لأنه الرئيس الأمريكي الذي شهدت فترته الانتخابية اندلاع ثورات “الربيع العربي”، وما واكبها من تغييرات في عدة دول عربية، أبرزها مصر وتونس وليبيا واليمن، كان من الطبيعي أن يخصص الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” مساحة كبيرة في كتابه “أرض الميعاد” عن الربيع العربي، والتحذيرات التي تلقاها من قادة عرب لو تولى الإخوان المسلمون الحكم في مصر، وأن ذلك يعني سقوط 8 زعماء عرب آخرين.
كما اتصل به زعيم عربي كبير آخر وقال له محذراً إن “هناك أربع جهات تقف خلف المظاهرات (خلال الربيع العربي) هي: الإخوان المسلمون وحزب الله والقاعدة وحماس.
وكشف أوباما أن نتنياهو كان أكثر قلقاً من انتهاء حكم مبارك، واتصل بأوباما داعياً إلى “الحفاظ على النظام والاستقرار في مصر قبل كل شيء”، و”حذرني من أن مصر ستتحول إلى إيران أخرى في ثانيتين”.
أوباما قال في كتابه بأنه خلال لقائه بالرئيس الراحل حسني مبارك في القاهرة قبل اندلاع الربيع العربي، وبعد الحديث عن الاقتصاد ومفاوضات السلام، تطرق للحديث مع مبارك عن حقوق الإنسان مقترحاً بعض الخطوات للإفراج عن المعتقلين السياسيين وتحرير الإعلام، فرد عليه مبارك مبررا التضييق على حقوق الإنسان بقوله إن مؤسساته الأمنية تستهدف “الإسلاميين المتطرفين فقط” وإن “الشعب المصري يدعم بقوة منهجه الحازم”.
ولأنه لاحظ أن مبارك لا يدرك حقيقة التحديات حوله والغضب الشعبي، تحدث أوباما عما أسماه “مشكلة المستبدين المسنين”، حيث كتب يقول في كتابه بأنه خرج من اجتماعه مع مبارك بالقاهرة بشعور -تأكد باستمرار- يرى أن “المستبدين المسنين يعيشون معزولين في قصورهم الكهفية المزينة بالزخارف”.
“وكل تفاعل يقومون به يتم من خلال وساطة المحيطين بهم المطيعين لهم، وأنهم لا يستطيعون التمييز بين مصالحهم الشخصية ومصالح بلادهم، وتصرفاتهم لا يحكمها أكثر من رغبتهم في تدعيم شبكات المحسوبية والمصالح الاقتصادية التي تُبقي عليهم في الحكم”.
أوباما قال أيضاً في الكتاب عن لقائه الأخير مع مبارك: “تحدثت مع مبارك هاتفياً قبل أسبوع من اندلاع المظاهرات في الخامس والعشرين من يناير، وتناقشنا حول سبل إعادة الفلسطينيين و”الإسرائيليين” إلى طاولة المفاوضات، والموقف المحلي في أعقاب تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وعندما طرحت عليه احتمالية امتداد المظاهرات الغاضبة من تونس إلى مصر، قلل مبارك من شأن ذلك وتجاهله، شارحا ذلك بقوله: مصر ليست تونس”، مؤكدا أن أي مظاهرات يمكن أن تندلع ضد حكمه سوف تنتهي سريعا.
أحداث يناير
وفي كتابه الجديد “أرض الميعاد” يخصص الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قسما كبيرا لرواية ذكرياته عن أحداث ثورة 25 يناير 2011 وتواصله المتكرر مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك في ذلك الوقت، ورؤى شخصيات الإدارة الأمريكية وقادة الشرق الأوسط للأحداث، بداية من اندلاعها وحتى تنحى مبارك، مرورا بمطالبة أوباما له بالتخلي عن السلطة.
ووصف أوباما شباب الثورة المصرية بأنهم “مثاليون وشجعان في تحدي نظام قمعي، ولم يكونوا مختلفين عن الشباب الذين ساعدوا في هدم جدار برلين أو وقفوا أمام الدبابات في الميدان السماوي ببكين، ولم يكونوا مختلفين أيضًا عن الشباب الذين ساعدوني في حملتي الانتخابية”.
