حذرت ورقة بحثية إسرائيلية أصدرها معهد أبحاث الأمن القومي من أن ارتفاع مستوى التقارب بين تركيا وإيران في الآونة الأخيرة، إلى جانب موقف أنقرة الداعم لقطر في أزمتها مع دول الخليج، وعلاقاتها الهشة مع مصر، وتحريضها على إسرائيل خلال أزمة المسجد الأقصى الأخيرة، لا يخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية، ويلغي أي فرصة للتعاون بين أنقرة وتل أبيب لمواجهة الطموحات الإيرانية في المنطقة.
وأشارت الدراسة إلى أن من من بين النماذج البارزة لهذا التقارب الزيارة التاريخية لرئيس الأركان الإيراني اللواء باقري إلى أنقرة في آب/ أغسطس الماضي، وهي المرة الأولى منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ولقاء الرئيسين روحاني وأردوغان خلال مؤتمر الأستانة في 9 أيلول/ سبتمبر، والاتفاق الذي توصل إليه البلدان وروسيا على منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب ونواحيها، بالإضافة إلى الزيارة المقررة لأردوغان إلى إيران في أكتوبر المقبل.
وفي الميدان الاقتصادي وقعت تركيا وإيران وروسيا على صفقة ثلاثية للتنقيب عن الغاز والنفط في إيران، وهو موضوع بالغ الأهمية لتركيا التي لا تمتلك موارد مهمة للطاقة في أراضيها.
ونوهت الدراسة التي أعدتها الباحثتان بالمعهد، سيما شاين الخبيرة بالشأن الإيراني، والدكتورة جاليا لندشتراوس المتخصصة في الشؤون التركية، إلى أن أهم العوامل الكامنة وراء هذا التقارب هي نجاح روسيا وإيران في تقوية نظام الأسد، وتعزيز الأكراد السوريين، وهو ما دفع الأتراك إلى الاعتراف بأنه ليس أمامهم إلا التعاون مع الحلف الروسي الإيراني المنتصر من أجل محاولة تقليل الخسائر التي حدثت لتركيا في أعقاب الحرب السورية.
وعلى الجانب الإيراني الروسي يبدو أن البلدين في حاجة للتعاون مع تركيا بسبب قدرتها على إلحاق الضرر بهما، وهو ما تجسد في دعمها الواسع للمعارضة المسلحة في الحرب السورية، ولكن تركيا تركز اهتمامها في الوقت الحالي على المسألة الكردية، وبالتحديد على ضمان عدم تأسيس كيان مستقل للأكراد في شمال سوريا، في ضوء التعاون العسكري الوثيق بينهم وبين الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم الدولة.
وفي السياق الكردي يبرز أيضا تشارك المصالح بين تركيا وإيران إزاء قرار رئيس إقليم شمال العراق، مسعود البرزاني، بإجراء استفتاء في إقامة دول كردية مستقلة في شمال العراق، وهي قضية تثير قلقا كبيرا في إيران التي هددت باتخاذ إجراءات قوية، أما تركيا التي تعارض الاستفتاء أيضا فيبدو أنها تتردد في اتخاذ إجراءات حاسمة بسبب العلاقات القوية بين أنقرة وأربيل.
وفي إطار توسيع خط المصالح المشتركة بين إيران وتركيا تنوه الدراسة إلى الأزمة القطرية، حيث وجدت تركيا وإيران أنفسهما في نفس الجانب مع قطر، وتساعدانها في مواجهة انعكاسات الحصار المضروب عليها. وترى تركيا أن التحالف مع قطر أحد العلاقات القليلة المستقر في السنوات الأخيرة. وجاء قرار أنقرة بإقامة قاعدة عسكرية في قطر وسرعة تنفيذ القرار دليلا واضحا على قوة العلاقة بين البلدين.
ووفقا للدراسة يتزامن التقارب التركي الإيراني أيضا مع تقارب مواز بين تركيا وروسيا. وقد عزز هذه العلاقات تصريح الرئيس أردوغان بأن تركيا دفعت لروسيا مقدم شراء منظومة صواريخ إس 400، وهي الصفقة التي تثير توترا في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك القضية التي مازالت مفتوحة حول مساعدة أنقرة لطهران في تخطي العقوبات الأمريكية
وفيما يتعلق بإسرائيل، رأت الدراسة أن العلاقات المتطورة بين تركيا وإيران تزيد من هوة الخلافات بين أنقرة وتل أبيب، إلى جانب الخلافات العميقة المستمرة التي تلقي بظلالها على العلاقات بينهما، ولاسيما في السياق الفلسطيني وفي مقدمتها العلاقات بين أنقرة وحماس، والتصريحات المعادية لإسرائيل خلال أحداث المسجد الأقصى.
وخلصت إلى أن تركيا واسرائيل على طرفي النقيض في معظم القضايا القائمة على الأجندة الأمنية الإسرائيلية، صحيح إن تركيا اضطرت إلى تغيير سياستها بسبب التطورات على الأرض، ولكن هذه التغييرات لا تعكس تطابق مصالح عميق مع إيران، ولكن لا يوجد تطابق للمصالح بين تركيا وإسرائيل.
وأضافت أنه لا يجوز المبالغة في قوة التهديد الذي تتعرض له إسرائيل من مستوى التعاون الحالي بين تركيا وإيران ونطاقه، حيث إن من الواضح أن لهذا التعاون حدودا، وما تزال هناك قضايا تفصل بين البلدين، ولكن هذا التقارب يلغي أي فرصة التعاون بين تركيا وإسرائيل في اعتبار إيران تهديدا مشتركا