الملتحفين بمظهر دولي يبدو محترماً لحقوق الإنسان، وعلى رأسهم د. محمد البرادعي، ثم أطاح بحكومة الببلاوي التي ضمت من تبقى في السلطة من مدعي المدنية، ثم جيء بما يسمى بأبناء الدولة، من رجال نظام مبارك القدامى وعلى رأسهم إبراهيم محلب المتهم في قضية القصور الرئاسية، وتوالى الفشل؛ فأقيلت الحكومة.
وقبلها تمت الإطاحة بل والإهانة لرموز ناصرية تصورت أن الإطاحة بالنظام المدني في 3 يوليو 2013م ومجيء عسكريين للحكم، كما حدث في عام 1952م، هو بعث للفكر الناصري للحياة، حتى إن الكتابات الناصرية أجرت مقارنات بين عبدالناصر، وعبدالفتاح السيسي، وكيف أنهما متشابهان.
وجاءت لطمة السقوط المريع لحمدين صباحي فيما سمي بالانتخابات الرئاسية، ليحل ثالثاً في سباق ثنائي بينه وبين السيسي، حيث حصل على أعلى الأصوات بعد الأصوات الباطلة، ليتوالى سقوط الرموز الناصرية واستبعادها لصالح أسماء تنتمي لنظام مبارك.
وأخيراً؛ جاءت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي يراد لها تجميل وجه النظام الحالي في مصر، والحصول على شرعية تتيح له جلب الاستثمارات، فانتهت بلطمة قاسية لكثيرين ظنوا أنهم من المقربين، حيث أعلنت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية فوز قائمة “في حب مصر” المدعومة من النظام في دائرتي الصعيد وغرب الدلتا، وفوز 4 مرشحين من بين 2548 مترشحاً على المقاعد الفردية، وأن نسبة المشاركة بلغت 26.56%، رغم ما عاينه الجميع من معاناة اللجان من الفراغ.
انتهت الجولة الأولي من الانتخابات، ومتوقع أن الثانية ستسير على خطاها، لتجهض معها كل أثر لوهم كان البعض من شركاء 3 يوليو لا يزال يعتبره أملاً ليتقاسم المغانم مع السلطة، رغم تحذيرات العقلاء وأصحاب الرؤى والتحليل وقتها بأن العسكريين لن يقامروا بأرواحهم ليمنحوا لآخرين مكاسب جاهزة، وأنهم يتحركون لحسابات محددة ومرسومة سلفاً.
آخر الشركاء الذين جرى اغتيال أوهامهم كان حزب النور السلفي الذين صاروا فعلياً خارج اللعبة برمتها، وفوجئ النور بأن “نمنماً” أعز على السلطة من كل أعضائهم، وأن كل ما طالب به قبل أن يصبح “النمنم حلمي” وزيراً للثقافة، تحقق حرفياً، وخسر النور خسارة فادحة دفعت أباهم الروحي ياسر برهامي لأن يجأر بالشكوى قائلاً: إنه سيحاجج السيسي أمام الله يوم القيامة؛ لأنه تركهم نهباً ومشاعاً حتى سقطوا.
ودفع السقوط يونس مخيون، رئيس الحزب إلى القول: إنه سيعرض استقالته على الهيئة العليا للحزب، منتظراً أن تخرج الكوادر لتهتف بحياته: “لا تتنحَّ”، بينما سيطرح الحزب إمكانية انسحابه من الجولة الثانية للانتخابات محل المناقشة.
الجميع أتاهم اليقين، وصارت الأمور في وضوح الشمس، ولم يبقَ في ركاب السلطة إلا أبناؤها المخلصون الثقات.
سيناريو مكشوف
محمد بدران، رئيس حزب مستقبل وطن، الذي يعد من الموعودين بجزء من كعكة السلطة، قال في تصريحات صحفية: إنه لا يحب ولا أريد أن أكون فتى السيسي المدلل، ولا يحب هذا اللقب الذي أطلقته عليه وسائل الإعلام.
