صدر عن مفكرون الدولية للنشر والتوزيع بالقاهرة كتاب “نحو تفسير مقاصدي للقرآن الكريم.. رؤية تأسيسية لمنهج جديد في تفسير القرآن” للدكتور وصفي عاشور أبو زيد.
ويقول مؤلف الكتاب:
إن القرآن الكريم كتاب الإنسانية، أول نداء فيه هو: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. [سورة البقرة: 21]، وفيه سورة تسمى “سورة الإنسان”، وآخر سورة فيه هي سورة “الناس”، وآخر كلمة فيه هي كلمة الناس، وكلمة الناس تكررت فيه أكثر من (240) مرة، وكلمة “بني آدم” تكررت أربع مرات، وهكذا، فلو جاز لنا أن نطلق على القرآن وصفاً لكان: “كتاب الإنسانية”.
ولقد اهتمت البشرية –ولا أقول الأمة المسلمة فقط– بالقرآن الكريم كما لم تهتم بكتاب سماوي؛ فضلاً عن قانون أرضي أو دستور بشري، وأوْلتْه من الرعاية والعناية والدراسات والتأملات والتفاسير ما لم يحدث مع كتاب آخر، وأقامت حوله من العلوم لخدمته ما لم يقم حول غيره.
وتنوع هذا الاهتمام بما قام من اتجاهات في التعامل مع القرآن الكريم، فهذا اتجاه التفسير بالمأثور، وذاك اتجاه التفسير بالرأي، وآخر تفسير مذهبي، وهنالك اتجاه التفسير اللغوي، وآخر للبلاغي أو النحوي، وهذا اتجاه التفسير العلمي، وذاك التفسير العقدي والفلسفي، وغير ذلك من مدارس واتجاهات.
وكل اتجاه من هذه الاتجاهات فيه العديد من التفاسير، وقد يبلغ عدد التفاسير في الاتجاه الواحد عشرات التفاسير، وهذا يقفنا على قيمة هذا الكتاب العظيم، واهتمام البشرية به؛ لما خُصَّ به من خصائص، وتمتع به من مزايا، وأُودع فيه من مقومات، جعلت منه كتاب الزمان والمكان والإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن أهم هذه الاتجاهات التي يجب الكشف عنها والحديث حولها والتأسيس والتأصيل لها: اتجاه التفسير المقاصدي للقرآن الكريم؛ إذ أنزل الله القرآن العظيم لأهداف سامية وغايات عالية، تنشد هداية البشرية وإسعادها في الدنيا والآخرة.
وينبغي أن يكون هذا الاتجاه هو المُقدَّم؛ لأنه اتجاه معياري وحاكم على غيره من الاتجاهات والمدارس؛ حيث إننا نستطيع أن نقوِّم ونقيِّم ونجدد الاتجاهات الأخرى في ضوء اتجاه التفسير المقاصدي للقرآن الكريم.
إننا لن نستطيع أن نفهم القرآن حق الفهم، ونستنزله حق الاستنزال، ونستلهمه للحياة معه والجهاد به في واقع أمتنا المعاصر، إلا إذا تعاملنا مع القرآن الكريم وفق أهدافه التي نص عليها القرآن نفسه، وكما تراءت لنا عبر مسالك الكشف عنه، ونظرنا إليه نظرة مقاصدية، تستكشف غاياته، وتستجلي مراداته، وتستبطن ما يريده من البشرية، حتى تحط رحالها على شاطئ النجاح والفلاح في المعاش والمعاد جميعاً.
ومن أجل هذا يدعو هذه البحث: “نحو تفسير مقاصدي للقرآن الكريم” إلى تأسيس اتجاه جديد، ورسم معالم له؛ حيث لم يبرز في تراثنا التفسيري، ولكن من وجهة تأسيسية تأصيلية وتأطيرية؛ ولهذا جاءت التسمية الفرعية للبحث “رؤية تأسيسية”؛ حيث يبين تاريخ القضية، ويجتهد في تحديد مقوماته التي ينهض بها ويتأسس عليها، ويحدد مسالك الكشف عن هذه المقاصد بأنواعها، وبيان أهمية كل نوع من تلك الأنواع وفوائده، ويفصل القول في أنواع هذا التفسير، ويحاول أن يضع له الضوابط الحاكمة له والضابطة لممارسته، ثم يكشف النقاب عن أهميته من خلال ذكر مقاصده وبيان وظائفه التي يؤديها في التعامل مع القرآن الكريم، وفي الحياة؛ أملا في أن يسخر الله تعالى أحد العلماء أو أحد المراكز البحثية أو فريقاً من أهل العلم القرآني أن يمحِّضوا أنفسهم لهذا المشروع الكامل “مشروع التفسير المقاصدي للقرآن الكريم”؛ ليكون لبنة جديدة في عمارة التفسير، وحلقة من حلقاته المشيدة؛ استلهامًا له في الحياة؛ وتلبية لاحتياجات الأمة من القرآن الكريم.