لا للإخوان المسلمين
أوباما تحدث أيضاً في كتابه عن نصائح حكام عرب له بعدم السماح بتولي الإخوان المسلمين الحكم في مصر رغم فوزهم في انتخابات حرة، وتلقى تحذيرا من حاكم عربي أن معنى سماح أمريكا بتولي جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر أن يسقط 8 زعماء عرب آخرون، لم يتم تحديدهم.
وأشار أوباما إلى أنه كان يدرك معنى ما قاله له هذا الزعيم العربي، قائلا: “كنت أعلم أنه ورغم كل أجواء الاحتفالات والتفاؤل برحيل مبارك؛ فإن التغيير في مصر سيكون بداية صراع لتغيير غير معروف نتائجه في العالم العربي”.
أوباما قال: “أبلغني هذا الزعيم العربي (…) أن التصريحات الأمريكية عن مصر تتابعها باقي الدول العربية بقلق متزايد”، وقال لي: “ماذا سيحدث لو دعا محتجون في (دولة خليجية) مثلا لتنحي زعيمها؟ هل سيكون موقفكم هو نفس الموقف من تنحي مبارك؟”، وقال له إن تصريحاته (أوباما) حينئذ تظهر أن “الولايات المتحدة ليست شريكا يمكننا الاعتماد عليه على المدى الطويل”.
وأضاف أوباما: “أدركت أن حديث هذا القائد العربي معي لم يكن طلباً للمساعدة بقدر ما كان تحذيراً”.
وأوضح أوباما أنه رداً على الزعيم العربي: “أخبرته أنني أتمنى العمل معه ومع آخرين لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين جماعة الإخوان المسلمين والاشتباكات العنيفة المحتملة بين الحكومات وشعوبها”.
ورغم هذا وصف أوباما جماعة الإخوان في كتابه قائلا: “بعيدا عن الجيش، كان أقوى تنظيم متماسك في البلاد هو جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية سنية كان هدفها الأساسي أن تحكم الشريعة الإسلامية مصر والعالم العربي كله، وبفضل تنظيمها وتركيزها على العمل الخيري كانت تتفاخر بعدد كبير من الأعضاء، رغم كونها محظورة رسمياً”.
وتبعا لذلك يصف أوباما جماعة الإخوان في ذلك الوقت بأنها “التيار المرجح فوزه في أي انتخابات حرة نزيهة”، لكنه قال إن “العديد من الدول في المنطقة اعتبرتهم خطراً داهماً، كما أن فلسفتها الأصولية تجعلها غير جديرة بالثقة كوصي على التعددية الديمقراطية، وتمثل إشكالية محتملة للعلاقات الأمريكية المصرية”.
بايدن ضد تنحي مبارك
وكشف أوباما معلومة مهمة تتعلق بعدم رغبة الرئيس المنتخب الجديد “جو بايدن” بالإطاحة بمبارك، حينما كان بايدن نائباً له، قائلاً: “نصح الأعضاء الأكبر سنًا والأكبر في فريقي وهم: جو بايدن وهيلاري كلينتون وجيتس وبانيتا بالحذر؛ فهم جميعًا يعرفون مبارك وعملوا معه لسنوات، وركزوا على الدور الذى لعبه منذ فترة طويلة في حفظ السلام مع “إسرائيل” ومحاربة الإرهاب والشراكة مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الإقليمية الأخرى، وبينما أقروا بضرورة الضغط عليه من أجل الإصلاح، حذروا من أنه لا توجد طريقة لمعرفة من يحل محله”.
وقال: “في المقابل كان الأعضاء الأصغر سنا، ومستشار جو بايدن للأمن القومي توني بلينكين، مقتنعين بأن مبارك فقد شرعيته بشكل كامل ولا يمكن استمراره على رأس الشعب المصري، وكانت رؤيتهم أنه بدلا من إبقاء عربتنا مرتبطة بنظام استبدادي فاسد على وشك الانهيار؛ فإن من الحكمة من الناحية الاستراتيجية ومن الصواب الأخلاقي أن تنحاز حكومة الولايات المتحدة إلى قوى التغيير”.
