أعد الباحث التركي في جامعة أبي بكر بلقايد بولاية تلمسان الجزائرية دمير إسماعيل رسالة دكتوراه بعنوان «ابن الـحاجب حياته وآثاره العلـمية والفكرية»، بإشراف أ.د. زمري محمد.
يدور البحث حول حياة أحد العلماء الذين تركوا بصمة واضحة في حقل الدراسات اللسانية والعلمية والأصولية، هو أبو عمرو عثـمان بن عـمر بن أبي بكر بن يونس الكردي، الدويني الأصل، الإسنائي الـمولد، الفقيه الـمالكي، المعروف بـ»ابن الـحاجب»، والده كان حاجباً للأمير عز الدين بن موسك الصلاحي، خال صلاح الدين الأيوبي، ولد في بلدة «إسنا» التابعة إلى مدينة قوص بصعيد مصر، في عام 570هـ/ 1175م، ووصفه المؤلف بأنه أحد جهابذة النصف الثاني من القرن السادس الـهجري والثلث الأول من القرن السابع.
وعن نشأته، يشير كاتب البحث دمير إسماعيل إلى أن ابن الحاجب رحل مع والده إلى القاهرة في صغره، ونشأ فيها، وانكبّ على الدرس والتـحصيل، وتعلـم القرآن الكريـم وحفظه، ودرس العلوم كالفقه وأصوله حتى أصبح عالـماً في الفقه على مذهب الإمام مالك، وكذلك في علـم الكلام، وفي أصول النـحو وأصول اللغة والأدب، زار بيت المقدس وغزة، ونزل دمشق مراراً، كان آخرها عام 617هـ، وأقام في جامعها مدرِّساً للفقه المالكي، ثم عاد إلى القاهرة.
يقول المؤلف في ملخص بحثه: أسهم ابن الحاجب بقسط وفير في تعليم النشء، وتصنيف الكتب، وإنـجاز التلخيصات بـمنهجية مـحكمة، وتقديـم الشروح بدقة متناهية.
ويضيف المؤلف أن ابن الـحاجب من ضمن العلماء الذين نالوا شهرة في أروقة دور العلم، وحلقات الدروس، وأنارت مصنفاته رفوف الـمكتبات، ونالت كتاباته عن قواعد اللغة العربية إقبالاً من دارسي اللسان العربي من أمم مـختلفة في أفريقيا وآسيا وسائر البلدان الإسلامية، كما أن كتابه «الكافية» حقّق اهتماماً منقطع النظير من العلماء والـمتعلمين.
ويذكر أن عصر ابن الحاجب شهد تـحولات في بُنى الـحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إذ تكوّنت دويلات وإمارات في البلاد الإسلامية، مثل الدولة الأيوبية في مصر والشام بعد ضعف الـخلافة العباسية، وكذلك ظهر من قبلها البويهيـون بفارس، والسلاجقة بالعراق، والفاطميـون بالـمغرب.
ويشير إلى أنه نال ثناء واسعاً من العلماء، فورد اسم ابن الـحاجب في بطون كتب التراجم والمصنفات، وتحدثوا عن غزارة علمه واتساع معارفه، ومدحوا أخلاقه، ورباطة جأشه، ووصفوا تواضعه بشتى الصفات.
فهذا الذهبي يذكره قائلاً: «وكان من أذكياء العلـماء، رأساً في العربية وعلـم النظر، درّس بـجامع دمشق، وبالنورية الـمالكية، وتـخرّج به الأصـحاب وسارت بـمصنفاته الركبان، ولقد خالف ابن الـحاجب النـحويـين في موضوعات كثيرة من مؤلفاتـهم من ناحية النحو».
وابن الـجزريّ: «الإمام العلامة الفقيه الـمالكيّ الأصوليّ النـحويّ الـمقرئ أبو الفتح عـمر بن الـحاجب الأميني، هو فقيه فاضلٌ مفتٍ مناظرٌ مبرِّزٌ في عدة علومٍ متبـحّرٌ مع ثقةٍ ودينٍ وورعٍ وتواضِعٍ واحـتمالِ تكلّفٍ».
والسيوطيّ: «كان ركناً من أركان الدين في العلم والعمل».
ويسهب الباحث في اتصاله بمجموعة غير قليلة من المشايخ أشهرهم الإمام أبو مـحمد القاسم بن فيرة بن خـلف بن أحـمد الرعيني الأندلسي الشاطبي الضرير، درس على يده علـم التفسير والشاطبية، وأبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت بن هاشم بن غالب الأنصاري الـخزرجي الـمنستيري الأصل البوصيري، أخذ عنه علم الحديث.
وعن مؤلفاته، فيذكر أنه تفنّن في تصنيفاته، ونالت لأهـميتها عناية كثير من العلـماء الذين جاؤوا من بعده فتناولوها بالشرح والتعليق، ومن أبرزها في النحو كتاب «الكافية»، وهو أوّل مؤلفاته عن تعليم النحو في العربـية، وكتاب «منتهى الوصول والأمل في عِلْـمَيْ الأصول والـجدل»، وهو مثال من الأمثلة الـمشتركة في طريق أصول الفقه في مناهج الكلاميين.
أخيراً، يشير الباحث إلى أن ابن الحاجب رحل إلى الإسكندرية في نـهاية عـمره وسكن فيها وتوفي بها في عام 646هـ/ 1249م.