ارتبطت وزارة الخارجية الكويتية في السنوات الأخيرة بتنسيق رائع مع الهيئات والجمعيات الخيرية الكويتية، الحكومية والأهلية، ومع المراكز والهيئات الإسلامية والإنسانية في مختلف دول العالم، لأجل حماية العمل الخيري في كل مكان، وحفظ أموال المتبرعين.
فقد وضعت وزارة الخارجية ضوابط ولوائح لأي جهة خارجية تطلب دعماً مالياً من أي مؤسسة كويتية، حكومية وأهلية، ومن تتوفر فيه تلك المتطلبات التي ترسل إلكترونياً إلى الوزارة، وبعد أن يتم تزكيتها من السفارة الكويتية هناك (إن وجدت)، يصدر لها اعتماد رسمي، وهو ما يسمى “التزكية”، والتي يتم تعميمها إلكترونياً على المؤسسات الخيرية الكويتية، ومن لا يحصل على هذه التزكية، يمنع تحويل أي مبلغ إليه.
وتم تحديد آلية لتحويل أية مبالغ عبر وزارة الخارجية والبنك المركزي، بحيث تخاطب المؤسسة الكويتية وزارة الخارجية باسم الجهة الراغبة بتحويل المبلغ إليها، مرفقاً معها الشيك أو نسخة الإيداع في حساب الوزارة في البنك المركزي، لتقوم الوزارة بعدها بتحويل المبلغ إلى السفارة الكويتية في تلك البلاد، لتقوم بدورها بإيداعها في حساب المؤسسة هناك، أو دعوة الجهة وتسليمها شيك التبرع.
وتتعامل وزارة الخارجية مع أكثر من 150 دولة، ومع أكثر من 1000 هيئة إنسانية حول العالم، مما استدعى إنشاء قطاع خاص لها، برئاسة وكيل مساعد، وثلة من شباب الكويت المختارين بعناية، فالتعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من الهيئات الإنسانية، باختلاف مناشطهم واختصاصاتهم وأفكارهم ولغاتهم وقدراتهم ليس بالأمر الهين، فعليهم تلقي الطلبات الجديدة ومطابقتها، ومراجعة الملفات وفحصها، ومتابعة التحويلات المالية وتدقيقها، يعني عمل إداري ومالي مكثف، إضافة لتلقي الشكاوى ومشاكل التأخير والتحويل.. إلى غير ذلك من عمل روتيني يومي مزعج، حتى وإن كان التعامل إلكترونياً، حيث يعتذر الموظفون عن التعامل المباشر لكثرة الأعداد، وضخامة العمل، إلا أن العمل يبقى ضخم فعلاً.
ولم أجد خلال السنوات الماضية أي شكوى سوء تعامل من وزارة الخارجية من أية جهة خيرية، محلية أو خارجية، فالكل يثني على حسن استقبال معالي نائب وزير الخارجية السفير خالد الجارالله، المعروف بابتسامته الجميلة، والمتفائل دائماً، رغم كثرة انشغالاته الدولية، وحسن تعامل سعادة مساعد وزير الخارجية لشؤون التنمية والتعاون الدولي السفير ناصر الصبيح، المعروف بسعة صدره، وتعاونه بلا حدود مع الهيئات الخيرية، وتفهمهما لدور العمل الإنساني الكويتي في الخارج، وآثاره القيمية والأخلاقية والإنسانية، التي تخلو من أية مصالح عكسية، وكذا جميع العاملين في هذا القطاع الحيوي الذين تتسع صدورهم للاستفسارات والمتابعات، فلهم كل الشكر والتقدير على حسن الأداء، والإخلاص في العمل.
ولعل المشكلة الوحيدة لدى بعض المؤسسات الخيرية المحلية هي تأخير التحويلات، مما يؤخر تنفيذ المشاريع هناك، أو يفوت موعدها؛ مثل تحويل مبلغ إفطار الصائم يصل بعد رمضان، أو تحويل مبلغ كسوة العيد أو الأضاحي يصل بعد العيد.. وهكذا، وتزداد المشكلة في الدول التي لا تتوفر فيها سفارة كويتية، لذا يأملون من الوزارة السماح لهم وللبنوك ومكاتب الصيرفة لإجراء التحويلات اللازمة، علماً بأنها موثقة لدى وزارة الشؤون بشكل تفصيلي.
وقد تنتقل نفس مشكلة التأخير في تسليم تلك التحويلات للهيئات المعنية في الخارج عبر السفارات الكويتية.
وكما هو معروف أن السفارات تختلف في حيويتها ونشاطها وعلاقاتها، فيتأخر بعضها في إرسال التزكيات لوزارة الخارجية، لأسباب مختلفة، قد تتجاوز في مدتها 6 أشهر. وأحيانا يدخل في الوسط اختلاف توجهات البعض وعلاقاته مع الهيئات الإسلامية تحديداً، فينعكس ذلك على تعاملهم معهم، متناسين أنهم يمثلون دولة الكويت لا توجهاتهم الفكرية الخاصة.