وعلى إثر هذا الخلاف بين مستشاريه قال أوباما: “جمعت بين آمال مستشاري الأصغر سنًا ومخاوف أعضائي الأكبر سنا، فقررت أن أفضل ما يمكن فعله هو معرفة ما إذا كان بإمكاننا إقناع مبارك بتبني سلسلة من الإصلاحات الجوهرية، بما في ذلك إنهاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة”، بما يسمح لاحقا بتقاعد مبارك بشكل مشرف كرجل طاعن في السن.
كواليس التفاوض على التنحي
قال أوباما إنه حين اتصل بمبارك ليطرح عليه فكرة اتخاذ قرارات إصلاحية أكثر جرأة “أصبح أسلوبه (مبارك) هجوميا على الفور، ووصف المتظاهرين بأنهم من الإخوان، وأصر على أن الوضع سيعود إلى طبيعته قريبا”؛ لهذا نصح مبعوثه لمبارك (السفير الأمريكي الأسبق في مصر فرانك ويزنر) أن “يكون جريئا ويدفع مبارك ليعلن أنه سيتنحى بعد إجراء انتخابات جديدة”، كي تتوقف الاحتجاجات بدافع أن التغيير قادم.
ويروى أوباما أن مبعوثه أرسل تقريرا مفاده أن مبارك سيلتزم علنا بعدم الترشح لولاية أخرى، لكنه لم يصل إلى حد تعليق حالة الطوارئ أو الموافقة على دعم انتقال سلمي للسلطة؛ وهو ما أدى إلى توسيع الانقسام داخل فريق الأمن القومي الخاص بالرئيس الأمريكي؛ حيث رأى الأعضاء الكبار أن هذا التنازل من مبارك مبرر كاف للبقاء معه، بينما اعتبر الأصغر سنًا هذه الخطوة -مثل قرار تعيين رئيس المخابرات عمر سليمان نائبا للرئيس- ليست أكثر من تحرك تكتيكي، وسيفشل في تهدئة المتظاهرين.
ولكن أوباما قال إنه بدا أن مبارك وفى بوعده لمبعوثه “ويزنر”، حين قال (في لقاء تلفزيوني) إنه لم يكن ينوي أبدًا ترشيح نفسه لولاية أخرى كرئيس وأعلن أنه سيدعو البرلمان المصري -الذي يسيطر عليه بالكامل- لمناقشة تسريع جدول زمني لانتخابات جديدة.
لكن شروط النقل الفعلي للسلطة كانت غامضة للغاية، حسب أوباما، لدرجة أن أي مراقب مصري سيستنتج أن أي وعود يقدمها مبارك الآن يمكن أن تذهب أدراج الرياح، في اللحظة التي تخمد فيها الاحتجاجات، وقال: “قلت حينئذ بأن هذا (خطاب مبارك) لن يوقف المظاهرات ضده”.
ويقول أوباما بأنه اتصل بعد ذلك بمبارك عارضاً سيناريو لتخليه عن الحكم قائلاً: “قلت له (مبارك) الآن بعد أن اتخذت هذا القرار التاريخي لانتقال السلطة، أريد أن أناقش معك كيف سيحدث هذا، وأقول هذا بأقصى درجات الاحترام، فأنا أريد أن أشارك بتقييمي الصادق حول ما أعتقد أنه سيحقق أهدافك”.
وأضاف قائلاً لمبارك: “إذا بقيت في منصبك وأدى هذا إلى تأخير العملية الانتقالية، كما أعتقد، فإن الاحتجاجات ستستمر وربما تخرج عن السيطرة، وإذا كنت تريد ضمان انتخاب حكومة مسئولة لا يهيمن عليها الإخوان المسلمون، فقد حان الوقت للتنحي فوراً واستخدام مكانتك وراء الكواليس للمساعدة في تشكيل حكومة مصرية جديدة”.
