يجب أن نبدأ بخطط متناسقة لأهداف شتى، الجهلة بالإسلام من المنتسبين إليه أسبق إلى إصابته من الأعداء المتربصين.
الشيخ محمد الغزالي، الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز، يوضح في هذا الحوار الذي أجرته مجلة “المجتمع” معه، ضرورة تغيير السياسات القاصرة التي عاش المسلمون زماناً طويلاً في ظلها، والبدء بخطط متناسقة لأهداف شتى، ويتحدث عن المحنة التي يمر بها مسلمو سورية هذه الأيام، ويؤكد أن المجاهدين الأحرار الآن في سباق مع الزمن، وفي وقفة لله ينبغي أن تطول، وتساءل: متى يدخل العرب في الإسلام؟! وختم حديثه بالتأكيد على أن القوى الشريرة تتربص بنا ويجب أن نستيقظ على عجل.
- لا أدري إن كنتم توافقوننا على أن المسلمين يعملون حتى اليوم دون خطة، وعلى الرغم من أنهم يتلقون الضربة تلو الأخرى، فإن عملهم لا يتجاوز رد الفعل؟!
– ظاهر فعلاً أن المسلمين يتلقون ضربات شتى من يمين ويسار، وأن موقفهم للأسف هو موقف الترقب لهذه اللطمات، وإذا حدث تحرك فإنه يجيء رد فعل لما يقع بهم، وهذا التصرف واضح الدلالة على أن المسلمين سلبيون، وليست لهم سياسة خاصة يسيرون على خطها، وأن عدوهم يختار مكان الضربة وزمانها، ويحسب حسابه لرد الفعل إن كان هناك رد فعل، ويوم يكون الهجوم وفق خطة مرسومة ويكون الدفاع ارتجالاً لا خطة له؛ فالويل للمغلوب، والذي أراه أنه لا بد من تغيير السياسات القاصرة التي عاش المسلمون زمناً طويلاً في ظلها، وإلا هلكوا، وورث أعداؤهم كل شيء، ولا أزال أرى صواب الكلمة المأثورة: “لا قيام للباطل إلا في غفلة الحق”، فإذا كان المبطلون أحرزوا انتصارات كثيرة فلن نلوم أحداً معهم، إنما اللوم يقع علينا نحن أنفسنا، يجب أن نبدأ بخطط متناسقة لأهداف شتى تسير فيها التربية النفسية إلى جانب التربية الاجتماعية والسياسية، ويتواكب فيها الانتصار في المحراب مع الانتصار في ميادين الكدح لهذه الدنيا حتى يمكن تطويعها لنصرة الإسلام ودعمه.
ينبغي أن تكون لنا مناهج فكرية وعاطفية معاً، مادية وأدبية، إن قصورنا المزدوج في هذه الآفاق كان السبب الأصيل فيما نزل بنا من كوارث، وقد كان الجهلة بالإسلام من المنتسبين إليه أسبق إلى إصابته من الأعداء المتربصين.
- كيف تضعون المحنة التي يتعرض لها المسلمون في سورية في إطار الحرب الواسعة على الحركة الإسلامية؟
– من قديم أعتقد أن أتباع ميشيل عفلق لا يكنّون للإسلام خيراً، وأن إقامة البعث في أمتنا على دعائم عنصرية هو جحد للإسلام واستهلاك لرسالته، والقول بأن العروبة تستطيع أن تسدي لأبنائها شيئاً من غير الإسلام خرافة لا تقوم إلا في أذهان الحمقى.
وعجيب أشد العجب في معركة دينية بين العرب واليهود أن يتشبث اليهود بدينهم وتوراتهم وتلمودهم، وأن يحيوا لغة ميتة، في الوقت الذي يستدبر المسلمون فيه كتابهم وسُنتهم وتاريخهم ويميتون لغة حية.
وقد نشأ عن ذلك أنه ما دخل اليهود في معركة مع العرب الذين تخلوا عن دينهم إلا كانت النتيجة ما عرفنا وذقنا مرارته.
ومعروف أن تشبث الإسلام بنفوس بنيه يبلغ الأعماق، وأن المسلمين برغم الفجوة الهائلة بينهم وبين حكوماتهم، وبرغم العداوة المميتة التي يلقاها أصحاب العقائد وحراس القيم، برغم هذا كله، فقد ظهر أن الإسلام غال على أبنائه، وأنهم إن فتروا في التمسك به لحظة فسرعان ما يثوبون إليه ويتمسكون به ويطلبون الحياة في ظله.
