قفزات متتالية في حجم الديون المستحقة على مصر مع تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي أثارت القلق وربما الفزع سواء في الشارع المصري أو في الدوائر الاقتصادية، وبدأ الجميع يتساءل: هل تعجز مصر عن سداد ديونها والوفاء بالتزاماتها وتلقى نفس المصير ويتكرر معها سيناريو سريلانكا التي أعلنت إفلاسها واعترفت بعجزها عن سداد الديون.
أزمة الديون المصرية بلغ صداها لدى مؤسسات تراقب أداء اقتصاد الدول، ومنها وكالة “بلومبيرج” الأمريكية التي حذرت، في تقرير لها، من أن مصر وتونس من بين الدول المرجح تعثرها في سداد ديونها الخارجية، على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضحت أن سريلانكا أول دولة توقفت عن سداد مستحقات حاملي سنداتها هذا العام، مثقلة بتكاليف الغذاء والوقود الباهظة التي أججت الاحتجاجات والفوضى السياسية فيها.
قفزة تاريخية
وقالت الوكالة، في تقريرها: إن على مصر نحو 4 مليارات دولار من الديون الخارجية المستحقة في نوفمبر 2022م، و3 مليارات دولار أخرى مستحقة في فبراير 2023م.
وكشف التقرير أن التركيز في الوقت الحالي يتحول إلى السلفادور وغانا ومصر وتونس وباكستان، وهي دول من المرجح أن تكون عرضة للتعثر في السداد.
وقفزت الديون المصرية إلى منحنى جديد، لتصل إلى حدود 158 مليار دولار أمريكي مع نهاية الربع الأول من العام الحالي (2022م)، وفقاً لبيانات البنك الدولي التي نقلتها وكالة “بلومبيرج”، مطلع الأسبوع الماضي.
مصر بالمركز الخامس في قائمة احتمالات التعثر
أما نموذج سقوط سريلانكا في هاوية الإفلاس فقد برز في مايو الماضي، حيث سجّلت سريلانكا أول حالة تعثر هذا العام عن سداد الديون الخارجية المتمثلة في السندات، وهو ما أنذر بأزمة في سوق الأسواق الناشئة، بحسب محللي بنك “باركليز”، إذ قد يتكرر الأمر في أماكن أخرى.
ووفقاً لـتقرير لـ”بلومبيرج”، يحوم الغموض حول السندات المستحقة لدى مصر وغانا مع الديون الهائلة عليهما، وفي ظل استمرار الحرب وأزمات الغذاء، قد يكون الضغط لا يُحتمل بالنسبة لتلك الدول، وأكد التقرير أن مصر لديها أكثر من 10 مليارات دولار من الديون المستحقة من نوفمبر المقبل، وحتى فبراير 2023م، وهو ما يضعها في المركز الخامس على قائمة الدول المعرضة للتخلف عن السداد خلف السلفادور وغانا وتونس وباكستان.
السيسي يحمِّل ثورة 25 يناير المسؤولية
وبالنسبة للموقف الرسمي من أزمة الديون، جاءت تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي محمّلاً فيها ثورة 25 يناير 2011، وكذلك أحداث 30 يونيو 2013، مسؤولية الأزمة الاقتصادية وارتفاع الديون الخارجية، حيث ذكر أن الاقتصاد المصري خسر450 مليار دولار بسبب الاضطرابات خلال هذه الأحداث!!.
أما رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري فخري الفقي، فيقول: إن أعباء وأقساط الديون المطلوب أن تسددها الحكومة المصرية خلال العام المالي الحالي 2022-2023م تصل إلى 15.5 مليار دولار، إضافة إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري نتيجة تراجع أكبر موارد مصر من العملات الأجنبية، سواء من الصادرات أو تراجع السياحة، إلى جانب خروج الأموال الساخنة.
ضغوط أعباء الدين
“المجتمع” التقت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الذين قاموا بتوصيف أزمة الديون المصرية من عدة زوايا وأبدوا قلقهم من الزيادة الكبيرة التي حدثت في حجم الدين الخارجي وتخوفهم من استمرار تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي.