ويتابع أوباما: “على الرغم من أنى كنت أتحدث مع مبارك عادة باللغة الإنجليزية، فقد اختار هذه المرة التحدث إلي باللغة العربية، ولم أكن بحاجة إلى المترجم لالتقاط واستيعاب الانفعالات الغاضبة في صوته”.
فقد قال مبارك بصوت مرتفع: “أنت لا تفهم ثقافة الشعب المصري، إذا مضيت إلى مرحلة الانتقال بهذه الطريقة، فسيكون ذلك أخطر شيء بالنسبة لمصر”.
ويقول أوباما بأن مبارك أصر على ضرورة بقائه في مكانه، وكرر أن الاحتجاجات ستنتهي قريبًا، وأضاف قرب نهاية المكالمة: “أنا أعرف شعبي، إنهم أناس عاطفيون، سأتحدث معك بعد فترة، وسأخبرك أنى كنت على حق”.
ويعترف بأنه “لولا الإصرار العنيد لهؤلاء الشباب في ميدان التحرير، لكنت عملت مع مبارك لبقية فترة رئاستي”، ولكنه كتب يقول: “قد لا أكون قادرًا على منع الصين أو روسيا من سحق المعارضين بهما، لكن نظام مبارك تلقى مليارات الدولارات من دافعي الضرائب الأمريكيين، زودناهم بالأسلحة، وتبادلنا المعلومات، وساعدنا في تدريب ضباطهم، وبالنسبة لي فإن السماح لمتلقي تلك المساعدات -وهو شخص نسميه حليفًا- بارتكاب أعمال عنف غاشمة ضد المتظاهرين السلميين، هو خطأ لم أرغب في السكوت عليه، وسوف يؤدي سماحنا بذلك إلى ضرر كبير بفكرة أمريكا، ومن شأن هذا إلحاق الكثير من الضرر بي أيضا”.
لهذا قال: “قلت لفريقي دعونا نعد بيانًا، ندعو مبارك للتنحي الآن”.
ويضيف أوباما: “بدا أن رسالتنا قد نجحت، فبحلول مساء يوم 3 فبراير تمركزت قوات الجيش المصري لإبقاء القوات الموالية لمبارك منفصلة عن المحتجين، وتراجعت اعتقالات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المصريين، وتدفق المزيد من المتظاهرين بسلام إلى الميدان”.
وفى 11 فبراير بعد أسبوعين ونصف فقط من أول احتجاج كبير في ميدان التحرير، ظهر نائب الرئيس عمر سليمان الذي بدا عليه الإرهاق على شاشة التلفزيون المصري ليعلن أن مبارك ترك منصبه، وأن حكومة تصريف الأعمال بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ستبدأ عملية الانتخابات الجديدة.
ويوضح أوباما أن “التواصل العسكري والاستخباراتي بين واشنطن والقاهرة كان قائما، وكان المعنى الضمني له واضحًا وهو أن التعاون الأمريكي المصري، والمساعدات التي جاءت معه، لم تكن تعتمد على بقاء مبارك في السلطة، لذلك قد يرغب القادة الأمنيون المصريون في التفكير بعناية في الإجراءات الأفضل، والحفاظ على مصالحهم المؤسسية”.
هدايا ثمينة
يتحدث أوباما في كتابه الجديد “أرض الميعاد” عن الهدايا الثمينة التي وضعت في مقر إقامته وإقامة الوفد المرافق له خلال زيارته لدولة عربية؛ حيث عثر أعضاء الوفد على ساعات “غالية” في غرفهم، أما هو فوجد حقيبة بها “نصف طول سلسلة الدراجة” مرصعة بجواهر ثمنها مئات الآلاف من الدولارات.
ويقول إن السلسلة باهظة الثمن جعلته يتساءل “كم هدية مثل هذه وضعت لقادة لا يوجد في بلادهم قواعد ضد قبول الهدايا”، كما جعلته أيضاً يفكر في الشباب في البلاد المسلمة المجاورة الذين لن يمكنهم كل ما كسبوه في حياتهم من لمس ثمن هذه السلسة وكيف يتركون عرضة للأفكار المتطرفة.