ونحن نلحظ اليوم أن العداوات ضد الإسلام تفجرت بغتة في جهات مختلفة، وأن الدم الإسلامي سفك بغزارة في آسيا وأفريقيا، وأن مجتمعات إسلامية تبذل روحها الآن كي تبقى مسلمة في وجه ضغط شيوعي صليبي.
مع هذه الأحداث التي تنذر بالشر، أكاد أجزم بأن المستقبل القريب لن يكون أفضل من الماضي الكئيب، وأن الأمة الإسلامية ستتضاعف عليها المحن؛ لأن أعداء الإسلام يريدون الإجهاز عليه والخلاص منه، والمجاهدون الأحرار الآن في سباق مع الزمن، وفي وقفة لله ينبغي أن تطول، وأن يستعدوا لطولها وتراخيها، فإن نجاحهم في كسب هذه المعركة سيكون بداية التحول في الموقف كله.
- ألا يعني كلامكم هذا أنكم غير متفائلين بالنسبة إلى المستقبل؟
– لا أريد أن أهوّن من القوى التي تواجهنا، فإن اليهود يضربون الآن بضراوة، وعشرات الآلاف من المسلمين يُقتلون في تشاد وأوغندا وأفغانستان والفلبين، ومع ذلك فإن الكيان الإسلامي لم يتماسك بعد في جبهة دفاع جاد يقظ.
ولا يزال بعض الأثرياء يذهب إلى الغرب يبحث عن علب وأندية، ولا يزال بعض المتدينين مشغولاً بالبعض الآخر في عراك سخيف حول عدد ركعات التراويح أو جواز الموسيقى وعدم جوازها، أو صحة الصلاة مع حمل أوراق نقدية فيها صور لبعض الملوك أو الرؤساء.
إن هذا التصرف من المتدينين والدينيين جميعاً ليس مؤشراً على خير، بل ستدفع أمتنا ثمنه من الدم المرتخص في كل ميدان إلى أن نفيق من غفلتنا، ونؤدي واجبنا برشد ورجولة.
إنني إذا تشاءمت فليس لأن قوى الأعداء تهولني، فما أحقر هذه القوى لو صدقنا الله وأدينا حقه! لقد كان المسلمون الأوائل قلة في جزيرة مهجورة مستوحشة، لا تهتز بها حضارة ولا تخشى لها قوة، فإذا هي بغتة تتحول بالعقيدة إلى إعصار يقتلع جذور الشرك والوثنية وطواغيت الباطل في كل مكان.
أنا لا أخشى الأعداء بقدر ما أخشى من نفسي، يوم أستند إلى الله ويصح توكلي عليه واستمدادي منه، فإن القوى الذرية سوف تأكل أصحابها قبل أن تأكلني، وقد أنجو منها بعقيدتي وشعب الإيمان التي أعتز بها وأعيش في دائرتها.
لكن السؤال الذي نطرحه بإلحاح هو: متى يدخل العرب في الإسلام؟! وإذا كان غيرهم لا يستحي من يهوديته ولا من نصرانیته، فلِمَ نستحي نحن من خير رسالة طرقت أبواب العالم؟!
إنني أعجب لأن المطران كبوتشي لم يشعر بغضاضة إذ أرسل تهنئة على قتل عشرات المسلمين في سورية! لِمَ هذه التهنئة؟ وهل هذا وحي النصرانية التي يعتنقها؟ أم أن الحقد على الإسلام أخرج الرجل عن وعيه؟ أما كان أشرف له أن يصمت إذا لم يستطع أن يقول كلمة حق؟
من يصدق في المشرق أو في المغرب أن الإخوان المسلمين الذين تحاربهم أمريكا من 30 سنة يُتهمون بالعمالة لها؟! ومن الذي يصدق أن الإخوان المسلمين الذين قُتلوا أو اعتُقلوا في مصر فترات عصيبة يصبحون عملاء للنظام المصري ضد النظام السوري؟
وبديهي أمام كل ذي لب أن الغاية هي ضرب المسلمين حيث كانوا، وقد قلت ولا أزال أقول: إن القوى الشريرة تتربص بنا، ويجب أن نستيقظ على عجل حتى ننجو بأنفسنا وتراثنا ورسالتنا.