واقتضت خطة البحث أن تكون على النحو الآتي:
المقدمة: حول أهمية الموضوع وخطته.
المبحث الأول: تعريف التفسير المقاصدي وعلاقته بأنواع التفسير:
المبحث الثاني: أنواع مقاصد القرآن الكريم:
المبحث الثالث: مسالك الكشف عن مقاصد القرآن الكريم:
المبحث الرابع: مقومات المفسر المقاصدي:
المبحث الخامس: ضوابط التفسير المقاصدي للقرآن الكريم.
المبحث السادس: فوائد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم:
ثم كانت الخاتمة التي جاءت بخلاصة لأفكار البحث.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى المساحة التي أخذها الفصل الأخير من هذا البحث، وهي فوائد أو مقاصد التفسير المقاصدي للقرآن الكريم، وهو ما يشير إلى أن الفوائد والمقاصد والثمرات التي تُنتظر من التفسير المقاصدي ومشروعه كبيرة وكثيرة ومتنوعة ومهمة؛ الأمر الذي يحملنا على أن نقوم بمشروع تفسيري مقاصدي للقرآن الكريم.
ثم إن هذا البحث كان ورقة مقدمة إلى الدورة العلميّة المتخصصة في مقاصد الشريعة الإسلامية، تحت عنوان «مقاصد القرآن الكريم (1)»؛ حيث جاءت بعدها ندوتان تحت العنوان نفسه، وهي الندوات المتميزة التي يقيمها مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلاميّة بلندن، وكانت الندوة الأولى بالتعاون مع مركز المقاصد للدراسات والبحوث (بالرباط)، وكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة (بجامعة محمد الخامس – أكدال)، وعقدت في مدينة الرباط – المملكة المغربيّة، أيام الخميس والجمعة والسبت 10/ 11/ 12 شعبان 1436هـ، الموافق 28/ 29/ 30 مايو 2015م، لكنني أضفت إليه مباحث جديدة وأفكاراً جديدة وفقرات كثيرة بما ضاعف حجم البحث عن حالته التي قُدم بها للندوة.
وهذا البحث لا يؤسس لفن غير مسبوق به، فهناك إشارات واضحة في تفاسير كثيرة، منها على سبيل التمثيل: تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، وتفسير المنار، وتفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان للفراهي، ولكنه يؤسس لمشروع مهم لخدمة القرآن الكريم من خلال إقامة مشروع تفسيري جديد يضع المقاصد القرآنية بأنواعها قبلته، ويقوم بتفسير القرآن الكريم كاملاً تفسيراً مقاصدياً، مراعياً المقاصد العامة، ومقاصد المجالات، ومقاصد السور، ومقاصد الآيات، ومقاصد الكلمات والحروف، وهو مشروع يحتاج لمركز أبحاث أو فريق عمل متميز يقوم عليه ويقدمه خدمة للقرآن الكريم وتنويرًا للأمة في عصر تتلاطم فيه أمواج الفتن، وتتعاظم فيه بحار الظلمات والاضطرابات، ولن تجد الأمة مخرجًا من ذلك إلا في ضوء أنوار القرآن وهداياته، وفي ظلال مقاصده وغاياته.
ومما تجدر الإشارة إليه، وبعد هذه الرحلة مع هذا البحث في ظلال القرآن الكريم أن نقرر أن مقاصد القرآن أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة، فالقرآن الكريم وهو كتاب الكتب ودليل الأدلة وعمدة الملة وقطب الشريعة ورحى العقيدة – أشمل من الشريعة وأحكامها، وهذا يترتب عليه أن مقاصد القرآن أوسع وأوعب من مقاصد الشريعة، ففي القرآن العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات والآداب، وفيه السياسة والاقتصاد والتربية والثقافة والتزكية والفكر والاجتماع، والدوائر المختلفة والعلاقات المتباينة، وهذا يثمر مقاصد أوسع من مقاصد الشريعة، وهو ما ينعكس على تناول القرآن وينكس بالتبعية على الأحكام الشرعية والاجتهاد الفقهي..
إن المشتغلين بالقرآن الكريم أحوج ما يكونون اليوم، وأحوج ما تكون أمتنا – قبل أي وقت مضى – إلى التعامل مع القرآن من منظور المقاصد، وتُقيِّم عليه أعمالها وتعاملَها مع القرآن، وتقوِّم على أساسه سيرها إلى الله، وتعاملها مع الناس، فعصور إرادة النهضة، والرغبة في التطوير، وممارسة التجديد والاجتهاد، ورد الشبهات والحفاظ على الهوية … كل هذا وغيره يوجب علينا شرعاً، ويفرض علينا حضارةً وواقعاً ومستقبلاً أن نؤسس للفهم المقاصدي للقرآن الكريم، ونتعامل معه وفق هذه الرؤية، وهذا ما يسعى هذا البحث إلى التأسيس له، والتأطير لجوانبه، واللهَ أسأل حسن القبول، وأن يجعله – بمنه وكرمه – من العلم الخادم للقرآن والنافع لأمة القرآن، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.