لم نكد نفيق من صدمة الهواتف الذكية وما أحدثته من ثورة معلوماتية، استتبعها بالضرورة أمور كثيرة على المستوى التربوي والنفسي لأطفالنا، إلا وفاجأتنا التكنولوجيا بمستحدثات جديدة للذكاء الاصطناعي، تفوق ما تخيلناه من قدرة الآلة على الدخول إلى أخص خصوصيات حياتنا.
وبرغم أن الهواتف الذكية سهلت الحياة بشكل كبير، فإنها سببت العديد من الأضرار، حيث باتت الأخطر على الصحة النفسية والعقلية وبصفة خاصة الأطفال الذين باتوا أكثر التصاقاً بها من إبهار وألعاب جديدة تجعل صغار السن أكثر تعلقاً بها.
ما أسباب تعلق أطفالنا بـ«الموبايل» بوصفه أولى درجات هذا الذكاء الاصطناعي؟
وبعيداً عما توصلت إليه أحدث نتائج الأبحاث العلمية وما يتردد على المواقع الطبية من التأثير الخطير لاستخدام الأطفال للموبايل حيث يواجهون أخطاراً كبيرة أكثر من البالغين وبشكل مضاعف.. بعيداً عن ذلك، فإننا سنسأل عن أسباب تعلق أطفالنا بهذه التقنيات.
اقتداء الأطفال بوالديهم
فكما يقولون: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.. فعندما يرى الطفل والده ووالدته ينظران طوال الوقت في جوالاتها، ويكون ذلك بسبب إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، يشعر الطفل بأنه يريد أن يكون مثل والده ويمتلك جوالاً لكي ينشغل به كما يفعل والده، ويتمنى أن يعطيه الأب بعضاً من وقته أو يهتم به كما يهتم بجهازه.
لذلك، تتحول أسرة هذا الطفل إلى أسره مفككة، علاقاتها جافة بسبب انشغال أفراد الأسرة بالتكنولوجيا لفترات طويلة.
المحتوي الإلكتروني الجذاب
في عالم الإلكترونيات الحديثة والألعاب الذكية نجد الطفل ينجذب انتباهه إلى كل شيء يتحرك، خاصة إن كان ذا ألوان براقة، لذلك يجد الطفل متعته في هذه الألعاب الإلكترونية، فلا يهتم بكم الوقت الذي يقضيه أمام الحاسوب أو الهاتف الذكي متنقلاً بين مواقعه وألعابه فرحاً بنظامه التكنولوجي، سعيداً بما يحققه من تواصل أو مكاسب في الألعاب.
توافر الإنترنت لدى الأطفال
يأتي كذلك على رأس تلك الأسباب سهولة الوصول إلى الإنترنت، وعدم قدرة الأسر آباء وأمهات على السيطرة على وصول الأطفال إليها، وهو ما يجعل التحليق في فضاءاتها أمراً ميسوراً بالنسبة للأطفال وهو ما يزيد من تعلقهم بها.
مظاهر الإدمان الإلكتروني لدى الأطفال على الإنترنت
لقد أثبتت الدراسات أن للإنترنت بعداً نفسياً أعمق وأبعد أثراً من وسائل الإعلام الأخرى، فبدلاً من أن تصبح تكنولوجيا الإنترنت هي المنقذ في هذا الزمان سريع التغير، نجد أن الإدمان على الإنترنت أصبح من أمراض العصر المزمنة متجاوزاً بذلك بعض أنواع الإدمان الأخرى.
لذلك، نجد أن مظاهر تعلق الأطفال بالإنترنت متعددة، ومنها ما لا يلتفت إليه الوالدان أو يظنان أنها أعراض الإدمان، ومنها ما يلي:
فقدان الشهية للطعام:
فإدمان الأطفال على الإنترنت يجعلهم يفقدون شهيتهم للطعام ويظلون ساعات طويلة بدون رغبة في الأكل، ولا يجعلهم يشعرون بالجوع أصلاً وذلك بسبب تفكيرهم الزائد في ألعابهم الإلكترونية وانتظارهم لرسائلهم بينهم وبين أصدقائهم.
