استبعدت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي تركيا من برنامج صناعة المقاتلة الحربية من الجيل الخامس “أف-35” الأمريكية، المعروف ببرنامج طائرات الهجوم المشترك “JFC”، مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
وكانت تركيا وقعت على مذكرة التفاهم المشتركة الخاصة بتصنيع أجزاء من طائرة “أف-35” عام 2007م إلى جانب ثماني دول، هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وأستراليا والدنمارك وكندا والنرويج، وعلى ضوء هذا الاتفاق باشرت أنقرة بتصنيع أجزاء من الطائرة البالغ عددها 900 قطعة، ودفعت قرابة 1.5 مليار دولار أمريكي في إطار المشروع، كما أرسلت بعثة من الطيارين الحربيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأخذ تدريبات مكثفة لتعلم كيفية قيادة الطائرة.
وتتخذ واشنطن من شراء أنقرة للمنظومة الروسية للدفاع الجوي “أس-400” عام 2019م ذريعة لتبرير استبعاد تركيا من البرنامج، وجاءت هذه العقوبات مستندة إلى قانون معاقبة الدول المتعاونة مع خصومها المعروف اختصاراً بـ “CAATSA”.
البدائل التركية
تعتبر أزمة الصواريخ الروسية من أعمق الأزمات بين تركيا وأمريكا، وتسعى أنقرة إلى تدارك النقص في قواتها الجوية بعد منع حصولها على المقاتلات المتطورة، من خلال البحث عن خيارات بديلة كالطائرات الروسية، لكنها قبل ذلك شرعت بتطوير أسطول مقاتلاتها الحربية بجهود ذاتية، وتطوير مشروع المقاتلة الشبح المصنعة محلياً، وإلى حين الوصول للهدف تعتمد في مواجهة التحديات على حدودها مع العراق وسوريا على الطائرات المسيرة.
تطوير مقاتلات “أف- 16”
كشف مدير معهد أبحاث وتطوير الصناعات الدفاعية التركية غورجان أوقومش، في تصريح لوسائل إعلام محلية الأحد الماضي، عن عزم بلاده دمج صواريخ جو-جو في مقاتلات “أف- 16” الأمريكية، لإطالة عمر وتقوية فعالية طائراتها الحربية.
أوقومش أكد أن معهد أبحاث وتطوير الصناعات الدفاعية التركية، جاهز لتزويد قوات الأمن والجيش بمجموعة من الصواريخ والذخيرة عالية التقنية والمطورة محليًا ومنها صواريخ جو جو، مشيراً إلى أن تركيا بدأت العمل على صواريخ “غوكتوغ” و”بوزدوغان” و”سوم جي”، منذ العام 2013م، بإشراف مؤسسة الصناعات الدفاعية، حيث جرت تجارب عديدة على الصواريخ، وأثبتت إمكانية عالية في التجارب.
وأوضح المسؤول التركي أن الصواريخ المحمولة على جناح الطائرات “سوم جي 1 و2″، ويبلغ مدى إطلاقها 110 كيلومترات أثبتت إمكانية توافقها مع مقاتلات “أف- 16″، ومع الطائرة المسيرة تركية الصنع بالوقت نفسه، مستدركاً أن إنتاجها بدأ بشكل فعلي مع اكتمال التجارب عليها.
طائرة الشبح التركية
فرض الواقع الجديد في العلاقة مع واشنطن على تركيا تحديات جديدة إقليمية ودولية، فعلى الصعيد الإقليمي لا تزال الأراضي التركية تتعرض لمخاطر وتحديات كبيرة مصدرها حزب العمال الكردستاني في العراق وسورية، تراجع خزين صواريخ طائرات “أف– 16” جعلها تعتمد على الطائرات المسيرة في عملياتها العسكرية.
