حذر خبراء اليوم من أن العالم العربي سيواجه في المستقبل أزمة مياه يمكن أن تنجم عنها صراعات وتوترات إقليمية لا تقل خطورة وتهديداً للأمن الجماعي عن الحروب التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن.
جاء ذلك في الندوة التي عقدت في بريطانيا اليوم على هامش الدورة الـ15 لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في جامعة أكسفورد الإنجليزية بعنوان “البيئة والتنمية البشرية” بمشاركة خبراء عرب وأجانب.
وقالت الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة العامة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) ريما خلف: إن المياه كمورد طبيعي تظل أحد أهم مصادر التنمية في العالم، ولكن أغلب الدول العربية تعاني نقصاً فادحاً فيه وسوء استغلال غير مبرر.
وأضافت خلف أن الوضع يتشابه في معظم الدول العربية باستثناء فلسطين التي تعيش وضعاً أكثر سوءاً بسبب ممارسات الاحتلال “الإسرائيلي” الذي حول مياه الشعب الفلسطيني وكل مصادره الطبيعية للمستوطنين أمام أعين المجتمع الدولي.
وأوضحت أن 6.5% فقط من المياه الموجودة في قطاع غزة تعد صالحة للشرب، مضيفة أن الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة على غزة تسببت في خلق مشكلات أخرى بيئية؛ منها تراكم أكثر من أربعة ملايين طن من الأنقاض الناجمة عن الدمار الهائل الذي لحق بالمباني.
ودعت خلف الدول العربية إلى مواجهة ما وصفتها بالتحديات البيئية الجمة بالتعاون المشترك والبرامج الموحدة القادرة على تلافي الآثار المدمرة لثنائية شح المياه والتغيرات المناخية.
كما دعت الدول الغنية إلى ممارسة دور ريادي أكبر بالمال والجهد لمساعدة الدول الأقل تقدماً منها والفقيرة على حل ما تعانيه من مشكلات بيئية، وبخاصة التي تتعلق بالتغيرات المناخية الناجمة عن الانبعاثات الغازية والتطور الصناعي.
بدورها، اعتبرت الخبيرة الدولية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط د. البريطانية جين هاريغان أن المنطقة العربية باتت تعاني من ثلاث مشكلات تنموية، تتلخص في الأمن الغذائي والزراعة المحلية والصحة.
وقالت هاريغان: إن المنطقة العربية تعد المنطقة الأقل أمناً في العالم؛ حيث تعتمد معظم الدول على ما بين 35 و50% وأكثر على استيراد غذائها؛ ما يجعلها في موقع ضعف تتحكم فيه تقلبات الأسواق الدولية.
وأشارت في هذا السياق إلى أن أسعار القمح سجلت بين عامي 2007 و2008م ارتفاعاً بأكثر من 130%، مضيفة أن ارتفاع أسعار النفط يتبعها في العادة ارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة ومواد أساسية أخرى.
وأوضحت هاريغان أن الزراعة العربية “أهملت” بشكل كبير، وهي منذ عام 1990م تسجل نمواً سلبياً لا يتماشى إطلاقاً مع الارتفاع الكبير في الطلب على الغذاء المرتبط بالنمو السكاني لدول المنطقة دون استثناء.
ولفتت إلى أن المنطقة تعيش وضعاً غريباً بانتشار أمراض كالسمنة والسكري التي هي ميزة المجتمعات الغربية المدمنة على الاستهلاك، محذرة من أن هذا الوضع سيفاقم من متاعب قطاعات الصحة.
من جهته، تطرق الباحث والأستاذ إيكارت وورتز إلى خطر الصراعات في الشرق الأوسط وتأثيراتها على التنمية والأمن الغذائي لدول المنطقة، لافتاً إلى ما يجري في سورية والعراق واليمن من حروب أثقلت كاهل الشعوب وعرقلت مشاريعه التنموية.
وأعاد إيكارت مشكلة المياه في المنطقة العربية إلى غياب إستراتيجية واضحة لحسن استغلال هذه الثروة، داعياً إلى ضرورة الاستثمار في الحفاظ على هذا المورد واستحداث نظام تسعيرة مختلف لما هو معتمد.
وكان البابطين قد افتتح أمس أعمال الدورة الـ15 لمؤسسة البابطين الثقافية في جامعة أكسفورد البريطانية بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط في الجامعة ومنظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات.