“يا له من دين لو كان له رجال!”، هذه العبارة ذكرها المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد عندما قرأ عن عظمة الإسلام، وقارن بينها وبين واقع المسلمين المُر الذي تخلى فيه الكثير من أبناء الإسلام عن دينهم جرياً وراء الأفكار المختلفة.
ولقد أخذت مجلة المجتمع على عاتقها مسؤولية الدفاع عن الإسلام –ولا عجب في ذلك فهي مجلة المسلمين في أنحاء العالم– وانطلاقاً من هذه المسؤولية سنقوم بنشر سلسلة مقالات نتناول فيها تفنيد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حوله.
وإننا إذ نبدأ هذه السلسلة من اليوم فإننا نهيب بالقراء الأكارم بالتعاون معنا وذلك بإمدادنا بالشبهات التي تعرضوا لها أو تثار في محيطهم ونعدهم –إن شاء الله تعالى– أن نرد على كل الشبهات التي ترد إلينا.
خرافة انتشار الإسلام بالسيف:
شبهة قديمة جديدة أثارها أعداء الإسلام حوله حتى ظن الكثير أنها حقيقة!
وقبل أن نفند هذه الشبهة دعونا نؤكد أن الجهاد في سبيل الله تعالى من أعظم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “.. ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه”؟، قلت: بلى يا رسول الله، قال: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ولقد اتفق العلماء على أن الجهاد نوعان:
1- جهاد الطلب: هو الذي يهدف إلى حماية حرية نشر الدعوة وإزالة العوائق أمامها كما يهدف إلى الدفاع عن المستضعفين والمضطهدين بالأرض وفق ضوابط وشروط حددها الفقهاء تحقيقاً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كله لِلّهِ) (الأنفال: 39)، وقال تعالى:(َمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) (النساء: 75).
2- جهاد الدفع: وهو ما يفرضه واجب الدفاع الشرعي المقرر إذا حدث اعتداء على الأمة أو المجتمع أو الدين أو الوطن أو الأفراد.
وهذا الجهاد يزول حكمه بزوال الاعتداء وخروج العدو من بلاد المسلمين، قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
تفنيد خرافة أن الإسلام انتشر بالشيف:
إننا بنظرة سريعة للتاريخ والواقع نرى تهافت هذه الشبهة ونرى أن أعراقا كثيرة وشعوبا كبيرة دخلت الإسلام ودافعت عنه حتى في غياب وحدة سياسية للعالم الإسلامي يمكنها أن تفرض الدين قسراً!
فقد دخل الإسلام الشام ومصر والعراق في زمن قياسي لم تكن القوة العسكرية وحدها قادرة على القيام به، فقد كان للظلم والاستغلال الذي عانته هذه الشعوب دور في اعتناقها للإسلام ونشره، بل واعتنق المغول الإسلام رغم تفوقهم العسكري الكاسح خلال توسع إمبراطوريتهم، واعتنقت شعوب إندونيسيا وماليزيا وغيرها من دول الشرق الآسيوي الإسلام دون أن يصلها جيش مسلم، كما انتشر الإسلام في شرق أفريقيا.
وقد حكم المسلمون الهند أكثر من ثمانية قرون ومع ذلك بقي أكثر من أربعة أخماس الهنود غير مسلمين، ومثل هذا كثير من النصارى واليهود في العراق والشام ومصر –مصر بها ما يفوق الثمانية مليون نصراني- وحكم العثمانيون الشرق الأوروبي وبقي ثلاثة أرباعه غير مسلمين، واليوم نرى الإسلام أكثر الديانات انتشارا في العالم مع الضعف الشديد للمسلمين عسكريا واقتصاديا، وإعلاميا، فهل يمكن القول: إن المسلمين يُكرهون آلاف الأوروبيين على الإسلام؟!
ومما يدل على خرافة هذه الشبهة ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية، حيث يقول: أرسل النبي ﷺ إلى ملوك الأرض يعرض عليهم الإسلام، وكان ممن راسلهم ملك البحرين المنذر بن ساوى يدعوه للإسلام فكتب المنذر إلى النبي ﷺ: “أما بعد، يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إليَّ في ذلك أمرك”.
فكتب إليه النبي ﷺ: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرًا، وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت على أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية”(1)، فأين الإكراه على الدخول في الإسلام؟!
من أقوال المستشرقين في تفنيد هذه الشبهة:
يقول المستشرق البريطاني دي لاسي أوليري: “يوضح التاريخ أن أسطورة المسلمين المتعصبين الذين يجتاحون العالم ويجبرون الأجناس المتحضرة على الإسلام بحد السيف هي واحدة من أكثر الأساطير السخيفة التي يكرّرها المؤرخون على الإطلاق”.
ويقول المؤرخ الفرنسي كوستاف لوبون: “إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم، وكل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلح والإصلاح، لأنهما أنشودة المؤمن، وهو ما أدعو إليه المسيحيين”.
ويقول الكونت هنري دي كاستري: “درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام، فخرجت بحقيقة مشرقة هي أن معاملة المسلمين للنصارى تدل على لطف في المعاشرة، وهذا إحساس لم يُؤثر عن غير المسلمين، فلا نعرف في الإسلام مجامع دينية، ولا أحباراً يحترفون السير وراء الجيوش الغازية لإكراه الشعوب على الإيمان”.
نداء إلى الدعاة:
يا دعاة الإسلام إذا كانت غاية جهاد الطلب ومقصده تبليغ رسالة الإسلام، دون إكراه للناس على الدخول فيه، لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، فإن هذا النوع من الجهاد، وفي ظل الظروف المعاصرة، على الدعاة اليوم الإفادة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي جعلت العالم دار عهدٍ، تسمح فيه الدول بالتنقل وإطلاق الحرية في تبليغ الدعوة واستخدام مختلف الوسائل الحديثة، ووسائل الاتصال المعاصرة للدعوة، وتبليغ رسالة الإسلام بمختلف اللغات وفي مختلف المجتمعات، “وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”.
______________________________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 6/327
(*) باحث في العقيدة وعلم الكلام.