الغناء بين الحِل والحُرمة
أما عن الرؤية الشرعية للفن، وخاصة الغناء من باب الحلال والحرام فيعرضها لنا د. يوسف القرضاوي، فيرى أن الإسلام دين واقعي لا يحلق في أجواء الخيال والمثالية، ولم يفرض على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، وصمتهم فكراً، وكل سماعهم قرآناً، وكل فراغهم في المسجد، بل اعترف بفطرتهم وغرائزهم، فهناك ألوان كثيرة من اللهو، ومنها الغناء، وهو أداة عاتية من أدوات الإثارة والهدم وإلهاء الأمة عن غايتها الجليلة وقضاياها الكبيرة، وقد ارتبط الغناء تاريخياً وواقعياً بالترف ومجالس الشرب، وأصبح جزءاً أساسياً من حياة المتحللين من العفاف واتسم بالميوعة والخلاعة والبعد عن أحكام الدين؛ لذلك غلب على الحس الديني النفور منه، ووقف علماء المسلمين في مختلف الأزمنة والأمكنة منه مواقف مختلفة ما بين محرّم وكاره ومُبيح.
فهناك أنواع اتفقوا على تحريمها وهي ما اشتملت على معصية أو دعت إليها، وهناك أنواع اتفقوا على إباحتها وهي الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان مع نفسه، أو المرأة لزوجها، وغناء النساء في الأعراس بينهن.
وهناك أنواع أخرى كانت محل اجتهاد ونظر.
د. القرضاوي يرى ألا حرج في الغناء في حد ذاته، هو داخل في جملة الطيبات التي أباحها الإسلام، أما الإثم فهو فيما يشتمل عليه ويقترن به من أشياء تنقله من الحِل إلى الحُرمة، فالغناء يتحسب في المناسبات السارة ترويحاً للنفوس كالأعياد والأعراس والوليمة والعقيقة.
ويرى د. القرضاوي أن هناك قيوداً لا بد أن نراعيها في أمر الغناء.
1- الموضوع: فلا بد أن يكون مما لا يخالف آداب الإسلام وتعاليمه، فالأغنية التي تصف الجسم مثلاً، أو تمجد الخمر أو تدعو إلى شربها فأداؤها حرام، والاستماع إليها حرام، وكل ما شابه ذلك.
2- وحتى لو كان موضوع الأغنية غير مناف لتوجيه الإسلام، فإن طريقة المغني يمكن أن تنقله من الحِل إلى الحُرمة؛ كأن يكون هناك تكسّر أو تميّع أو تعمد إثارة أو إغراء بالفتن والشهوات.
3- الدين يحارب الإسراف في كل شيء حتى العبادة، فما بالنا بالإسراف في اللهو، وشغل الوقت؟ والوقت هو الحياة، ولا شك أن الإسراف في المباحات يأكل وقت الواجبات، وقد قيل: ما رأيت إسرافاً إلا وبجانبه حق مضيّع.
4- تبقى أشياء يكون كل مستمع فيها مفتيَ نفسه، فإذا كان الغناء يثير غريزته، أو لون خاص منه يغريه بالفتنة ويطغى فيها الجانب الحيواني على الجانب الروحي فعليه تجنبه.
_______________________
العدد (1573)، ص52–53 – 22 شعبان 1424ه – 18/10/2003م.