في غضون أيام من تنصيبه في تموز (يوليو) أنهى إيفاريست ندايشيميي، رئيس بوروندي، أشهرا من النفي الرسمي بشأن فيروس كورونا، من خلال إصدار أوامر بإجراء اختبارات شاملة في العاصمة التجارية، بوجومبورا. رد فعله غير مفاجئ. سلفه، بيير نكورونزيزا، الذي كان قد سخر من الفيروس دفع ثمنا باهظا لعدم اكتراثه. لقد مات، من شبه المؤكد بسبب كوفيد – 19 نفسه.
بعد أشهر نجت فيها إفريقيا من أسوأ ما في وباء فيروس كورونا بسبب انتقال المركز العالمي من آسيا إلى أوروبا ومن ثم إلى الأمريكتين، بدأ عدد الإصابات الإفريقية – والوفيات – في الارتفاع بشكل حاد. توفي ما لا يقل عن 14500 شخص حتى الآن، من أصل 667 ألف إصابة مؤكدة. وقد أثار ذلك المخاوف بين بعض الخبراء بأن أفقر قارة في العالم قد تكون على وشك دخول مرحلة حرجة من تفشي وباء فيروس كورونا.
“الوباء يكتسب زخما كاملا”، كما يقول جون نكينجاسونج، مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التي نظمت استجابة فعالة على مستوى القارة. ويحذر قائلا إنه مع زيادة سرعة انتقال المرض، فإن الخطر هو أن “أنظمة المستشفيات لدينا ستكون أمام طوفان من المرضى”.
هذا يحدث منذ الآن في جنوب إفريقيا، البلد الأكثر تضررا في القارة، حيث عدد الحالات المؤكدة يتضاعف كل أسبوعين وعنابر وحدات العناية المركزة في جوهانسبرج وكيب تاون تفيض بالمرضى. بالمعدل الحالي، سيصاب أكثر من مليون شخص بحلول أوائل آب (أغسطس).
عدد الوفيات تجاوز خمسة آلاف، والعدد يتصاعد بشكل حاد. تسبب أحد مسؤولي الصحة في حالة من الذعر عندما أشار، بشكل خاطئ، إلى أن مقاطعة جوتينج كانت تعكف على بتجهيز 1.5 مليون قبر للموتى. وحذر الرئيس، سيريل رامافوسا، في خطاب شبه فيه الفيروس بعاصفة تهب مع رياح الشتاء الباردة على نصف الكرة الجنوبي، أن أجزاء قليلة من البلاد ستنجو من الوباء.
لم تتضرر كل إفريقيا بشدة. بعض البلدان، مثل بوتسوانا وناميبيا وجامبيا، سجلت عددا قليلا من الإصابات وبالكاد أي حالة وفاة. نجحت جزيرة موريشيوس في القضاء على موجة مبكرة من الإصابات المستوردة ولم تسجل حالة واحدة من حالات انتقال العدوى المحلية لما يقارب ثلاثة أشهر.
يقول مو إبراهيم، رجل الأعمال السوداني الذي يرأس مؤسسة باسمه: “في البداية، اعتقدنا أننا سنرى كارثة هائلة. الأرقام حتى الآن لا تظهر ذلك. ربما استجابت الحكومات الإفريقية بشكل أفضل من الحكومات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولحسن الحظ، في إفريقيا، لا يبدو أن الفيروس يحبنا”.
مرحلة جديدة
مع ذلك، الارتفاعات الجديدة في الإصابات في عديد من البلدان الإفريقية تلقي بظلالها على مثل هذا التفاؤل. أكثر من نصف الحالات المسجلة كانت في خمسة بلدان فقط – جنوب إفريقيا، مصر، الجزائر، نيجيريا، وغانا – على الرغم من أن هذا يعكس جزئيا قدرتها الأعلى على إجراء الفحوص.
لكن الوباء انتشر أبعد من ذلك. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، في 22 بلدا من أصل 54 بلدا في القارة، زادت الحالات أكثر من الضعف خلال شهر واحد، ودول مثل إثيوبيا وكينيا والكاميرون وجيبوتي تظهر ارتفاعات حادة. بعد فترة طويلة تم فيها استيراد معظم الإصابات من خارج إفريقيا، خاصة من أوروبا، تقول منظمة الصحة العالمية إن ثلثي البلدان في القارة يبلغان الآن عن انتقال مجتمعي للعدوى.
