نرجو جميعا الحياة الفضلى والأكثر نجاحًا والأسعد؛ والكثيرون يهتمون بالتخطيط للفوز بها خاصة مع كل عام جديد؛ فتنتعش الآمال وتزيد الطاقات الإيجابية. وننبه لأهمية الانتباه للأعداء الذين أفسدوا خططنا السابقة أو أضعفوا من قدراتنا على تحويلها لواقع يرضينا ويسعدنا، فإن لم ننتبه، فسنمنحهم نفس الفرص ليكرروا منع حصولنا على ما نستحق.
وكأي أعداء؛ منهم من يظهر العداء ومنهم من يختبئ وقد نظنه من الأصدقاء.
لا تظلم نفسك
نبدأ بالأعداء الداخليين؛ أي معوقات النجاح التي نصنعها بأيدينا دون تعمد، وأهمها عدم رؤية الواقع كما هو، وتجاهل أن الحياة لن تهدينا كنوزها بسهولة ولم تمنحها لأحد كذلك، وأنه لا أحد يحقق النجاح؛ فقط لأنه طيب ولا يتمنى الشر للآخرين، ويواظب على تنمية مهاراته بالعمل ويجيد عمله بإخلاص.
ومن يفكر هكذا يظلم نفسه، ويتناسى أن الأنبياء، وهم أطهر وأذكى البشر، واجهوا صعوبات كثيرة، وثابروا لاقتناعهم بأنهم مطالبون بأداء رسالتهم بالدنيا على أفضل وأكمل وجهه، وأمدهم ذلك بالقوة بعد توفيق الخالق عز وجل بالطبع.
لذا فلنراقب التوقعات ولا نتعجل نتائج السعي لتحقيق الخطط.
ومن أعداء هذا العام كورونا، وأكاد أسمع من يقول عن أي عام تتحدثين وهو يبدأ مع تزايد “هجمات” كورونا؟
وأرد بكل الود والاحترام: كورونا يجب أن تدفعنا للاهتمام أكثر للتخطيط ليس للعام فقط ولكن لكل يوم أيضا، ليس لاستثمار العمر بأفضل ما يمكننا فقط، بل لأن الانشغال بصنع الأفضل لحياتنا والفرح والرضا بالإنجازات يضاعفان الصحة النفسية ويحسنان بالتالي الصحة الجسدية، وهما ما “نحتاج” إليهما بشدة أثناء كورونا ودائما.
ألف باء النجاح
نصل للعدو الخبيث الذي يقبع داخلنا ويجعلنا نتوهم أننا سنبدأ من الصفر، وكأننا لم نحقق أي إنجاز بعمرنا، فلنحترم ما حققناه وجميعنا لم نصل لأفضل أحلامنا، ويجب ألا يشل إرادتنا بل يدفعنا لتخطيط أفضل.
و”ألف باء نجاح” أي خطة “زرع” الرغبة بالنجاح، وتعلم كيف تخطي العقبات التي ستواجهنا، وبالتحلي بالمرونة “الذكية” لتعديل خططنا؛ وهي ذكية لأنها تدفعنا للبحث عن أفضل ما يمكننا عمله باللحظة الراهنة، ولا نتهرب مما نراه صعبًا بدعوى المرونة.
والصعب يمكن تقسيمه لمراحل بعد التوقف عن رؤيته صعبًا؛ فلا نهزم أنفسنا بأيدينا، ورؤيته يحتاج للمزيد من التركيز ولوقت أطول وعزيمة أقوى، وألا نتعامل معه بتحد؛ لمنع استنفار الطاقات وإجهادها ورؤيته “فرصة” نسعد بها لتطوير قدراتنا وتحسين ثقتنا بأنفسنا وتوسيع حياتنا.
ولنرفض الاستسلام وتعجل النتائج ونتجنب الخطأ الشائع بالبحث عمن يشاركوننا التخطيط؛ فلكل إنسان خططه المناسبة وفقا لمصالحه ولظروفه ولعزيمته وقدرته على تنفيذ أهدافه وخططه.
أسوأ الأعداء
ولنسارع بطرد العدو “القاتل” الذي يتسلل إلينا ويزين لنا الهروب من تنفيذ الخطط وهو التأجيل، ولنهتم بالالتزام بالخطة ونضع جدولًا شهريًا لها، وآخر أسبوعيًا، وإذا تأخرنا لأسباب طارئة؛ فلنجتهد في تعويضها بأسرع ما يمكن وعدم السماح بتراكمها، حتى لا تصبح عبئا نفسيًا وذهنيًا يرهقنا ويتسبب بالإنهاك، ومن ثم تتراجع العزيمة والقدرات والرغبة بتنفيذ الخطط وزرع “الضعف” بأعمارنا.
ومن أسوأ الأعداء الحكم على النفس بالفشل لعدم الالتزام “التام” بالخطط بالأعوام السابقة، وننصح بقراءتها بهدوء والمسارعة بالتعلم من الأخطاء التي منعت الالتزام بها وتجنب لوم النفس وادخار الطاقات لكتابة الخطط الجديدة للعام الجديد..
مع أهمية الاعتدال وتجنب المبالغة بالتوقعات من النفس، وطرد التقليل منها أيضا؛ ففي الحالة الأولى سنواجه صعوبات صنعناها بأنفسنا، وبالثانية سنهدر العام وهو جزء “غال” من العمر بأداء أقل مما يمكننا فعله به.
ولنكتب قائمة بما نريد فعله في العام من إنجازات على كل المستويات الدينية، وبالعمل أو بالمذاكرة والصحة النفسية والجسدية وتحسين العلاقات الاجتماعية وتدعيم العلاقات الأسرية..
المواجهة بأمانة
نذكر بأهمية كتابة الأفكار والتصرفات التي “تحرمنا” من الفوز بكل ذلك، ليس لنتألم بسببها؛ ولكن لمواجهتها بذكاء بعد كتابتها، والاحتفاظ بها لأنفسنا، ولا نطلع عليها أي أحد مهما كان قربه لنا؛ لمنع التعليقات السلبية وتكسير الهمم، وهو ما يفعله البعض بلا سوء نية ويتعمده آخرون.
وميزة الكتابة للنفس -بأمانة- أنها تضعنا بمواجهة مع كل أعداء نجاحنا وسعادتنا بالحياة، مثل التردد باتخاذ القرارات، أو التسرع والكسل أو الجدية الزائدة “وحرمان” النفس من الراحة والترفيه المباح، مما يتسبب بالإجهاد الذهني والعصبي ويقلل من قدراتنا من الإنجاز ويدخلنا “بدوامات” الإرهاق النفسي والجسدي، ويفسد علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين أيضا.
ونوصي بقراءة هذه المواجهة المكتوبة ولو مرة أسبوعيًا، حتى لا تصرفنا التفاصيل الحياتية اليومية عن “الانتباه” لأهمية التخلص منها أو تقليلها بحزم ويتدرج وبلا قسوة على النفس.
راقب أسلحتك
لتساعد نفسك على رؤية ما “يعطلك” في الفوز بحياة أفضل، اكتب لنفسك ما فعلته خلال الشهر الماضي، وأهم الأفكار التي سيطرت عليك، إيجابية أو سلبية، واكتب المدح الذي تلقيته ممن تعاملت معهم ولا تنس كتابة الانتقادات التي وجهها الآخرون لك، والكلام الذي تقوله لنفسك عند رضاك أو غضبك من نفسك؛ فكل ذلك سيساعدك على التعرف بأفضل ما يمكنك على أسلحتك التي تفيدك وتستخدمها لإنجاح حياتك، والأسلحة الأخرى التي “تهملها” ولا تستخدمها رغم أهميتها.
تذكر أنك لا تحتاج “لنسف” حياتك كلها والبدء من جديد، بل إن إجراء تعديلات “ذكية” على أساليب تفكيرك وتصرفاتك وقضاء أوقاتك كفيلة بأحداث تقدمًا جيدًا لحياتك يسعدك ويرضيك ويزرع داخلك ثقة بالنفس “تؤهلك” بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع للفوز بالأفضل.
توقف عن رؤية أي شيء مفيد صعبًا؛ فالأصعب هو “خيانة” نفسك والسماح للعام بالمرور دون “صنع” أحسن ما يمكنك به، وأن تجعله يضيف لك ولا يخصم منك، وتذكر أنك إن لم تتقدم فستتراجع ولا بديل ثالثا، وإذا لم توفق في أحد خططك للعام الجديد؛ فلا تقل أبدا: أنا فاشل، بل قل: خسرت جولة أو موقفا أو حتى أسبوعا أو شهرا، ولا أحد يكسب دائما..
أسباب الخسائر
واسترح ولا تتحدث عن خسارتك لأحد؛ فالبعض سيهون ذلك ويدعوك للتراخي عن استكمال خططك بالنهوض في حياتك، وآخرون سيسخرون، وغيرهم سيقومون بانتقادك، وكن أنت اليد التي تداوي ألمك من الخسارة، وتعرف على أسباب الخسارة لتتجنبها ولا تكررها، فقد تكون لم تمنح نفسك الوقت الكافي للاستعداد للمهمة، أو لم تهتم جيدًا وكان حماسك قليلًا..
والحماس أهم وقود للنجاح؛ ومهم ألا تبالغ به حتى لا يتناقص تدريجيا أو نتوقع نتائج باهرة بوقت قليل، وهذا غير واقعي، وقد تكون سمحت للناس بإحباطك فابحث عن السبب بهدوء.
واجعل حماسك حليفك المخلص وداعمك الرئيس، ولا تفتش عنه خارجك؛ فلديك ما يكفيك، ولتضاعفه اجعل نيتك في النجاح “إرضاء” الخالق عز وجل، وأن تكون خيرا؛ ففي الحديث الشريف “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”؛ فأعز نفسك وعش قويًا لتنجح وتسعد.
وتذكر أن الحماس -كأي حليف في الحياة- يقوى حينا ويفتر حينا؛ فعندما يقوى فسارع بالاستفادة “القصوى” منه، وعندما يتراجع “فثبته” ولا تسمح للتراجع بالإقامة بعمرك وسارع بطرده.
ولا نرى أن الظروف المحيطة بنا -أيا كانت- من الأعداء؛ فإذا تأملنا حياة الناجحين بكل العصور فسنرى أن الظروف حولهم لم تكن مشجعة أبدا لنجاحهم؛ وإنهم تعرضوا لمضايقات وتم وضع العراقيل أمامهم “لمنع” نجاحهم، لكنهم تخطوها الواحدة تلو الأخرى، ونستطيع فعل ذلك بدلا من التباكي أن هناك من يعادينا؛ فلنحب أنفسنا ولنرَ دورنا في صنع العداء؛ وإن لم يمكننا الإصلاح أو تحييده؛ فلنتجاهلهم بعد “تأمين” أنفسنا ونركز بتحقيق أهدافنا.
واهتم بمكافأة نفسك معنويا وماديا عند كل تقدم تحققه؛ فالمكافأة تنعش النفس وتقوي الحماس وتضاعف العزيمة وتوسع الحياة، فاستمتع بها واجعل شعارك بالحياة قول الشاعر أبي القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعيش أبد الدهر بين الحفر
والقول البديع: “أن تطلب اللؤلؤ عليك بالغوص بعمق البحر، فما على الشاطئ غير الزبد”.