د. محمد الشوادفي، العميد السابق لكلية التجارة بجامعة الزقازيق، تحدث لـ”المجتمع” فقال: الديون ظاهرة أساسية في كل دول العالم، وتعتبر أحد مصادر تمويل المشروعات، ولكن تقييم جدوى الديون له عدة معايير حتى نحكم على ما لها وما عليها، وهي:
– نسبة الديون إلى مجمل الناتج القومي، وهذه النسبة انخفضت في مصر بين عام 2016 إلى عام 2021 من 120% من الناتج القومي إلى 89%، وهذا يؤكد جودة إدارة الدين وبالتالي القدرة على الوفاء بسداد الدين وأعبائه.
– طريقة استخدام الدين، فينبغي أن يتم استخدام الديون طويلة الأجل في استثمارات طويلة الأجل.
– مصادر الدين، وهي متنوعة بين دول مثل دول الخليج وهيئات دولية كصندوق النقد، وهنا نجد أن علاقات الدولة المصرية إيجابية وقوية مع الدول التي أقرضتها وبالتالي لا توجد ضغوط خارجية بسبب هذه الديون.
ولكن د. الشوادفي يحذر من أن عنصر الضغط الأساسي هو حجم الديون السنوية المستحقة، أو ما يسمى أعباء الدين، وهذا يمثل عبئًا على الدولة، ويمثل 75% من إيراداتها، وهو يمثل العشر المالي الفني، والاقتصاد المصري يواجه عشرًا ماليًا فنيًا وليس عشرًا ماليًا حقيقيًا.
تزايد حجم الدين مؤشر خطير
الخبير الاقتصادي د. إيهاب الدسوقي، تحدث لـ”المجتمع” فقال: إن مسألة الحدود الآمنة للديون مسألة نسبية، وإن العامل الأهم هو قدرتنا على سداد الديون وأقساطها وأعبائها في المواعيد المحددة لها والوفاء بذلك، ومصر قادرة على ذلك حتى الآن.
لكن الدسوقي لفت إلى أن زيادة الديون المستحقة على مصر وما حدث فيها من قفزات بالسنوات الأخيرة يعتبر مؤشرًا خطيرًا، ويجب العمل على وقف زيادة هذه الديون إلى مستويات جديدة، ويستبعد الخبير الاقتصادي تكرار سيناريو سريلانكا في مصر لوجود فروق جوهرية في الهيكل الاقتصادي بين مصر وسريلانكا، مؤكدًا أهمية زيادة الإنتاج والصادرات بما يحقق إصلاح الميزان التجاري ليكون لصالح مصر.
خروج الأموال الساخنة
أما الخبير الاقتصادي د. أحمد عبدالحافظ، مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني سويف، فيبدأ حديثه مع “المجتمع” بالإشارة إلى أن أزمة جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على الأوضاع الاقتصادية في كثير من دول المنطقة والعالم، وأن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى سحب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، حيث فوجئنا واكتشفنا خروج 22 مليار دولار من مصر خلال شهرين، وهو رقم كبير يهز اقتصاد أي دولة.
ويشير د. أحمد عبدالحافظ إلى أن التخوف هو من تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي وعدم عودته إلى مستواه بعد خروج الأموال الساخنة، وأن هذا هو ما دفع طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري السابق إلى وضع قيود على الاستيراد للمحافظة على عدم خروج النقد الأجنبي (الدولار) من مصر.
ضرورة زيادة الإنتاج والصادرات
ويرى د. عبدالحافظ أن مصر غير سريلانكا ولبنان تمامًا؛ لأن اقتصادها كبير وليس صغيرًا، بل إن ترتيب الاقتصاد المصري هو الثالث بين اقتصادات الدول العربية، ولكن لتجنب مخاطر زيادة الديون يجب إصلاح ميزان المدفوعات (إيرادات الدولة ومصروفاتها) وكذلك إصلاح الميزان التجاري (الصادرات والواردات) ووضع خطة قوية لزيادة الإنتاج والصادرات وتنشيط السياحة.