مجد المسلمين وعظمتهم
مر على المسلمين حين من الدهر كانوا فيه سادة العالم وقادة الدنيا، سادوه بالإيمان والإقدام، وقادوه بالعلم والإصلاح.. حكموا فعدلوا.. وكانوا في الدنيا هداة خير وأفعال رسل.. ذهبت جيوشهم إلى كل مكان، المصحف في يد والسيف في يد، لا يردهم أحد عن المكوث في دينهم ليقيموا الحق ويبطلوا الباطل، ويقفوا مع الضعيف ضد القوي.. ومع المظلوم ضد الظالم.. ربطوا الأرض بالسماء.. والدنيا بالآخرة.. جمعوا بين القلب والعقل وبين المادة والروح.. كانت مجالس علمهم أكبر جامعات العالم.. وكان علماؤهم أشهر علماء الدنيا.. وكانت اللغة العربية لغة العلم لكل أقطار العالم.. بلغ الحد بأحد خلفاء المسلمين يوماً أن نظر إلى السماء يقول للسحابة: شرقي أو غربي فستأتي ثمرة خراجك إلى بيت مال المسلمين.
تردي حال المسلمين
وهكذا كنا حتى انقلب علينا الدهر بما كسبت أيدينا ودارت دورته، وإذ بنا نصبح في المؤخرة بعد أن كنا في قمة الأمم، بل وأصبحنا نسمى بالعالم الثالث.. أضحينا فرقاً ودويلات.. فانتكسنا إلى الوراء وضعفنا ووصلنا إلى حد طمعت فينا كل الأمم الأخرى.. طمع فينا كل ضعيف كان.. وغلبنا كل مغلوب.. وتفرقت وجهتناً نحو الشرق.. ونحو الغرب.. كل القوى وكل الجبهات تألبت علينا وتكالبت ضدناً.. وكانت لا تتفق فيما بينها حتى إذا كنا نحن العدو ارتبطت بينهما جميعاً.. فالكفر كله ملة واحدة.
تجمعت علينا اليهودية المشتتة
اليهود اللذين عاشوا متفرقين في أنحاء العالم، لم يجدوا بلداً حنوناً يضمهم إلا ديار الإسلام.. وفي ظل دار الإسلام عاشوا آمنين مطمئنين يكسبون المال ويبتغون الغنى وتكون لهم المكانة.. هؤلاء التقوا على المسلمين ولم يرضوا أن تكون لهم دولة إلا في بلاد العروبة، فقامت “إسرائيل” تقتطع من أرضنا وتضهد أهلها وتطردهم من ديارها ليقيموا لهم دولة على أساس دينهم.. وتجمعوا من بلاد شتى لا يجمعهم إلا التوراة وأحلامهم الدينية في إقامة “إسرائيل الكبرى”.
وأصبحت كل يوم بعد فلسطين تزداد أرضهم أرضاً وأطماعهم أطماعاً، ولعلنا نقرأ فيما كتبه المفكر الفرنسي روجيه جارودي –الذي هداه الله للإسلام– فكتب عن أحلام اليهود ومخططاتهم وآمالهم في حكم ما بين الفرات والنيل؛ ولذلك يخططون لتقسيم البلاد العربية إلى عدة دول ليطمئنوا على وجودهم.. فسعوا إلى عزل مصر والاطمئنان إلى جانبها حتى يتمكنوا من باقية الدول.. حتى دول الخليج، وقد تعتبر هذه أحلاماً وآمالاً، ولكن كثيراً ما رأينا الأحلام والآمال انقلبت إلى واقع.. واليهود الذين كنا نعتبرهم أجبن الناس وأسفل الناس يقاتلون الآن ويبذلون المال بالملايين والملايين.
