جاءت دعوة الدين الإسلامي مكملة لمكارم الأخلاق، وداعية إلى بث كريم الخصال وطيب الأعمال في نفوس المسلمين، ومن أهم ما حرصت عليه تلك الدعوة المباركة غرس روح التسامح والرحمة والتواضع والعفو عن الناس.
وتوضح هذه القصة الواقعية مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر عبدالمحسن عبدالله السعد رحمه الله تعالى، والتي تبدأ أحداثها في بداية السبعينات من القرن العشرين عندما فكر عبدالمحسن السعد بخوض المجال التجاري، فقرر تأسيس شركة لبيع الأجهزة الإلكترونية وذلك بمشاركة أحد الوافدين العرب، وبالفعل أسس الشركة واستورد البضائع اللازمة وشملت العديد من الماركات العالمية المعروفة، ومن سماحة التاجر عبدالمحسن عبدالله السعد أنه كان من أوائل من تعامل بالبيع بالتقسيط في الكويت، وذلك تسهيلاً على الزبائن، ومراعاة لظروفهم الاقتصادية، وبالمقابل طلب الزبائن كتابة إيصالات أمانة (كومبيالات) تضمن له السداد لاحقاً، فوافق التاجر عبدالمحسن السعد على ذلك الأمر نزولاً على رغبتهم، ورغبة في إتمام العمليات التجارية وحصولهم على ما يشاؤون من البضاعة والأجهزة لديه دون تكلف أو حرج.
وهكذا ظهرت سماحة التاجر عبدالمحسن السعد من خلال هذا التعامل السهل السمح واليسير مع الناس، حيث أنه من جميل ما عرف عنه أيضاً في هذا الجانب عطفه ورأفته بعماله ومستخدميه، فكان لا يكلف أحداً من عماله أكثر مما يطيق، بل إن معظم أعماله كان يقوم بها بنفسه، وكان إذا كلَّف أي عامل بالعمل بمنزله للقيام ببعض الأعمال البسيطة في المنزل كان يقدم له الطعام قبل أن يأكل، ويتأكد من إكرامه، بل إنه كان يقدم له الطعام بنفسه قبل أن يتناول هو طعامه، وهذا من كريم أخلاقه ونبل طباعه.
ومن حسن نية التاجر عبدالمحسن عبدالله السعد وفرط ثقته بشريكه الوافد فقد ترك له الأمور المالية بالشركة، وقد أساء هذا الوافد استغلال تلك المعاملة الحسنة فسرق أموال الشركة وفر هارباً إل بلاده، وبعد هذه الحادثة الأليمة قرر التاجر عبدالمحسن السعد رحمه الله تعالى تصفية نشاطه التجاري.
وفي يوم من الأيام تذكر التاجر عبدالمحسن عبدالله السعد إيصالات الأمانة المحفوظة عنده في الخزينة، والتي كانت قد دعت إليها الحاجة عندما كان يبيع بضاعته بالأقساط، ومن نيته الصالحة وحسن حظ هؤلاء المعسرين أنه عندما تذكرهم وتذكر الكومبيالات المحفوظة لديه عليهم، قال في نفسه: “إذا كنت أرحم ضعف هذه القطط وأرأف بحالهم، فما بال هؤلاء المستضعفين الذين أهلكتهم الديون والقروض، إنهم والله أولى بإسقاط تلك الديون عنهم، وأن تبرأ ذمتهم منها أمامي وأمام الله عز وجل”، ومن جميل المقادير أنه كان حينها يشوي السمك في فناء بيته لحظة أن تذكر تلك الإيصالات، فقام على الفور وأحضر الإيصالات من الخزينة، وأشعل بها النار واستخدمها مع الفحم لشوي ما تبقى من السمك.
وهكذا ضرب التاجر عبدالمحسن عبدالله السعد رحمه الله مثالاً واقعياً يحتذى به في السماحة والتواضع والإحسان إلى الناس والتسامي عن حظ الدنيا وإن كان من حقه ، فآثر التسامح عن حقه والعفو عن المعسرين وأصحاب الديون عن مطالبتهم وإثقال كاهلهم، بل إنه فعل ذلك بوازع إيماني منقطع النظير، وبروح الفضل والجود التي لا تساويها أموال ولا كنوز الدنيا.
وهكذا كان حال الكثير من آبائنا من أهل الكويت الكرام وتجار الكويت كذلك، فقد تواترت القصص العجيبة التي تحكي مآثرهم وتوضح تسامحهم وتواضعهم وحسن معاملتهم للناس كافة، فغلب عليهم الزهد في الدنيا والرغبة في الإحسان إلى الناس، كما ظهرت عندهم روح العفو والصفح عن جميع الخلق، فضربوا أروع الأمثلة في الطهر والنقاء وصفاء القلب، وتعددت محاسنهم وذكر الجميع مآثرهم.
WWW.ajkharafi.com