دولياً دخلت اليونان في سباق تسلح مع أنقرة، على خلفية المشكلات في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تسعى أثينا لتعزيز سلاحها الجوي بمقاتلات الجيل الخامس المتطورة، من خلال سعيها للحصول على طائرات “أف-“35 الأمريكية، كما أنها وقعت اتفاقية شراء طائرات “رافال” الفرنسية، ومن هنا بات الحصول على المقاتلات الحديثة هدفاً إستراتيجياً أمام صانع القرار التركي.
هذا التحدي دفع تركيا للمضي قدماً في صناعة طائرة الشبح الخاصة بها، ضمن مشروع الطائرة القتالية الوطنية (TFX)، بهدف تصميم وتصنيع وتركيب طائرة قتالية شبحية من الجيل الخامس بإمكانات ذاتية خالصة، وبتكلفة قد تصل إلى نحو 20 مليار دولار، وستكون جميع أجزاء المقاتلة بالإضافة إلى المحرك صناعة محلية بالكامل، وفي حال نجاح المشروع ستصبح تركيا رابع دولة تمتلك البنية التحتية والتكنولوجية لإنتاج طائرات حربية من الجيل الخامس بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين.
يشار إلى أن تركيا صنعت وطورت محليا 240 مقاتلة “أف-“16، كما شاركت شركة (TUSAŞ) التركية في تصنيع الجزء الأوسط من بدن المقاتلة الأمريكية “أف-35″، بالإضافة إلى مشاركة عديد من الشركات التركية في تصنيع نحو 900 قطعة مختلفة من قطع وأجهزة هذه المقاتلة، وهو ما وفر لها البنية التحتية من التكنولوجيا اللازمة لتصنيع مقاتلتها الشبحية من الجيل الخامس (TFX).
وفي وقت سابق صرح المدير العام لشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TUSAŞ) تمل كوتيل، لوكالة “الأناضول”، أن مشروع المقاتلة الوطنية سينجز من قبل 3 آلاف فرد من “TUSAŞ”، إضافة إلى حوالي 3 آلاف آخرين من شركات أخرى ستساهم في المشروع، وأن محرك المقاتلة سيتم تشغيله عام 2023م، وستتم أولى تجارب الطيران عام 2025م، فيما سيتم تسليمها إلى القوات الجوية عام 2028م.
تحدي الطائرات المسيرة
سعي واشنطن للجم الطموحات العسكرية لتركيا لم يكن وليد اللحظة، ومنعها من الحصول على طائرات “أف – 35” ليس الأول من نوعه إلا أنه الأخطر، فقبل أكثر من عقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حضراً على أنقرة يتعلق بتصدير الطائرات المسيرة والتكنلوجيا المتعلقة بها.
هذا التحدي دفع تركيا للاعتماد على الذات في صناعة الطائرات المسيرة، ونجحت بتبوء مكانة مرموقة في قائمة الدول المصنعة لهذا النوع من السلاح العسكري الحديث، فطورت الشركات التركية طرازات مختلفة من المسيرات ذات قدرات حربية مميزة، كشفت عن قدراتها الحاسمة في معارك أذربيجان، وفي ليبيا وقبل ذلك في سورية.
وتمتلك تركيا نوعين من الطائرات المسيّرة هما؛ طائرات مراقبة ويطلق عليها اختصار “İHA”، وطائرات مسلحة تُعرف بـ”SİHA”، وتنتج عدة شركات هذه الأنواع من المسيرات، حيث تنتج شركة “TUSAŞ” نوعين مهمين هما “أنكا وأكسونغر”، فيما تنتج شركة “بايكار” كلًّا من “بيرقدار تي بي 2″ و”بيرقدار-أكينجي”.
وتتعدد مميزات هذه الطائرات وأهمها؛ قدرتها على التخفي من الرادارات، وحمل صواريخ ذكية وقنابل فعالة، والقدرة على التحليق على ارتفاعات شاهقة، إمكانية البقاء في الجو لأكثر من 24 ساعة بشكل متواصل، ولها قدرة على المناورة وإصابة الأهداف الثابتة والمتحركة، كما أنها تمتلك نظام الطيار الآلي الذي يجعلها قادرة على الهبوط والإقلاع تلقائياً.