أباح الإسلام للزوج أن يؤدب زوجته إذا استحقت التأديب وقد جاء في هذه الإباحة قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34)، وقد فتح الشيطان باباً واسعاً من اللغو والتطاول والامتعاض أمام أدعياء نصرة المرأة ودعاة تحريرها يقولون أما يكفى فى ظلم المرأة وانتقاص كرامتها الحيف الذي وقع عليها من قبل وحرمانها من حقوق كثيرة في الميراث وفي الدية وفي إدارة البيت والحبس فيه؟!
أما يكفي ذلك حتى يضع الإسلام السكين في يد الزوج ويقول له: هلم اذبح امرأتك إذا شئت؟، لما هذا كله؟ ألانها “أنثى” أين العدل والمساواة يا ترى؟ ومن ينقذ النساء من هذا الواقع المشئوم؟ ([1])
تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها
عندما نستعرض النصوص التي ورد فيها إباحة تأديب المرأة نجد أن القرآن الكريم أشار إلى ذلك في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34).
ونلحظ في الآية الكريمة مدحها للمرأة الصالحة التي تقوم على شأن بيتها بالمعروف، وكذلك الترتيب في مراحل تأديب المرأة المقصرة في حق زوجها وبيتها والتي تبدأ بالوعظ، وذلك بتذكيرها بثواب الله لها إن أطاعت زوجها، والتحذير من غضب الله إن عصت زوجها، فإذا انزجرت به لم يجز للزوج أن يتجاوزه إلى غيره، فإن لم يجد ذلك نفعاً انتقل إلى المرحلة الثانية وهي أن يهجرها في مضجعها.
والتشريع الإسلامي لم يترك أمر الهجر على إطلاقه حتى لا تتأذى المرأة، قال الإمام القرطبي رحمه الله: قد جعل الله للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر، وقد آلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه شهراً تأديباً لهن- عندما طالبنه بزيادة النفقة- وقد قيل: الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع أن تصبر عنه أكثر منها، وقد رُوي أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سأل بعض النساء عن مقدار صبر المرأة عن زوجها فقلن أربعة أشهر، فجعل عمر مدة الرجل في الغزو أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين، وهذا- والله أعلم- يقوي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر، وعلى أية حال فإن الطبائع تختلف في مثل هذه الأمور، والأربعة الأشهر مدة كافية ليختبر الرجل نفسه وميوله، فإما أن يعود إلى معاشرة زوجته بالطريقة التي شرعها الله، وإما أن تعاد إلى الزوجة حريتها بالطلاق، ليبدأ كلاهما حياة زوجية جديدة مع شخص آخر، فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون، وأنفع للرجل كذلك وأشرف، وقد اختار الله هذه المدة وهو الأعلم بحكمة اختياره فعلينا أن نتقبل ما شرعه لنا طائعين خاشعين. ([2])
فإذا انزجرت به لم يجز للزوج أن يتجاوزه إلى غيره، فإن لم يجد ذلك نفعاً انتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الضرب.
من هي المرأة التي تُؤدَب؟
التي تؤدب من الزوجات هي التي يقول لسان حالها لزوجها “هيا أدبني”، هي الزوجة التي لم تُكرِم نفسها ولم تَصُن نفسها، ولم تتعامل أو تدفع بالتي هي أحسن، هي المرأة الناشز الخارجة عن حدود المعروف في القول والعمل، فماذا يصنع الزوج أمام زوجة شرسة ثرثارة؟!، وماذا يصنع الزوج أمام زوجة نئوم مهملة؟!، وماذا يصنع الزوج أمام زوجة تأخذ ما لها بشراهة ولا تؤدي مما عليها شيئا؟!
بيتها لا نظام فيه، أبناؤها لا راعي لهم، ما في يدها من مال زوجها ضائع، وما في بيتها من أثاث غير مصون، إذا غاب عنها زوجها لم تحفظه وإذا نظر إليها لم تسره، وإذا أمرها لم تطعه، هذه هي الزوجة التي تؤدب وليس كل زوجة، فما أكثر الزوجات اللاتي يكاد الأزواج يضعونهن في قلوبهم احتراما وحفظاً وتقديراً. ([3])
شهد شاهد من أهلها
تقول د. نهى قاطرجي: يستند الداعون إلى إبطال صيغة الضرب الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أن قاعدة حق تأديب المرأة “ولا سيما ضربها” هي عبارة تاريخية كان لها فعالية جمّة لنقل الذهنية الجاهلية من قتل المرأة إلى التساؤل حول ضربها وليست قاعدة شرعية.
والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها يأخذون من الآية ما يريدون فقط وهي كلمة الضرب وينسون التسلسل الذي ورد في الآية حيث ورد في البداية مدحٌ للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج ومن ثَمَّ ورد ذكر الناشز، فالكلام إذاً يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات، فما دام يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة؛ لأنها بذلك تُؤثِر هدم الأسرة على هذا الإجراء وهذا ليس شأن شريعة الإسلام المنزلة من عند الله.
والواقع أن التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفِطَر ويقضي به نظام المجتمع، وقد وَكَلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء كما وكلته من الأمم إلى الحكام ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة، وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعاً من هذا التأديب في نظر المهاجمين وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال،
قال تعالى: (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ) (الحجرات: 9).
إضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط بكونه ضرباً غير مبرح وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه، ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز، لم تنفع معها الموعظة والهجر، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجاً لتفادي الطلاق، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعيٍ وإدراكٍ لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة.
المرأة في المجتمعات الغربية
إن سعي بعض الداعين لإبطال مفعول آية الضرب تحت حجة المساواة لن يفيد في إيقاف عملية الضرب، إذ أن المرأة ستبقى تُضرب خِفْية كما يحصل في دول العالم الغربي الحافل بالقوانين البشرية التي تمنع الضرب.
تشير إحدى الدراسات الأميركية إلى أن: %79 من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدي إلى عاهة، و%17 منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة، وحسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكية للفحص والتحقيق QIIT هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا.
أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضة للضرب سنويًا، وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشيل اندريه): حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء، فلو أن رجلًا ضرب كلبًا في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا، وفي بريطانيا يفيد تقرير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن دون أن يكون سبب لذلك، وأن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك، وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن.([4])
فإذا كان هذا العدد في تزايد في تلك الدول التي تُحرّم الضرب، فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العدد مع أن شريعتنا تبيح الضرب؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تُقَدَّر بضوابطها وكما قال تعالى في نهاية الآية: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلً) (النساء: 34). ([5])
________________________________________________________
[1] – المرأة في عصر الرسالة بين واقعية الإسلام وأوهام المرجفين – د. عبد العظيم المطعني – 1/169.
[2] – بتصرف من الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) – المؤلف: القرطبي؛ محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي – 3/107.
[3] – المرأة في عصر الرسالة بين واقعية الإسلام وأوهام المرجفين – د. عبد العظيم المطعني – 1/170.
[4] – بتصرف من كتاب “شبهات حول المرأة في الإسلام” – إعداد: علي بن نايف الشحود – 1/1128.
[5] – بتصرف من “شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام” – د. نهى قاطرجي – 1/8.