المخطط التنصيري الخبيث
إن الجبهة المسيحية تعمل وبشدة في جميع أنحاء العالم وفي أقطار شتى، منها أقطار الإسلام، وتخصص لذلك ميزانية بما لا يقل عن ميزانية دولة عظمى تمول به جيشاً جراراً من المبشرين والرهبان يعمل على تحويل المسلمين عن دينهم، ففي إندونيسيا –من أكبر البلاد الإسلامية– يعملون لتنصير المسلمين؛ فشيدوا لذلك خمسين مطاراً داخلياً يخدم التبشير، وفي نيجيريا وفي الصومال وغيرهما من بلاد المسلمين، يقومون بتنصير الآلاف من اليتامى والمشردين من آثار الحرب والكوارث عن طريق مساعدتهم لهم.. ولعل المليونير الأمريكي الكاثوليكي الذي تكفل بتبني ألف طفل من يتامى المسلمين لم يفعل ذلك لوجه الله تعالى.. لقد استغاث اليتامى واستجاب هو للنداء! ولم نستجب نحن! فمسؤولية هؤلاء في عنق من؟ إثم هؤلاء في عنقنا.
الأمريكان يرصدون مليار دولار لتنصير المسلمين
ليست الكاثوليكية هي الوحيدة التي تعمل.. ففي عام 1978م اجتمع في كولورادو بالولايات المتحدة مائة وخمسون مبشراً من البروتستانت.. بحثوا أحوال المسلمين في أربعين بحثاً.. خرجوا منها بالعمل على تنصير المسلمين.. ورصدوا لذلك ألف مليون دولار! وهذا الخبر ليس سراً خطيراً، بل نشر الممكن منه في الكتب يقرؤها الجميع ومنهم المسلمون.. ونحن لا نلومهم في نشر مبادئ دينهم.. وإنما نلوم أنفسنا لأننا تقاعسنا عن نشر ديننا.. وتقاعسنا عن الدفاع عن شخصيتنا.. بل تقاعسنا حتى أصبح يقتل أبناؤنا ونساؤنا وتهتك الأعراض والمسلمون يقفلون عليهم أبوابهم ويصمون آذانهم.
يا له من دين لو كان له رجال
نحن لا نلومهم فيما يفعلون، ولكن نريد الدفاع عن حقوقنا وجماعتنا، المسلمون ألف مليون منتشرون في شتى بقاع العالم، في القارات الخمس.. أين هم؟ لماذا لا يدافعون عن أنفسهم؟ قال كافر فيما قرأ عن الإسلام: يا له من دين لو كان له رجال.. أين الألف مليون؟ أليسوا رجالاً؟
إنهم مشغلون بأنفسهم لا يهمهم أمر غيرهم؛ “ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”، أين هم من قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)؟ أين هم من قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (التوبة: 71)؟ أين هؤلاء من “المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ”؟ أين هؤلاء، والمسلم يقتل ويهان ولا يجد من يناصره؟!
المسلمون ما بين مشغول بنفسه.. وجاهل لا يعي حجم المأساة التي يعيشها المسلمون.. وما بين علماء يتحاورون في أمور سطحية في الدين شغلتهم عن القضايا الكبرى.. وآخرون يثيرون الفتن بين المسلمين بعضهم بعضاً.
دعائم النصر والسيادة متوفرة لدينا
المسلمون قادرون على استعادة مكانتهم، قادرون على أن يكونوا كالشمس، وأن يكونوا أمة قوية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة: 143)، عندهم من القدرات والإمكانات ما يمكنهم من قيادة العالم.. عندهم نعمة التقوى ونعمة الكثرة؛ (وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) (الأعراف: 86)، ولكن هذه الدعائم تحتاج إلى من يحركها ويفجر فيها الطاقات.
إننا نملك القوة المادية والثروات المغمورة في داخل الأرض والمنثورة في خارجها.. الرصيد النقدي عندنا.. موقعنا الجغرافي في صرة العالم.. نملك القوة الروحية لأننا كلفنا برسالة خالدة أستاذها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بها ليرشد العالم وليكون رحمة للعالمين.. نحن نملك رسالة النور.. ونملك تراثاً حضارياً عريقاً عمره أربعة عشر قرناً من الزمان.. نملك من وسائل القوة والغلبة ما يجعلنا في المقدمة وفي طليعة الأمم.. ولكننا الآن متفرقون مشتتون.
