ألغت المحكمة العليا الأمريكية، مساء الجمعة الماضي، قرار “رو ضد وايد” الصادر عام 1973م، الذي يعطي الحق للمرأة في الإجهاض، لتسمح بذلك للولايات بالحق في تقييد الأمر كما كان سائداً قبل السبعينيات؛ ما اعتبره التيار المسيحي المحافظ انتصاراً له.
وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم “رو ضد واد” الذي صدر عام 1973م ليكرس حق المرأة في الإجهاض، وقالت: إن بإمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيده كما ترى، كما كان سائدًا قبل السبعينيات.
ورفضت المحكمة الحُجة التي استندت إليها قضية “رو ضد واد” ومفادها أن للنساء الحق في الإجهاض على أساس الحق الدستوري في الخصوصية على أجسادهن.
وقبل نصف قرن، أقرت المحكمة العليا عام 1973م الحق في الإجهاض في قضية تعرف باسم «رو ضد ويد»، حيث أقرت المحكمة آنذاك أن الإجهاض شأن شخصي لا يحق للدولة التدخل فيه، شريطة أن يحصل ذلك قبل حلول الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل.
لكن نفس المحكمة أعلنت في عام 2022م أن “الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض.. تعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثليهم المنتخبين”.
وعقب قرارها، اندلعت مظاهرات ضخمة من مؤيدي الإجهاض مقابل فرحة وسعادة داخل التيار الإنجيلي المتطرف الذي سعى لهذا القرار الديني في دولة لا ينص دستورها على أي دين.
وأشادت منظمات يمينية مسيحية مثل “الأغلبية الأخلاقية”، و”التحالف المسيحي”، و”مجلس السياسة العامة” ورموز التطرف المسيحي من أمثال جيري فولويل، وبات روبرتسون، ومنابر الوعظ في الكنائس البروتستانتية بحظر الإجهاض، معتبرين أنه قضية تتعلق بالدين.
وأظهرت ردود الفعل والاحتجاجات والتأييد من جانب جماعات مسيحية، الصراع الدائرة في المجتمع الأمريكي بين المحافظين الدينيين الذين يطالبون بحظر الإجهاض والشذوذ والعلاقات الجنسية خارج الزواج، وغالبية الأمريكيين العلمانيين.
فقد وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب المدعوم من هذه المجموعات المسيحية الإنجيلية إلغاء حق الإجهاض في أمريكا بأنه “قرار الله”، وقال ترمب لشبكة “فوكس نيوز”: إن “الله اتخذ القرار”.
فيما وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم بأنه “خطأ مأساوي” نابع من أيديولوجيا متطرفة، معتبراً أنه “يوم حزين للمحكمة والبلد”.
وهناك صحوة دينية داخل أمريكا يصاحبها دعوات لدور متنامٍ للدين المسيحي في المجتمع، وهو ما يمثل انعكاساً أو صدى لأفكار فريق كبير من الشعب الأمريكي الذي يقطن أغلبه المناطق الريفية أو الجنوب الأمريكي.
ويمثل حكم المحكمة العليا “نصراً” عملت من أجله طويلاً حركة مسيحية محافظة جيدة التنظيم وفيرة التمويل لدفع المحاكم الأمريكية في اتجاه اليمين بمساعدة نشطاء قانونيين ومناورات سياسية من جانب ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ.
وخلال رئاسته، عيَّن ترمب 3 قضاة محافظين؛ ما جعل الأغلبية في المحكمة التي تضم 9 قضاة لصالح المحافظين الدينيين المسيحيين بنسبة 6 مقابل 3 فقط ليبراليين، لذا اتهم الرئيس بايدن ترمب بأنه والمتطرفين المسيحيين وراء صدور هذا الحكم.
واعترف الرئيس الديمقراطي جو بايدن بدور ترمب الحاسم في إبطال الإجهاض، وقال بايدن: 3 قضاة عيَّنهم رئيس واحد، هو دونالد ترمب، كانوا أساس القرار الذي صدر اليوم بقلب ميزان العدالة واجتثاث حق أساسي للنساء في هذه البلاد.
وكانت المحكمة قبل قرار ترمب تتكون من 4 قضاة محافظين، مقابل 4 قضاة ليبراليين، لكن صارت بها أغلبية راسخة من القضاة المحافظين عددها 6 قضاة مقابل 3 قضاة ليبراليين عند نهاية رئاسته.
وصوتت المحكمة على القرار بأغلبية 6 أعضاء مقابل رفض 3 منهم، وكان القضاة الثلاثة الذين عيَّنهم ترمب من بين الأغلبية التي أبطلت الإجهاض في قضية “رو ضد ويد”.
وكان ترمب أول رئيس أمريكي يحضر مسيرة من أجل الحياة، في عام 2020 التي ينظمها سنوياً في واشنطن مناهضو الإجهاض.
ومن المتوقع أن يتأثر بهذا القانون حوالي 36 مليون امرأة في سن الإنجاب، وفقًا لبحث أجرته منظمة الأبوة المخططة، وهي منظمة رعاية صحية تقدم عمليات الإجهاض.
ما قضية «رو ضد وايد»؟
في عام 1970م، رفعت نورما مكورفي (اسمها المستعار جين رو) دعوى قضائية ضد وزير العدل بولاية تكساس هنري وايد، اعتراضاً على قانون الولاية الذي يحظر الإجهاض إلا في الحالات المُهدد للحياة.
كانت مكورفي غير متزوجة وحاملاً بطفلها الثالث وتطلب الإجهاض، قالت في البداية: إنها تعرضت للاغتصاب، لكنها تراجعت عن هذا الادعاء لعدم وجود تقرير لدى الشرطة، بعدها أوكلت مكورفي محاميتين باشرتا قضيتها ضد الدولة.
بالنهاية، قضت المحكمة العليا الأمريكية، في 22 يناير 1973م، بأن قانون الدولة «المقيد وغير المبرر» للإجهاض «غير دستوري».
وشهدت قضية “رو ضد وايد” التاريخية عام 1973 حكم المحكمة العليا بأغلبية 7 أصوات مقابل اثنين بأن حق المرأة في إنهاء حملها محمي بموجب دستور الولايات المتحدة.
وأعطى الحكم المرأة الأمريكية حقًا مطلقًا في الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لكنه سمح بفرض قيود في الثلث الثاني من الحمل وفرض حظر في الثلث الثالث.
ولكن في العقود التي تلت ذلك، قلصت الأحكام المناهضة للإجهاض بشكل تدريجي الوصول إلى أكثر من 12 ولاية.
حرب أهلية
وسبق أن حذر اليمين المسيحي في الولايات المتحدة من حرب أهلية بسبب الإجهاض، وقالت صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية: إن شخصيات بارزة تنتمي إلى اليمين المسيحي في الولايات المتحدة تشمل كتاباً في المجلات الدينية وسياسيين منتخبين، حذرت من أن المعركة حول حقوق الإجهاض يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية جديدة.
وأوضحت “الأوبزرفر” أنه على الرغم من أن هذه التنبؤات الرهيبة ليست بالأمر الجديد بالضرورة في أقصى اليمين بالولايات المتحدة، فإن إقرار موجة من القوانين المتشددة المناهضة للإجهاض في العديد من الولايات عزز التنبؤات التي تغذي التآمر التي تصور الإجهاض بشكل مباشر كسبب رئيس للصراع القادم.
بل تكهن مشرعون جمهوريون، مثل كانديس كيلر، من ولاية أوهايو، علناً بأن الانقسام حول حقوق الإجهاض قد يؤدي إلى حرب أهلية، كما تكهن المشرع الجمهوري لولاية واشنطن مات شيا أيضًا بالحرب الأهلية و”بلقنة” أمريكا.
وتوقع أن يتراجع المسيحيون إلى “مناطق الحرية” مثل المحيط الهادئ الشمالي الغربي حيث يقوم “شيا” بحملة من أجل إقامة دولة جديدة للابتعاد عن واشنطن.
وعندما سئل “شيا” عما إذا كان يمكن أن يظل نصفا أمريكا معاً، قال: “لا أعتقد أننا نستطيع، مرة أخرى، لأن لديك نصفاً يريد أن يتبع الرب والعدل والنصف الآخر لا”.
وسبق أن أظهر استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” الشهير، أن 68% من المسيحيين الأمريكيين يريدون أن يكون هنالك تأثير لـ”الكتاب المقدس” على قوانين بلادهم، وارتفعت النسبة بين البروتستانت الإنجيليين البيض إلى 89%.
كما أظهرت استطلاعات “بيو” أن 55% من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة بانتظام، مقابل 10% في فرنسا، و6% في المملكة المتحدة.
في السنوات اللاحقة، بدأ نشطاء محافظون مثل فيليس شلافلي، طرح هذه القضية باعتبارها تهديداً للقيم التقليدية، وقاموا بحشد دعم الكنائس الإنجيلية.
وصورت هذه المجموعات الإجهاض على أنه تهديد لنسيج الأسرة جنباً إلى جنب مع التطورات الاجتماعية الأوسع مثل حقوق المثليين، وارتفاع معدلات الطلاق، وعمل النساء خارج المنازل.