مالاوي، البلد المنتج للشاي الذي يبلغ عدد سكانه 18 مليون نسمة في جنوب القارة، هو مثال على ذلك. في الظاهر، تبدو أرقامه مطمئنة، مع 51 حالة وفاة فقط ونحو 2700 حالة إصابة بحلول منتصف تموز (يوليو). لكن يقول العاملون في مجال الصحة إنهم بدأوا برؤية ارتفاع كبير في عدد الإصابات.
تقول نينا حسين بور، أستاذة الطب في مشروع مالاوي في العاصمة، ليلونجوي، التابع لجامعة نورث كارولاينا: “حالتنا الأولى كانت في أوائل نيسان (أبريل) ومنذ ذلك الحين كان لدينا هذا التدفق التدريجي للغاية. كنا نقول: متى سيأتي هذا الشيء؟”.
تقول إن نقص عدد الإصابات المميتة كان لافتا للنظر إلى حد كبير، خصوصا بالنظر إلى سلسلة من الأخطاء الفادحة التي كان من المتوقع أن تتسبب في كارثة. كثير من المالاويين الذين تم إرسالهم إلى ديارهم في حافلة نقل من جنوب إفريقيا، حيث كانوا يعملون، عادوا مع كوفيد – 19. هرب بعضهم من معسكرات الحجر الصحي غير المجهزة، مخاطرين بنشر المرض في مجتمعاتهم. كذلك لم تكن حكومة مالاوي قادرة على فرض إغلاق بعد أن نجحت مجموعات المجتمع المدني، التي تشعر بالقلق من التأثير الرهيب في سبل عيش الناس، بطعن هذا التدبير في المحكمة. مثل بوروندي، أجرت مالاوي أيضا انتخابات وطنية. وكانت السلطة قد الحالية قد خسرت في إعادة إجراء انتخابات العام الماضي.
مع ذلك، على الرغم من هذه الأحداث المحتملة سريعة الانتشار، إلا أن الوفيات من الفيروس في مالاوي بقيت منخفضة بشكل عنيد حتى الآن، كما تقول البروفيسورة حسين. “فترة الأسبوعين الماضيين تغير منظورنا”، مشيرة إلى تسجيل مزيد من الوفيات، كما يأتي مزيد من الأشخاص إلى المستشفيات بحثا عن رعاية تنفسية طارئة. تقول عن شعور الإلحاح الناتج عن ارتفاع عدد الإصابات: “الحكومة الجديدة تفرض ارتداء الكمامات في جميع أنحاء البلاد وتوصي بعزلة أكثر جدية وبتدابير التباعد الاجتماعي. لقد دخلنا مرحلة جديدة”.
فجوات في البيانات
تجربة مالاوي الأخيرة، وغيرها من عديد من البلدان الإفريقية، أدت إلى تخفيف، إن لم يكن تحطيم، آمال مبكرة بأن القارة قد تتجنب بطريقة ما أسوأ ما في الوباء.
يقول فرانسيسكو تشيتشي، أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، الذي يلاحظ أن المرض وصل متأخرا إلى القارة: “ما نراه هو مجرد تأثير الخط الزمني المتأخر. أنا لا أرى فعلا أي دليل أننا نرى مسارا مختلفا من حيث النوعية للوباء في إفريقيا”.
وأضاف البروفيسور تشيتشي أن البلدان التي لديها روابط جوية جيدة مع بقية العالم، مثل جنوب إفريقيا ومصر والمغرب، كانت أول ما استورد “الحالات الأولية”، ما تسبب في انتشار الوباء بشكل أسرع. وهو يثني على الجهود المبكرة التي بذلها عديد من الحكومات الإفريقية – وكلها على دراية كبيرة بتهديد الأمراض المعدية مثل السل والإيبولا – لاحتواء الفيروس من خلال الاختبارات، وحملات الصحة العامة، وحظر التجول وحالات الإغلاق. لكن في النهاية، كما يقول، هذا مجرد تكتيك للتأجيل. “الإغلاق لا يكسبك سوى الوقت”.
سيما الصغير، المديرة التنفيذية لمؤسسة سورجو، وهي منظمة غير ربحية، توافق على أن الوباء لم ينتشر كثيرا في إفريقيا. جمعت مؤسستها مؤشرا من بيانات مفتوحة المصدر للمناطق الأكثر عرضة للتأثيرات الاجتماعية والصحية والاقتصادية لفيروس كوفيد – 19. من أبرزها الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، مدغشقر، مالاوي، إثيوبيا وأوغندا – جميعها لم ينتشر فيها الوباء بعد.
