- نُشر في الصحف والمجلات اقتراح المنظمة الأفريقية للحوار بين الأديان، يقول بإقصاء رجال الدين عن العمل السياسي، حتى لا تتاح لهم فرصة تشكيل أحزاب ذات طابع ديني، فما رأي علماء الشريعة في هذا؟
– الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة أمر لا يعرفه الإسلام، بل هو طعن في طبيعة هذا الدين، أما عدم تحويل علماء الدين إلى أبواق لأنظمة الحكم فهذا واجب العلماء، وليس طريقة الفصل المزعوم.
أما منع علماء الدين من الانخراط في الأحزاب السياسية فلا وجه له شرعاً، فلو كانت الأحزاب مشروعة، فإنها لا تشرع لفئة دون فئة.
لا يوجد في الإسلام شيء اسمه رجال الدين، إنما يوجد عالم دين تخصص في دراسة الدين، وأي مسلم من حقه أن يدرس الدين حتى من غير الطريق الرسمي، بمعنى أن يتعلم عن طريق المشايخ والكتب وإن لم يدخل الأزهر، ولم يدخل الجامعة الإسلامية، فهذا باب مفتوح للجميع، فعلماء الدين غير رجال الكهنوت عند الآخرين، هؤلاء من حقهم أن يكون لهم دورهم، وأن يكون لهم إسهامهم في توجيه الناس وفي القضايا العامة، ولا يجوز أن يُعزلوا عن السياسة، لأنهم تعلموا الدين وتفقهوا فيه.
إن الإسلام له قواعده وأحكامه وتوجيهاته؛ في سياسة التعليم، وسياسة الإعلام، وسياسة التشريع، وسياسة الحكم، وسياسة المال، وسياسة السلم، وسياسة الحرب.. وكل ما يؤثر في الحياة، ولا يقبل أن يكون صفراً على الشمال، أو يكون خادماً لفلسفات أو أيديولوجيات أخرى، بل يأبى إلا أن يكون هو السيد والقائد والمتبوع والمخدوم.
بل هو لا يقبل أن تقسم الحياة بينه وبين سيد آخر؛ يقاسمه التوجيه أو التشريع، ولا يرضى المقولة التي تنسب إلى المسيح عليه السلام: “أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.
فإن فلسفته على أن قيصر وما لقيصر لله الواحد الأحد، الذي له من في السماوات ومن في الأرض، وما في السماوات وما في الأرض.
وشخصية المسلم –كما كوَّنها الإسلام وصنعها عقيدته وشريعته وعبادته وتربيته– لا يمكن إلا أن تكون سياسة، إلا إذا ساء فهمها للإسلام، أو ساء تطبيقها له.
فالإسلام يضع في عنق كل مسلم فريضة اسمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يعبر عنها بعنوان “النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم”، وهي التي صح في الحديث اعتبارها الدين كله، وقد يعبر عنها بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وهما من الشروط الأساسية للنجاة من خسر الدنيا والآخرة، كما وضحت ذلك سورة “العصر”.