أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية التقرير السنوي لعام 2016م حول الاتجار بالبشر تحت عنوان “تهريب البشر”، اتهمت فيه دولاً عربية وغير عربية في العالم بممارسة هذه التجارة غير القانونية وغير الإنسانية.
وقد حل العراق ومعه إقليم كردستان في المرتبة الثانية من بين 27 دولة في العالم التي لا تتبع الحد الأدنى من المعايير الدولية في مجال محاربة الاتجار بالبشر، ورغم أن العراق قد أصدر قانوناً يجرم الاتجار بالبشر استناداً إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) عام 2012م، وكذلك الأمر بالنسبة لبرلمان إقليم كردستان الكردستاني الذي أصدر قراراً رادعاً يمنع فيه هذه التجارة البائسة في أبريل 2011م، ولكنه لم يتم تنفيذه بالشكل المطلوب حتى الآن.
تعريف الاتجار بالبشر
يقصد بالاتجار بالبشر “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم، بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية”.
في العراق تمارس عصابات متخصصة بالخطف والمتاجرة وهناك 12 عصابة تمارس هذه التجارة، وأن أكثر من 150 طفلاً عراقياً يسافر سنوياً، بحسب ضابط في الجيش العراقي فضل عدم ذكر اسمه.
وبحسب الشكاوى المسجلة في دوائر الشرطة، فإن أكثر من 3500 طفل يتعرضون للاختطاف سنوياً في العراق، وقد سجلت مراكز الشرطة خلال الشهر الواحد من 60 – 80 حالة خطف.
كما كشفت وكالة “المونيتور” الأمريكية أن تقريراً للأمم المتّحدة أكد أنّ 1496 طفلاً خطفوا في العراق في الأشهر الـ36 الأخيرة، في حين أن في حالات نادرة يتمّ تحرير الأطفال واعتقال الخاطفين، منها ما حدث في 3 أغسطس 2016م، حيث تمّ تحرير طفل مخطوف واعتقال خاطفه في بغداد، وتكون دوافع الخطف كالعادة إما ماديّة؛ للحصول على الفدية الماليّة مباشرة من ذوي الطفل، والتي تصل إلى نحو 20 ألف دولار، وإمّا بهدف التجارة في الأعضاء البشريّة، كما يتمّ خطف البنات بهدف تسخيرهنّ في الجنس وتجارته.
وبسبب ضعف الدولة وانشغالها بالحروب والفوضى السياسية الداخلية وانتشار الفقر والعوز وانعدام فرص العمل، راجت هذه التجارة وتوسع نطاق نشاطها في جميع أنحاء العراق، وكثيراً ما نشاهد أما أو أبا يبيعان ابنتهما من أجل مبلغ من المال؛ لأنهما فقيران معدمان لا يجدان ما يأكلانه، وقد قامت الأجهزة الأمنية العراقية بالقبض على امرأة تحاول بيع ابنتها الصغيرة لعصابة مقابل 4 ملايين دينار (تقريباً 3 آلاف دولار)، والحالات كثيرة من هذا النوع لا تعد ولا تحصى في بلد مضطرب سياسياً واجتماعياً ودينياً مثل العراق.
وسجلت منظمة “هارت لاند ألانز” الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان 100 قضية للاتجار بالبشر في العراق خلال العاميين الماضيين، أبرزها الاتجار بالأعضاء البشرية بالنساء جنسياً، واستعباد الأطفال من قبل عصابات تنظم التسول.
إقليم كردستان
ولم يستثنِ التقرير إقليم كردستان، بل وجه إليه انتقاداً شديداً بسبب وجود حالات الاتجار باللاجئين والنازحين في المخيمات وخاصة النساء السوريات والعراقيات، ويشير التقرير إلى أن نساء لاجئات من سورية والعراق في إقليم كردستان العراق يتعرضن لعمليات متاجرة يشارك فيها رجال مؤسسات أمنية تابعة للحكومة في الإقليم، كما سلط التقرير الضوء على مخيم “دوميز” الذي يقع في محافظة دهوك وجل قاطنيه من أهالي روجافا (الأكراد السوريين)، وتستند وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها إلى معلومات من منظمات غير حكومية.
