كثيرون منا يتساءلون: هل المعنيّ بـ”حسن الظن” فقط حسن الظن بالله تعالى، أم هناك غير ذلك؟
لا شك أن الأصل حسن الظن بالله تعالى، كما أوصانا سبحانه وتعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مخبراً عن ربه: “أنا عند ظن عبدي بي”، وأيضاً هناك الحث على حسن الظن في الناس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً..”، وهناك حسن الظن في الذات والنفس، وهذا الأخير اختلف فيه أهل العلم والدعاة، فمنهم من كرّهه، ومنهم من أجازه مع التحفظ والحرص على الوسطية، ولنا حديث حوله لاحقاً.
نعم، حسن الظن في الناس والنفس وقبلهم حسن الظن في الله تعالى، وهذا يؤدي إلى التفاؤل والتوكل على الله تعالى، والتسليم لأقداره، وأن أقداره سبحانه وتعالى هي الحق والأفضل والأخْيَر، والتفاؤل، كما يقول أهل الاختصاص، من الأمور أو الظواهر النفسية التي بذل فيها المختصون النفسيون الجهود لفهمها، وقالوا فيها ما هو حقيقي، وما هو في مراحل النظريات، مثل علوم العقل الباطن وفروعها وتشعباتها.
التفاؤل في ديننا الإسلامي له قيمة إيجابية رفيعة جداً، وحث عليها كتاب الله تعالى، وأيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُنته، وذكرت النصوص ذلك محذرة من القنوط، قال تعالى: (فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) (الحجر)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح”، والفأل الصالح هو الكلمة الحسنة، والطيرة هي التشاؤم.
وحسن الظن بالله هو جامع الخير بالأقدار، وباب التفاؤل والأمل العظيم، والأمل هو باب صغير الحجم، يعتبره البعض، إلا أنه يفتح أبواب الحياة كلها، ولا يمكن للإنسان أن يعيش من غير أمل، وكما قيل: “إذا فقدت مالك فقدت شيئاً له قيمة، وإذا فقدت شرفك فقد ضاع منك شيء لا يقدر بثمن، وإذا فقدت الأمل فقد ضاع منك كل شيء”.
قال الله تعالى في كتابه الكريم موجهاً عباده بحسن الظن بربهم وخالقهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب)، الأحداث السائدة في العالم اليوم تجعل كثيراً من المسلمين في حالة من التشاؤم والإحباط والطيرة، وهذا يكون بسبب ضعف الإيمان في هذا الإنسان الذي تأثر بهذه الأمور سلباً، وهذه النوعية من الناس يتوقعون الشر حسب الأحداث أكثر من توقع الخير، وهي مقدمة في تأصيل سوء الظن بالله عز وجل، وهذا عكس ما جاء في السُّنة النبوية: “إن الله جل وعلا يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله”.
فانتشار سوء الظن بالبشر لا يجني إلا البوار والتشاؤم والفشل وعدم الصلاح، والبعد كل البعد عن الأمل والصلاح والفلاح.
حسن الظن لا يأتي إلا بالخير والصلاح والفلاح، ومن حسن الظن بالله تعالى وأقداره وأنها هي الخير، والخيرة ما اختاره الله تعالى، هذا هو ظن المؤمن الذي يعلم أنه تحت أقدار الله في كل وأي حال، وأقداره كلها خير سبحانه وتعالى، ولا يعني هذا أن الإنسان لا يتأثر، بل يتأثر، وكان من هم أفضل منا جميعاً تأثروا ومن ثم تساءلوا، ولكن كانت النتيجة حتمية، وما هي إلا دليل على حسن الظن بالله تعالى وأقداره، قال تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ) (البقرة: 214).
كانت النتيجة الحتمية وهي دليل حسن الظن والاعتقاد بالله، فكان الجواب من الله تعالى تطميناً لهم ودليلاً على حسن اعتقادهم وظنهم فقال تعالى: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
نختم بهذه الأبيات الجميلة، ونكمل في السطور القادمة، إن شاء الله تعالى، الحديث حول حسن الظن بالناس وبالذات.
ولرب حاجات تعسّر نيلها والخير كل الخير في تعسيرها
كن واثقاً بالله فيما قد قضى واترك أموراً قد دعاك لغيرها
واجعل حياتك كلها بيد الذي لولاه لن تقوى على تدبيرها
واترك هواك لأمر ربك واحتسب لا تلتفت للنفس عند زئيرها
من يتقِ الرحمن يلقَ سعادة يعيا لسان الخلق عن تفسيرها