محاولة التغلب على التقنين أو التنظيم:
فحينما يحاول الأب أو الأم تنظيم الاستخدام ومنع وصولهم إلى الإنترنت يقومون بالبحث عن أماكن أخرى كي يمارسوا ما يريدون من ألعاب أو غيرها، بعيداً عن تحكم والديهم وهذا يجعلهم يخرجون كثيراً خارج البيت.
الكذب:
فإدمان الإنترنت يجعل الأطفال يكذبون، من أجل الوصول إلى ما يريدون، عبر اختلاق معاذير لا أساس لها تجعل الوالدين يوافقان على ما يريدونه.
كيف إذن يمكننا مواجهة هذا البلاء؟
إعادة رسم خارطة اهتماماته:
بحيث نجعل الطفل يفكر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه للإنترنت؛ ليعرف ماذا خسر بإدمانه للإنترنت مثل: قراءة القرآن، والرياضة، وقضاء الوقت بالنادي مع الأسرة، والقيام بزيارات اجتماعية وهكذا، ونجعله يعاود ممارسة تلك الأنشطة لعله يتذكر طعم الحياة الحقيقية.
كن قدوة لأبنائك:
يجب أن يكون الوالدان هم قدوته في الحياة، وهذا هو المطلوب؛ فالابن عندما يفتقد القدوة في والديه يذهب لعالم الإنترنت؛ بحثاً عما يشغله وهروباً مما يحزنه، لذلك فالقدوة في البيت مهمة جداً في تصحيح مسار الأبناء وأفكارهم وتطلعاتهم.
الأسرة قبل الحاسوب:
إن فرار الأولاد للحاسوب بكل سعادة وفرح، والحزن إن غاب عنهم أو أصابه عطل يؤكد أن الحاسوب وفي زحمة الدنيا تحول للحضن الدافئ والمكان الذي يجد فيه الأولاد راحة بالهم وسعادتهم.
وهذا هو الدور المنشود للأسرة في الأصل، وعليه فدور الآباء والأمهات في تعديل المسار من الحاسوب إليهم مهم جداً، ومرهون بمدى فهمهم وحبهم ورغبتهم الصادقة في غرس القيم وحماية الأولاد من كل داء مرضي أو إلكتروني.
ثقّف طفلك:
إن البيت المسلم اليوم أصبح مشغولاً بأمور كثيرة، جعلته أحياناً يستغني عن تثقيف أولاده وغرس المعاني البسيطة لهم -حياتياً على الأقل- لذلك يجب على الوالدين تثقيف وتعليم الأبناء بالقدر البسيط في أدوات الإنترنت.
هذا طبعاً بعد احتراف الآباء لذلك؛ لأن الواقع يقول غير ذلك والعاقبة تكون أيضاً غير ذلك، وفي الوقت نفسه مطلوب من الوالدين عمل وإنشاء حسابات متابعة لأبنائهم بشيء من الود لا المراقبة، والحب لا التخوين، والاهتمام لا السيطرة، والحرص لا تصيد الأخطاء؛ فتلك منظومة التربية الناجحة.
______________________
1- بحث بعنوان «استخدام الهواتف الذكية وتأثيرها السلبي على سلوك الطفل».
2- بحث بعنوان «أثر استخدام الأجهزة الذكية على الصحة النفسية لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة».
3- بحث بعنوان «المشكلات الاجتماعية المترتبة على إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية من وجهة نظر الأمهات».
4- بحث بعنوان «إدمان استخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة وعلاقته بالتفاعل الاجتماعي والثقة بالنفس.. دراسة مقارنة بين طلاب وطالبات المرحلة المتوسطة في مدينة الرياض».
5- بحث بعنوان «إدمان أطفال الروضة على الأجهزة اللوحية وتأثيراته السلبية».
6- الكشف عن مستوى إدمان أطفال الرياض على الألعاب الإلكترونية في محافظة ديالي.
7- بحث بعنوان «إدمان الأطفال والمراهقين على الإنترنت وعلاقته بالانحراف».
8- دراسة بعنوان «الآثار التربوية والنفسية والصحية لاستخدام الأجهزة الذكية على الأطفال في سن مبكرة».
(*) كاتب وباحث في العلاقات الإنسانية.