ويضيف: الحزب ممول من مجموعة رجال أعمال منهم أحمد أبو هشيمة، ومنصور عامر، وكامل أبو علي، وهاني أبوريدة، وبعض العائلات الكبيرة مثل الغنيمي في الإسكندرية، والمغربي في القليوبية، والقرشي في أسيوط، والأشراف في قنا، وأعلنت أكثر من مرة عن مصادر التمويل، وهؤلاء ليسوا مكلفين من قبل الدولة كما يردد البعض، فقد وضعنا معايير للممولين ألا يتدخلوا في سياسة الحزب، وهم يدعمون تجربة شبابية تريد أن تنجح فقط، وليسوا مكلفين من الدولة، وفكرة حصولنا على نسبة داخل البرلمان ويستخدمها الممولون في حماية مصالحهم انتهت.
ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، يقول: إنه على مدى 50 عاماً في العمل السياسي والحزبي وخوض الانتخابات لم يرَ «مثل هذا التعنت والانحياز لقائمة معينة؛ بهدف إفراغ الساحة لها لضعفها الشديد وعدم ثقة من اختاروها في تأييد الشعب لها»، في إشارة إلى القائمة التي تضم عدداً كبيراً من المقربين للنظام.
وأكد أن هذا الانحياز بهذا الوضوح لقائمة «في حب مصر» لم يحدث مثلاً للحزب الوطني عندما كان حزباً حاكماً من قبل اللجنة المشرفة على الانتخابات، وأهاب باللجنة العليا الالتزام بالدستور والقانون والحياد.
وقال المستشار أحمد الفضالي، رئيس تيار الاستقلال: إن البعض حاول تعطيل مسيرة تيار الاستقلال والجبهة المصرية من خلال تقديم الطعون ضد مرشحيهم.
وأضاف أن المتابع بدقة لسير العملية الانتخابية منذ فتح باب الترشح يدرك تماماً المؤامرة المدبرة لضرب قائمة «مصر» وإفساح المجال لقائمة «في حب مصر» كي لا تجد أي منافس حقيقي.
سذاجة سياسية
ويقول المستشار نور فرحات: ما حدث مع قائمة صحوة مصر هو في تقديري عمل غير سياسي من الدرجة الأولى يستحق أن يدرس في معاهد الإستراتيجية العالمية.
فالهدف: أن يأتي برلمان من الموافقين لا يزعج السلطة التنفيذية ولا يراجعها، ولا يعيد النظر في القوانين التي صدرت بالمئات عن الرئيسين المؤقت والدائم وبعضها غير دستوري، وأن يعمل هذا البرلمان على تعديل الدستور لإعادة كفة الميزان لمصلحة رئيس الجمهورية.
ويرى فرحات أن الخطة الموضوعة لاستبعاد أي معارضة اعتمدت على وضع قانون فريد لمجلس النواب يبعد الأحزاب الوليدة والضعيفة عن السياسة حتى لا تنبت لها أظفار وأنياب.
ثم جرى جمع جميع الرموز التي تشكل معارضة فاعلة ومدنية في قائمة واحدة تسمى قائمة “صحوة مصر”؛ بما يحقق هدف إبعادها عن الترشح على المقاعد الفردية، ويجب ألا يفهم من قبول المعارضين لهذا التجمع شبهة سوء نية أو تواطؤ القائمين على القائمة، بل يقصد منه أن الدولة قد فتحت لهم الباب على مصراعيه لتشكيل القائمة من الرموز الوطنية، وحاولت الدولة بعد ذلك احتوائها وجرت مقابلات بين مسؤولين كبار ومنسق القائمة لمحاولة احتوائها، ولما فشلت المحاولات جرى العصف بها.
أعقب ذلك صدور حكم قضائي في قضية يرفعها أحد المحامين، بإعادة الكشف الطبي على كافة المرشحين حتى هؤلاء الذين سبق أن أجروه؛ بعد أن كانت اللجنة القضائية ووزارة الصحة قد أعلنتا أنه لا لزوم لذلك، وترتب عليه عجز أعضاء القائمة الأصليين والاحتياطيين عن تنفيذ ذلك في مهلة الثلاثة أيام التي حددتها اللجنة؛ إلقاء عبء مالي يقدر بمئات الألوف على المعارضين الفقراء.
ثم قام منسق القائمة د. عبدالجليل مصطفى بمقابلة رئيس اللجنة القضائية وطلب منه طلبين؛ مد المهلة إلى اثني عشر يوماً مساواة بالمرشحين الجدد، ومخاطبة وزير الصحة لإعفاء من سبق لهم الكشف من رسوم الكشف الجديد.