وأعتقد أن هاتين المشكلتين؛ تأخير التحويل، وتأخير التزكيات، إنما هي مشكلات فردية، لم يكن النظام العام للوزارة سبباً فيها، لأني كما ذكرت الكل يثني على حسن التعامل، وسير الإجراءات فيها، حتى أن كثيراً من الهيئات الإنسانية يرغبون بزيارة وزارة الخارجية لتقديم الشكر لهم فقط.
وأمام هذا الجهد الكبير الذي تقوم به وزارة الخارجية بشكل عام في دعم العمل الخيري والإنساني، في بلد الإنسانية، أرى أنه قد آن الأوان لإعطاء هذا القطاع (التنمية والتعاون الدولي) الذي تتزايد فيه عدد الجهات التي يتعامل معها داخل وخارج الكويت المزيد من العناية والاهتمام، ويتجلى ذلك في الآتي:
أولاً: مضاعفة عدد الموظفين فيه، لاستيعاب هذه الأعداد الهائلة من المعاملات، وسرعة إنجاز التحويلات والتزكيات. فالموظفين الحاليين رغم قلتهم؛ فإنهم يقومون بجهود كبيرة جداً، مقابل عدد المعاملات والتحويلات والتزكيات الكبير جداً. ولا نريد أن يكون هذا الضغط سبباً لردود أفعال سلبية من بعضهم (ما يعطون وجه للسائل).
ولا أخفي سراً عندما أقول إن بعض الموظفين يرفض الرد على الهاتف، إما كبراً، وإما بسبب الضغط.
ثانياً: إنشاء مركز اتصال (Call Center) لاستقبال الاستفسارات والملاحظات من داخل الكويت وخارجها، فبعض المعاملات تتعطل بسبب معلومة أو فهم خاطئ، كما أن بعض المراكز يرد عليها الرابط الإلكتروني بعدم استكمال البيانات دون تحديدها، فيظل الأمر معلقاً.
ثالثاً: إعطاء من يتعامل مع الهيئات الإنسانية والخيرية والمراكز الإسلامية دورات خاصة في فهم الدور الذي يقوم به، وفن التعامل مع الآخرين، فهو يمثل الكويت ولا يمثل نفسه أو رأيه.
رابعاً: ترتيب زيارة سنوية للعاملين في هذا القطاع إلى دول مختلفة؛ آسيوية وأفريقية وأوربية وغيرها، والاطلاع عن كثب على وضع تلك الهيئات الإنسانية والمراكز الإسلامية من جانب، وسير العمل في السفارات في التزكيات والتحويلات المالية من جانب آخر، حتى يتفهموا كل التفاصيل، ولا يلوموا من يشتكي، فليس من رأى كمن سمع.
ولعل من تلك الزيارات تخرج أفكار جديدة، خصوصاً وأن معظم العاملين من فئة الشباب الذين نرتجي منهم الخير الكثير.
وأود هنا أن أسجل إعجابي بطريقة السفير ناصر الصبيح، ففي كل زيارة أو لقاء عمل شاركت به؛ كان يدعو مجموعة من موظفي القطاع الشباب، ليستفيدوا من الحوار فيكتسبوا خبرات عملية مباشرة، تطبيقاً لقاعدة “قل لي وسوف أنسى، أرني وقد أتذكر، أشركني وسوف أفهم”، ومن أبرز الخبرات التواضع، والرغبة الجادة في التعاون وتسهيل المهمة وحل المشكلة، واحترام الآخرين مهما كان مستواهم.
خامساً: نقل مقر إدارة القطاع إلى خارج الوزارة، مثل المعهد الدبلوماسي، فمن الطبيعي جداً أن يستقبل المسؤولون في القطاع مسؤولي الهيئات الخيرية من الكويت وخارجها، فهناك من لديه استفسارات أو اقتراحات أو اتفاقيات أو غير ذلك، ولعل دخول الوزارة فيه تكلف إداري وأمني، وهذا الخروج يسهل ذلك كله.
كما أن ذلك الانتقال يتيح توسعة مكان الموظفين لعدد أكبر، إضافة لمواقف السيارات لهم وللضيوف، وممكن تتغير الضيافة من شاي وقهوة فقط؛ إلى عصير وكركديه بارد لتخفيض الضغط.
ختاماً.. أشكر كل من يعمل من أجل الكويت، ويحفظ سمعة الكويت، وأكرر شكري مرة أخرى لكل العاملين في قطاع التنمية والتعاون الدولي، وفي السفارات الكويتية في الخارج.
____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “أحوال الكويت”.