تقول البروفيسورة سيجير لا يزال هناك سبب للتفاؤل الحذر. حتى إذا انتهى الأمر بانتشار الفيروس على نطاق واسع في إفريقيا كما هو الحال في أوروبا والأمريكتين، فمن المحتمل أن يقتل عددا أقل من الأشخاص، بسبب عدد السكان الأكثر شبابا في القارة. متوسط العمر في إفريقيا 19.4 عاما مقابل 38 عاما في الولايات المتحدة و43 عاما في أوروبا.
استنادا إلى توزيع العمر والجنس، تقدر مؤسسة سورجو معدل وفيات الإصابات في إفريقيا – نسبة الوفيات بين المصابين – بـ0.1 إلى 0.15 في المائة. عند التعديل حسب الجودة الضعيفة للخدمات الصحية مع نقص الأكسجين وأجهزة التنفس الاصطناعي، فضلا عن الأمراض المصاحبة، مثل فيروس الإيدز، فإنها تقدر معدل الوفيات الناتج عن الإصابات بمتوسط يبلغ 0.55 في المائة، بحيث تبلغ النسبة في أفضل البلدان الإفريقية 0.22 في المائة وفي أسوئها 0.76 في المائة. هذا مقارنة بـ1.3 في المائة في الولايات المتحدة، ما يعني أن الشخص الإفريقي المصاب بفيروس كوفيد – 19 من المرجح أن ينجو بمقدار مرتين إلى ست مرات مقارنة بالشخص الأمريكي.
مع ذلك، حتى لو أثبتت تلك التقديرات المنخفضة صحتها، فهذا يعني أنه إذا أصيب 60 في المائة من الأفارقة في النهاية، فسيموت أكثر من أربعة ملايين شخص.
مثل هذه الحسابات هي تخمينات في أحسن الأحوال. يجب أن يأخذ الباحثون في الحسبان تقديرات معدل الأمراض غير المعدية التي تكاد تكون البيانات بشأنها غير موجودة في كثير من البلدان. الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، التي تزيد احتمال الوفاة لدى مرضى كوفيد – 19، من شبه المؤكد أنها أقل في كثير من البلدان الإفريقية مما هي في جنوب إفريقيا الغنية نسبيا، حيث مثل هذه الأمراض المصاحبة تساعد على تفسير عدد الوفيات الأعلى. مع متوسط عمر يبلغ 28 عاما، فإن سكان جنوب إفريقيا أيضا هم أكبر سنا بمقدار عقد من الزمن تقريبا عن بقية القارة.
مهمة صناع النماذج – الذين عليهم أيضا التعامل مع عوامل مثل سوء التغذية وفيروس الإيدز – يعوقها أكثر السجلات المحدودة للوفيات في عديد من البلدان. هذا أجبر الإحصائيين الذين يجرون الأبحاث على بعض البلدان إلى اللجوء إلى صور الأقمار الصناعية للمقابر من أجل الحصول على أدلة بشأن ما يسمى “الوفيات الزائدة” التي قد تكون بسبب كوفيد – 19. تقول البروفيسورة سيجير: “نحن فعلا نتخبط في الظلام هنا”.
هناك أيضا أدلة مبدئية تظهر أن البلدان الإفريقية قد يوجد فيها انتشار كبير للحالات التي لا تظهر عليها الأعراض بفضل سكانها الشباب. دراسة حول الأجسام المضادة أجرتها حكومة موزمبيق في مدينة نامبولا الشمالية التي يبلغ عدد سكانها 750 ألف نسمة، وجدت أن نحو ثلثي الأشخاص المصابين عانوا أعراضا خفيفة فقط، أو لم تظهر عليهم الأعراض على الإطلاق.
إضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة أن 5 في المائة من أفراد المجتمع و10 في المائة من البائعين في السوق أصيبوا بفيروس كورونا. مع ذلك، تم تسجيل أربع وفيات فقط بسبب كوفيد – 19 في مقاطعة نامبولا من أصل تسع في البلاد ككل.
حتى نكينجاسونج، من المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي حذر بقوة من التهاون، يعترف بأن عدد السكان الشباب الكبير في القارة يعني أن معدل الوفيات من المرجح أن يكون أقل. يقول: “نحن نرى هؤلاء الشباب يتجولون مع كوفيد، يعيشون حياتهم بشكل طبيعي. لكننا بحاجة إلى دعم هذا بدراسات مناسبة”.
نداء لمزيد من الفحوص
هذه الأدلة المتنافسة تجعل من الصعب على الحكومات الإفريقية تحديد ما يجب فعله بعد ذلك. لكن يقول الباحثون إن عليها المواظبة على السياسات لتخفيف المخاطر، مشيرين إلى أن هناك طريقا وسطا بين إجراءات الإغلاق الكاملة – التي يصعب الحفاظ عليها في المجتمعات الفقيرة – وجعل الوباء يأخذ مجراه.