وتقول ماري زيجلر، المؤرخة القانونية في جامعة كاليفورنيا ديفيز: إن الإجهاض أصبح بالنسبة للقساوسة ورعية الكنائس قضية دالة على المخاوف بشأن مجتمع آخذ في التحرر، والأمر يتعلق أكثر بالأسرة والمرأة والجنس.
نفوذ إنجيلي متصاعد
ويملك الإنجيليون نفوذاً كبيراً على السياسة الأمريكية، وهم يرفضون أسلوب الحياة الحديث، ويمجدون الأمة والسلاح والتقاليد المسيحية، ويمثلون أقوى جماعة دينية في البلاد، ولهم تأثير كبير عبر الحزب الجمهوري.
ويرفض العديد من الإنجيليين مواضيع مثل الإجهاض والجنس قبل الزواج والشذوذ الجنسي، وهي تتوعد الخارجين عن خطها بنار جهنم وبتشكيل مليشيات شبه عسكرية، يريدون الدفاع عن أنفسهم بقوة السلاح ضد غير المؤمنين والشيوعيين والمسلمين.
وكلمة «إنجيلي» هي الترجمة الشائعة لمصطلح «إيفانجيليكل» (Evangelical)، ويُقصد بها في الولايات المتحدة كل الطوائف المسيحية البروتستانتية التي تميزت عن البروتستانت التقليديين بعدد من المعتقدات، أبرزها إيمانها بمفهوم «الولادة الثانية» أو ولادة الروح، ويُعتقد أنهم يشكلون نحو ربع سكان الولايات المتحدة.
ويقول أتباع هذا الطيف الديني المتمثل في الإيفانجليكية: إن اندفاعهم باتجاه السياسة الأمريكية والانتخابات جاء في أعقاب قرار المحكمة العليا في القضية التاريخية “رو ضد وايد”.
و”الإيفانجليكية” حركة فكرية داخل اليمين الديني الجديد، ذات طابع إحيائي، جوهرها يتمحور حول التفسير الحرفي للعهدين القديم والجديد من “الكتاب المقدس” أي التوراة والإنجيل.
وهي حركة صنفها المفكر عبدالوهاب المسيري ضمن جماعات “الصهيونية ذات الديباجة المسيحية”، في موسوعته الشهيرة “اليهود واليهودية والصهيونية”.
فهي دعوة أصولية في الأوساط البروتستانتية المتطرفة تستشهد بقيام دولة “إسرائيل” على تحقق النبوءة المفسرة حرفياً من الكتب المقدسة، وفحواها يدور حول إعادة اليهود إلى أرض الميعاد، فلسطين، ليتم التمهيد لعودة “المسيح”، حيث ستجري المعركة الكونية الفاصلة في “هرمجدون”.
ويؤكدون أن عودة اليهود شرط الخلاص، على الرغم من اعتقادهم بهلاك ثلثي يهود العالم ممن يقف في وجه المسيح المخلص في تلك المعركة، فهي مزيج غريب من الحب والكره والدفاع والاستغلال إزاء اليهود و”إسرائيل”.
رأي الشريعة الإسلامية:
أما رأي الشريعة الإسلامية حول هذه القضية؛ فقد ذكرت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، في فتوى على موقعها الإلكتروني أن الفقهاء أجمعوا على أن الجنين إذا نُفخت فيه الروح ببلوغه في بطن أمه 4 أشهر قمرية، يحرم إسقاطه.
وأكدت لجنة الفتوى أن إسقاط الجنين بعد تخلقه في بطن أمه وقبل نفخ الروح فيه خلال الأربعين يوماً الأولى فقط من خلقه بغير عذر شرعي.. حرام أيضاً.
وحددت اللجنة حالة واحدة للإجهاض هي “إذا ثبت بالتقرير الطبي أن الجنين يعاني من مرض وراثي مزمن، وبقاء هذا المرض فيه خطورة على الأم والجنين معاً، وأن إسقاطه من باب الضرورة التي لا تندفع إلا بنزوله فيجوز إنزاله“.
ومع هذا قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في لقاء تلفزيوني: “إنّ القول بإباحة إجهاض الجنين المشوّه قول غير صحيح؛ لأنه من المعلوم أنّ الحياة لا تخلو من الآلام بحال من الأحوال”.
وأكد أن “من يقولون بإباحة إجهاض الجنين المشوّه تفادياً لما قد تتعرض له أسرته في المستقبل من ألم نفسيّ واهمون يركضون خلف سراب خادع“.
وشدد على أنّ الحل ليس إباحة إجهاض الأجنة المشوهة، وإنّما إنشاء مؤسسات اجتماعية لإيواء الذين يولدون بعاهات وتشوّهات وتوفير حياة كريمة لهم.