كما كشف التقرير في جزئه الأخير عن ظاهرة تزويج فتيات قاصرات بشكل مؤقت ثم يتم تزويجهن لآخر وهكذا.
بينما رفض الإقليم هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً على لسان رئيس لجنة التقييم والرد على التقارير الدولية في حكومة إقليم كردستان د. ديندار زيباري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً بأربيل في 21 سبتمبر، حضرته “المجتمع”، وفيه سلط الضوء على نشاط حكومة الإقليم للحد من هذه الظاهرة وقال: إن حكومة إقليم كردستان تعمل وفق قانون (رقم 28 لسنة 2012) العراقي لمكافحة الاتجار بالإنسان العراقي، وتنسق عملها مع الهيئات والمنظمات غير الحكومية لمواجهة ومكافحة الاتجار بالبشر ومنع انتشاره في الإقليم.
وأضاف: لقد شكلت الحكومة لجنة عليا في 16/ 5/ 2016م مكونة من أعضاء يمثلون وزارة الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية ومكتب العلاقات الخارجية لمتابعة العمل في مكافحة الاتجار بالإنسان في إقليم كردستان، وبخصوص قضية النساء الأيزيديات اللاتي اختطفهن تنظيم “داعش” في 25 نوفمير 2014م وقام بمتاجرتهن قال زيباري: لقد شكلت حكومة الإقليم لجنة خاصة بمتابعة القضية ومعرفة مصير المختطفات وإنقاذهن، وبحسب آخر إحصائية أجريت في 1/ 11/ 2016م توصلت الحكومة إلى أن عدد المختطفات وصل إلى 3543 أيزيدية، واستطاعت قوات “البيشمركة” من إنقاذ 1019 مختطفة من قبضة التنظيم الإرهابي، وأعدت لهن أماكن للإيواء ومراكز لتقديم الخدمات وخاصة للنسوة اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي.
ويلخص الناشط المدني محمود إسماعيل مجمل حالة الاتجار بالبشر في إقليم كردستان ويقول: تابعنا العديد من الحالات التي تتعلق بالاتجار بالبشر، واكتشفنا وجود متسولات يقمن بتأجير طفل رضيع بمبلغ 20 دولاراً لليوم الواحد لكسب تعاطف المواطنين.
ووفقاً لإسماعيل؛ فإن حالات الاتجار بالفتيات والدعارة جديدة على أربيل التي تقصدها شبكات الاتجار بالبشر استغلالاً لما تتمتع به من ازدهار اقتصادي واستقرار أمني نسبي.
ويضيف أن العاملين يستغلون من قبل بعض شركات استقدام الأيدي العاملة الأجنبية، كما تمارس الوسائل القهرية بحق الخادمات الأجنبيات اللواتي تعملن في خدمة البيوت والشركات، وهو ما يدخل أيضاً ضمن حالات الاتجار بالبشر.
وبدورها، كشفت النائبة منى نبي، وهي عضو اللجنة القانونية في برلمان إقليم كردستان العراق، أنه جرت القراءة الأولى لقانون منع الاتجار بالبشر في برلمان الإقليم منذ أشهر، ولكن يتوجب رفع التقرير النهائي من قبل أعضاء اللجنة القانونية قبل تحديد جلسات أخرى لإقراره.
وكانت هيئة حقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق قد نوهت إلى تصاعد حالات الاتجار بالبشر، بعد تدهور الأمن في بعض مناطق العراق وزيادة أعداد النازحين واللاجئين من سورية، فضلاً عن العمال الأجانب الذين فقدوا وظائفهم بسبب تردي الوضع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق بسبب الخلافات المالية بين أربيل وبغداد.