“كوبر/ سميث”، منظمة خدمات مهنية يوجد مقرها في واشنطن، تستخدم البيانات لإعلام صناع السياسة، أعدت نماذج إحصائية تشير إلى أن التباعد الاجتماعي يمكن أن يمنع ملايين الإصابات وينقذ تسعة آلاف حالة وفاة في مالاوي وحدها. تقول هانا كوبر، المديرة الإدارية للمنظمة: “البلدان الإفريقية لا تحتاج إلى اتخاذ خيار صعب” بين عمليات الإغلاق المدمرة و”ترك الوباء يتفشى”. حتى في غياب البيانات القوية، تقول إن هناك معلومات كافية لتصميم الاستجابات لمجتمعات محلية معينة.
يقول إبراهيما كاسوري فوفانا، رئيس وزراء غينيا، إن حكومته طبقت تدابير مخففة لا تصل إلى حد الإغلاق الكامل. تجربتها مع وباء الإيبولا في الفترة 2014 – 2016 – الذي أودى بحياة أكثر من 11 ألف شخص في غرب إفريقيا – كانت مفيدة لها. غينيا أغلقت مجالها الجوي، وشجعت غسل الأيدي، وحظرت التجمعات الكبيرة، بما في ذلك الكنائس والمساجد، وأغلقت العاصمة كوناكري، عن بقية المناطق. البلد الذي يبلغ عدد سكانه 13 مليون نسمة سجل 6200 إصابة مع 38 حالة وفاة.
يقول كاسوري فوفانا: “من حيث إدارة الوباء، هو تحت السيطرة حتى الآن. نحن متفائلون لأن شعبنا أكثر شبابا بكثير”.
أمر آخر هو أن هناك حاجة ملحة إلى إجراء مزيد من الفحوص. تجري جنوب إفريقيا فحصا لنحو 50 ألف شخص يوميا. وبلدان مثل جيبوتي وغانا والمغرب بذلت جهودا متضافرة لإجراء الفحوص على نطاق واسع. لكن وفقا لتحليل أجرته وكالة “رويترز”، أجرت البلدان الإفريقية في المتوسط 4200 فحص لكل مليون شخص بحلول السابع من تموز (يوليو)، مقارنة بـ74255 في أوروبا.
يقول سترايف ماسييوا، رجل الأعمال الزيمبابوي الذي تم تعيينه مبعوثا خاصا للاتحاد الإفريقي، إن منصة رقمية للإمدادات الطبية لعموم إفريقيا ساعد هو في إنشائها يفترض أن تسمح بزيادة هائلة في قدرة إجراء الاختبارات. المنصة التي تم إطلاقها في تموز (يوليو)، مدعومة بخط ائتمان يبلغ 3.8 مليار دولار من بنك الاستيراد والتصدير الإفريقي. وهي تسمح للحكومات والمنظمات الإفريقية بتجميع طلباتها، ما يسهل الاستفادة من التسعير بالجملة.
يقول ماسييوا: “لا يوجد الآن عذر للقول إننا لا نستطيع الحصول على مجموعات الاختبار وبالتالي لا نستطيع إجراء الاختبارات”، مضيفا أن الحكومات تستطيع أيضا استخدام المنصة لتجهيز المستشفيات بوحدات الأكسجين، معدات الحماية، الأدوية وأجهزة التنفس الاصطناعي استعدادا للموجة التالية من الإصابات.
عديد من الحكومات الإفريقية، المسلحة بقدرة أكبر لإجراء الاختبارات وتطبيق السياسات التي تهدف إلى إبطاء انتشار المرض، تستعد للمرحلة التالية من الوباء، التي ربما تكون أكثر خطورة.
في الأشهر المقبلة، كما يقول البروفيسور تشيتشي، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، ستضطر بعض البلدان إلى الانتقال من مرحلة قمع الفيروس إلى مرحلة تسعى فيها إلى الحد من تأثير الفيروس.
يقول: “لا يوجد خجل من القول إننا لا نستطيع قمع هذا الوباء لمدة عام ونصف عام آخر حتى نحصل على اللقاح. حقيقة أننا سنحاول تخفيف حدته من خلال تدابير التباعد الاجتماعي، وتقليص التجمعات غير الضرورية، ودعم أسعار الصابون والماء. بعض السياسات مثل هذه يمكن أن تحدث فرقا كبيرا من حيث عدد الوفيات النهائي”.