تحدثنا فيما مضى حول السعادة ومكوناتها وبعض الأسباب الجالبة لها بأكثر من مقال، وهنا نكمل هذه السعادة التي بالأصل أنت تملكها وهي نابعة من داخلك.
يجب عليك ألا تنقطع عمن تحب وتحرص كل الحرص على أن تلتقي بالأشخاص الأقرب إلى قلبك وعقلك وتفكيرك المنطلق من حب الله والعمل على رضاه والحذر من غضبه جل جلاله، فمع هذه النوعية من الأشخاص تكون قد تغلبت على بعض تحفظاتك، وصارحت بقصد أو بدون قصد المجموعة أو الصديق، وهذا بحد ذاته فيه الكثير من التنفيس الذي يرفع القلق، ويدخل السعادة، وكما هو معلوم، جميعنا نسعى بكل ما نستطيع من سبل للوصول إلى السعادة في بيوتنا وحياتنا وذواتنا، وكل منا له طريقته ووسائله للوصول إلى هذا الهدف المنشود الموصل للسعادة.
والسعادة أنواع، لكل شخص منا له ما يسعده كما يراه وكما يتوقعه ويريده، فهناك من يسعد بقرب العائلة، وهناك من يسعد في المال، وهناك من يسعد برضا والديه عليه، والأمور كثيرة بكثرة البشر وأمزجتهم وتربيتهم الاجتماعية والمجتمعية.
ومن الأمور الجالبة للسعادة إعادة شريط إنجازاتك التي قمت بها، وكانت لها أدوار إيجابية على حياتك أو حياة أسرتك أو حياة الغير، ولا شك أن من أهم أنواع السعادة -إذا جاز التعبير- علاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى، ومنها العبادة على المستوى الشخصي، وأيضاً ما يخص الآخرين والمجتمع؛ حيث تقديم النصح أو بالأحرى العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم العودة إلى الله تعالى في كل حال وأي حال، والرضا بما قسمه الله تعالى لك، والخيرة ما اختاره الله تعالى.
ومن السعادة الدائمة على القلب والروح التمسك بالصبر، نعم بالتصبر والصبر على الضراء، والحمد والشكر دائماً وأبداً على كل حال وأي حال، ولا شك بعد بذل الأسباب التي أمرنا الله بها لمواجهة ما هو سلبي وتقويمه، وما هو إيجابي وتعزيزه أو تطويره ما استطعنا، ثم التسليم والرضا لأقدار الله تعالى عالم الجهر وما يخفى.
أنت سعيد حينما تكون بصحة وعافية جسداً وروحاً وديناً، ولديك أصدقاء من الصالحين، وتحب مجالستهم ومسامرتهم، وتكره مجالس السوء ومصاحبة أهلها، فهذا من السعادة، ومن حسن اكتمالها محافظتك أيها الإنسان على الورد اليومي وذكر الله تعالى دائماً، فبذكر الله تعالى يجب أن تعلم أن الله الذي خلقك عبداً له أنه بجلاله وعظمته يذكرك، وهذه سعادة ما بعدها سعادة متى ما استشعرتها بدقة وإيمان، ويجب ألا تتوقف عن التفكير الإيجابي، والابتعاد عن التفكير السلبي، ومن ثم التغيير بكل حزم وحسم لأفكارك السلبية، فهي نوع من الطيرة الممقوتة شرعاً، ويجب أن تفكر عكس ذلك، يجب أن تفكر بتفاؤل كما قال أهل الحكمة: “تفاءلوا بالخير تجدوه”، وكان صلى الله عليه وسلم “يحب الفأل الحسن”، ومن ثم تقبل الحياة كما هي ولا تشعب الأمور، ومن ثم تعقيدها على نفسك، فهذا من الأمور الطاردة للسعادة.
كثيراً ما يكون طريق السعادة معقداً إذا لم يكن له إطار ومنهج بسيط مبسط، وهو المنهج الأسهل وهو الدين القويم، فخلوتك ليلاً مع الله تعالى مثلاً فيها من السعادة التي لا يستشعرها إلا من يمارسها بصدق.
“الابتسامة في وجه أخيك صدقة”، كما قال صلى الله عليه وسلم، إفشاء السلام والسؤال عن الخير وأهل الخير والأحباب الذين يعملون الخيرات في سبيل الله، فهذه المسائل والأمور جالبة السعادة، ففي الشرع والدين السعادة لم تكن محصورة في الأمور والجوانب المادية، وإن كانت الأمور المادية من عناصر السعادة أو بالأحرى من وسائل السعادة، قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف: 32)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح”.
يقول بعض الفلاسفة: ليست السعادة غياب المشكلات، وإنما السعادة هي القدرة على التعامل مع هذه المشكلات، والسعادة قد تكون بسبب تراكمات صغيرة بتجميعها تؤصل في نفس الإنسان كتلة كبيرة تجلب له الكثير من السعادة.
واعلم أيها المسلم، وأنت تسير في الشارع وترى الناس والأطفال وتدعو لهم بالخير تدخل عليك سعادة لا تتوقعها، جربها وسترى نتائجها الإيجابية، فهناك ملك يقول: “ولك مثله”، وهذه متى ما استشعرتها تملكتك وتدخل عليك الكثير والكثير من السعادة والسرور.
__________________
إعلامي كويتي.