ورغم التعاطف الظاهري من رئيس اللجنة وأمينها مع هذين المطلبين؛ فإنهما قالا بالحرف الواحد: إننا لجنة لا تستطيع أن تلزم أحداً، وإننا بلا حول أو قوة (بمراجعة قانون مجلس النواب تبين أن قرارات اللجنة ملزمة لكافة أجهزة الدولة).
ويضيف فرحات: هكذا تبينت بجلاء أبعاد الخطة الأمنية المحكمة: إلقاء قنبلة ذرية على كل الوجوه المدنية التي يمكن أن تمارس دوراً برلمانياً في الرقابة والتشريع بعد جمع كل هذه الوجوه في قفص واحد يسمى قائمة “صحوة مصر” (تم إنشاء قائمة أمنية بديلة تسمى صحوة مستقبل مصر على غرار الأرز السياحي).
ويختتم الفقيه الدستوري تعليقه بالقول ساخراً: هنيئاً للدولة ببرلمان سيتصدره عبدالرحيم علي، ومصطفى بكري، وأحمد الفضالي، وأحمد موسى.
والدرس المستفاد – من وجهة نظره – أن السذاجة في السياسة هي نوع من البراءة في الرقص مع الذئاب، معترفاً بأن قوى الثورة كانت ساذجة منذ اليوم الأول للثورة.
زلزال
المفكر القومي د. نادر فرجاني، يصف المشهد السياسي الحالي بأن الأرض تميد من تحت أقدام السلطة، معرباً عن اعتقاده بأن الخدعة انكشفت حتى فقد المبادرة والمبادأة، وعلامة ذلك أن كثيراً من تصرفات وإعلانات مؤسسة الحكم هذه الأيام تأتي كردود أفعال على انتقادات وجهت لأخطاء أو خطايا سابقة.
يساهم في خلق هذا الشعور عوامل ثلاثة:
الأول: أن قسماً متزايداً من الشعب يعاني مباشرة أو من خلال معاناة أقارب، أو جيران، أو أصدقاء من سياسة البطش الغاشم بالمعارضين، وقسماً آخر غير مجرد من الإنسانية يشعر بالسخط على استشراء الظلم ولو لم يطله مباشرة حتى الآن.
والثاني: أن قطاعاً متزايداً من الشعب قد تبين له خواء الخدع الكبرى للحكم العسكري، ولنكتفِ بجهاز الكفتة لاكتشاف وعلاج جميع الأمراض المستعصية والذي ادعى اختراعه نصاب مدان أنعمت عليه برتبة اللواء في الجيش، ومشروع توسعة تفريعة فاروق (التي حفرت أصلاً في عام 1941م) التي أقاموا الدنيا وأقعدوها للاحتفال بافتتاحها، ثم جرى التعتيم على أي أخبار عن الخدعتين.
والثالث: أنه تبين لمن يفهمون أن النظام في المال يتعاون بلا حياء مع الدولتين اللتين يعتبرهما الشعب ألد أعدائه؛ “إسرائيل” والولايات المتحدة، وفق استطلاعات الرأي الأحدث.
ويضيف: الانتخابات النيابية يمثل فيها المرشحون المستقلون الغالبية الساحقة حوالي 80%، وهذا يضعف فكرة البرلمان وفكرة تداول السلطة سلمياً، وهي جوهر الديمقراطية؛ لأنه لا توجد إمكانية لامتلاك حزب أو ائتلاف سياسي أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة مستقلة فعلاً، أو حتى أن تكون هناك رقابة جادة وفعالة على التشريعات، فرأس السلطة التنفيذية يتعامل مع أفراد وليس أحزاباً، والمرشح الفردي حساباته خدمية بالمقام الأول، ويلزمه لنجاحها أن ترضى عنه الحكومة التي يفترض أن يراقبها، بما يسهل على الدولة احتواؤه، وقد فعلها مبارك في انتخابات عام 2005م، عندما خسر الحزب الوطني الانتخابات فعلياً كحزب، ولكن بقيت هيمنة رأس الحكم على المجلس النيابي بحيل متعددة منها استجلاب الفائزين الذين ترشحوا كمستقلين لحزب السلطة، اللاوطني اللاديمقراطي.