متى نعود لديننا ونحقق دولتنا الموعودة؟
متى نعود لديننا نستمسك بعراه ونستهدي بسناه ونسير خلف الرسول الكريم نقتدي بسننه ونسير بسيرته؟ إن طريق القرآن هو طريقنا.. هو حبل النجاة إن طبقناه بحق واتبعناه بصدق كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان.. نريد الإسلام الحق شاملاً سالماً من الشوائب والزوائد والقصور؛ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف: 9)، وبالعودة لهذا الإسلام فالثقة بأننا سنعود يوماً.. وسيعود لنا سيفنا القوي، إن للإسلام لدولة موعودة وغالية قبل قيام الساعة بإذن الله.. وإننا لننتظر هذا اليوم الذي ينتشر فيه جنود الإسلام في كل مكان وترفع فيها الرايات؛ (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8).
المسلم والكلب يتصارعان جوعاً!
لقد طفت في الكثير من بلاد العالم فوجدت هناك من يحتاج إلى لقمة.. هناك من المسلمين يموت جوعاً.. لا يجد ما يسد به رمقه.. وهناك من لم يجد ما يستر به عورته.. هناك مدارس تحتاج إلى الكتاب والقلم والكراس ولا تجده! بينما تقوم الجمعيات التنصيرية بتأسيس المدارس التبشيرية فتوفر لها الكفاية من الكتيبات والكراسات والأدوات لتتصيد وتستقطب بها أبناء المسلمين.
ووجدت في بعض البلاد المسلمة مجاعة الإنسان والكلب فيها يتصارعان.. يريد الإنسان أن يقضي على الكلب ليأكله ويريد الكلب أن يقضي على الإنسان ليأكله.. وصل الأمر في بلادنا إلى هذا الحد… فماذا صنعنا نحن؟ نحن الذين منَّ الله علينا من رحمته وألقى علينا نعمه الظاهرة والباطنة.. اليهود المشهورون في العالم بالشح والبخل إذا دعوا للتبرع لقضيتهم وأهلهم دفعوا الملايين.
نريد ألف مليون دولار
نريد ألف مليون دولار.. الفكرة التي أطرحها على المسلمين في كل العالم.. وقد وافقني فيها الكثير من المسلمين ممن عرضتها على مسامعهم أو في اللقاءات العامة، فأوكلوا إليَّ مهمة تبلغيها متى ما وجدت السبيل.. والمسلمون اليوم يُنتظر منهم الكثير خاصة بعد أن انتظمت بلادهم اتجاهاً إسلامياً قوياً يعمد في خط قويم..
إن دولة واحدة من بلاد المسلمين الغنية لو أخرجت زكاة أموالها لوصلت ألف مليون دولار.. ولو أن المسلمين بالعالم دفع كل واحد منهم دولاراً في المتوسط لجمعوا ألف مليون دولار، وإذا كان شعار اليهود لجمع التبرعات هو: ادفع دولاراً تقتل عربياً.. فليكن شعارنا: ادفع دولاراً تنقذ مسلماً.. ولكن للأسف ليست لنا دولة موحدة.. ولا خليفة للمسلمين يجمع الزكاة ويقول للناس: ادفعوا فيدفعوا.. كما ليس لنا شيخاً للإسلام ولا بابا.. فلا نملك القوة الروحية ولا الزمنية، فإلى متى ذلك؟ وإلى متى نتقدم للأمام!
إننا لفي حاجة إلى مال.. فإذا صدق العزم وضح السبيل.. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وإنما نغير ما بأنفسنا بالعمل لا بالقول.. وبالإيجابية لا السلبية.. فينبغي أن نوفر رصيداً ثابتاً لإنقاذ المسلمين ودعوة الضالين بدلاً من الاستجداء والسؤال… وأن نحقق الوحدة بدل التفرقة والشتات.
وصية ونداء
أيها المسلمون، لقد آن لنا أن نرجع لله ونتذكر ماضينا نقف عنده لنسترجع أيام الانتصارات.. كما آن لنا أن نعود أمة كما كنا لو وضعنا أيدينا بعضها فوق بعض، وعملنا كيد واحدة؛ (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).
والدعوة لكل المسلمين للإنفاق في سبيل الله لإنقاذ المسلمين وإيواء المحتاجين.. وحتى لا نقف في يوم يسألنا فيه الله تعالى فيقول: ماذا فعلتم بدينكم؟ ماذا فعلتم بأمتكم؟ ماذا فعلتم بإخوانكم؟ فحضروا للسؤال تجواباً؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* العدد (616) – 28 جمادى الآخر 1403هـ/ 12 أبريل 1983م – ص26-27.